كم سمعت يوما أحد الكبار ينعتك ويقول لك: أنت فاشل.. زمنكم زمن أخبر.. ملكوش كبير.. ولا ليكو أمل.. الله يرحم أيامنا..
كم يوما فكرت مثلى ومثل معظم شباب جيلنا من هؤلاء الذين رفعهم الكبار لمرتبة النجوم يلعنوننا كل يوم، ويلعنون أيامنا وزماننا، أنت لا ترى فيهم نجوما، تراهم سرابا..
كم فكرت يوما لماذا هذه الحيرة التى أنا وشباب جيلى يعيشونها، وتلطمنا موجات بحور تلاطم أفكارنا وتضاربها.
لماذا هم قالوا على زمنهم ما لا يقال عن الجنة؟؟؟ لماذا نحن الآن فى زمن ليس له معنى؟ هل ما يقولونه صحيح؟؟ أم أنهم يتوهمون؟؟؟ ونحن هل نصدق؟؟ هل نعلق أقوالهم لافتات على صدورنا نقابل بها الحياة….. ونفشل…….
وحتى إن كان ما يقولوه صحيحا، فلسنا من صنعنا الظروف…. إنهم صنعوها قبلنا، وأنشئنا هكذا….
أرى حيرتى وحيرة جيلى كل لحظة، وفى كل مكان….أتعذب بعذابهم، وأتأوه مثلهم…تأوه صامت فى صورة حزن، أو استسلام، ويأس للظروف…..جيل الكبار لم يك مثلنا.. ولا نحن مثلهم.. هم نشأوا فى ظروف غير ظروفنا، وسبقتهم أجيال بما غير ما سبقونا به هم…….
جيلى هذا نشأ كالحبل يتجاذبه طرفان، لا يتفاهمان، طرف دينى، وطرف آخر متمثل فى الحياة الثقافية، معظما وما يتبعها من فنون مختلفة تدخل أبسط بيت عن طريق التلفاز….
هذا الطرف الدينى قوى نشأ تشدده وتعصبه كرد فعل لقوة الطرف الآخر… الطرف الآخر الذى لم يحاول التفاهم معه… فصنع منع عدوا…. وإن أمكن أن يصبحان صديقين متقاربين متوافقين لهم أهداف موحدة….
هذا الطرف الآخر أخذ قوته فى عصر الكبار، عصر انفتاح العقول على الحضارة الأوربية… وإن كان من أول من تفتحت عقولهم على هذه الحضارة العظيمة، وهى فى ناحية لا شك فى عظمتها كانوا من أعمدة الإسلام المعتدل الذى نشده… ولكن صوته مكتوما مبحوحا خافيا متواريا…..
إن النهضة الأوروبية قامت فى ظل التحرر الدينى من الكنيسة المستبدة الجاهلة هناك، وانتشرت كتب الفلسفة والفنون المختلفة تهاجم الكنيسة.. تنادى بالتحرر من قيودها.. ومن أغلالها للعلم والحرية…. لكن جاءت الدعوة للتحرر عامة لك دين.. وأصبح ما يوجه للكنيسة القديمة هناك من اتهامات توجه لكل الأديان… وظهر فلاسفة أثروا فى الحياة الإنسانية ينادون بالإلحاد، كنيتشه المادى المجنون الذى قال: ليس هناك طريق للتخلص من الخطيئة الإنسانية، ولذلك فالحل أن نقضى على الإله نفسه، حتى لا يوجد معنى للخطيئة…. وظهر الفلاسفة الوجوديون وأبوهم الروحى كيركجور، ينادون بالتحرر من كل القيود وبالحرية، يعارضون الكنيسة، وكان معظمهم ملحدين متعصبين، مؤمنين بالإلحاد.. وإن كان كيركجور نفسه لم يلحد… ومنهم الأديب الفرنسى جان بول سارتر، وألبير كامى، وسيمون دى بوفوار… وغيرهم… كان لهذا المذهب فى الفلسفة والأدب رد فعل طبيعى لظلم الكنيسة وبطشها… وكذلك ضد الحركة الشيوعية وفلاسفتها نيتشه وكارل ماركس، وهيجل… وهى مدرسة أو مذهب، إن صح القول بأنه مذهب، به الصحيح وبه الخطأ… المشكلة فى التعصب والتشدد لمدرسة ما أو فلسفة ما…..
وبالتالى تأثر المثقفون والأدباء العرب فى هذه الفترة، بهذه العداوة للدين، فعاشوا فى حالة نفاق، لا أتهمهم، ولكنى أصف حالهم، فتجد الأديب أو الفنان فى هذه الفترة، وما زال حتى الآن نعيش هذا، يعيش حياة الغرب، وفنه أو أدبه لا صلة له بنا، فعلى سبيل المثال نحن شعب معظم نسائنا ترتدى الحجاب، هل رأى أحد منكم امرأة واحدة فى التلفاز أو السينما ترتدى هذا الحجاب؟!! إلا ما ندر، وتراهم فى ذات الوقت يخرجون فيمدحون فى دينهم وإسلامهم.
كيف يعبر عنا الفنانون والأدباء بشخصيات لا تشبهننا… كيف؟؟؟!!!!! لماذا نحس فيهم بالهجوم دائما على التدين ومظاهره؟؟!!! وإن كان وسطيا معتدلا…….
فاكن طرف الحبل الآخر هذا متشددا ضد الطرف الآخر، بل وعمم بعضهم.. بأن الأدب والفن حرام… رجس من عمل الشيطان……
أصبح عندنا طرفان، لا يتفاهمان، كل منهما لديه العذر المقبول لتعصبه وتشدده ضد الطرف الآخر……
هذا الجيل من الكبار لماذا لم يلتف حوله هذا الحبل، وضمره كما يضمرنا وبعذبنا ويحير رؤوسنا وقلوبنا؟؟!!!…..أقول إنهم لم يشهدوا مثل هذه الصحوة الدينية التى نشهدها فى عصرنا… ليس صحوة بمعنى الكلمة، فالأغلب ليس كذلك.. وإنما هى صحوة الدعاة والشيوخ… علا صوتهم وارتفع…. وزادوا من شد الحبل لناحيتهم…..
لم تك هذه الصحوة إلا رد فعل طبيعى… وكان بنفس قوة الطرف الآخر وفى عكس اتجاهه… أنا لا أعمم لكن الأغلب جرى هكذا فى رأيى…. لم يحاول هذا الطرف مناقشة الطرف الآخر بل والاستفادة منه… بل عاداه.. وكما قلت إنه رد فعل طبيعى…..
بدأت معاناتنا، أنا وأنت، بالإرهاب…. ثم اختفى.. وظل يظهر مرة ويختفى مرة.. يطل بوجهه القبيح علينا… ويرعبنا ثم يختفى… وقد أفاد خصومه بأنهم قد قيدوه أكثر وأكثر…. وللأسف يقيدون حيرتنا مع حريته……..
أصبحنا أنا وأنت، نعيش حالة من اللا تحديد من نحن وما نريد… اشتد هذا الحبل على عقولنا وقلوبنا.. واستسلمنا…. لا نعرف ما نحن وهل نوجد حقا؟؟؟…..
لم يتفاهم الطرفان حتى الآن… ونظل نحن الضحية… متى التفاهم؟؟؟!!!… متى أرى نفسى حقا.. لا أعيش مذبذبا بين هذا وذاك….. لا أنكر أن بشائر التفاهم قد ظهرت… لكن صوتها ليس صوتا… ولا له صدى.. ولا مكانا فى قلوب الناس.. إلا القليل… وحتى إنه إن وجد مكانا فإنه ليس واضحا أيضا……..
إلى شيوخنا وعلمائنا.. إلى أدبائنا وفنانينا… أنتم خاطئون بحكمكم على الطرف الآخر… تفاهموا… أريحوا عقولنا وقلوبنا… وأنقذونا من عواصف حيرتنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة