ضمن الحملة المناهضة لترشيح وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى التى يتعرض لها من قبل شخصيات يهودية شهيرة التى بدأها كلود لانزمان وإيلى فيزل وبرنارد هنرى ليفى بمقالهم الذى نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية فى 22 مايو، ها هو ليفى يقوم بكتابة مقال آخر فى مجلة "لوبوان" اليوم، الخميس، تحت عنوان "دعونا لا نترك منظمة اليونسكو بين يدى شرطى الثقافة"، يدعو فيه الدول التى ستصوت الخميس المقبل، بعدم انتخاب فاروق حسنى. وفيما يلى نص المقال.
يوم الخميس القادم، الموافق 17 سبتمبر، هو اليوم الذى ستقول فيه الدول الثمانى والخمسين كلمتها إذا كانت ستختار أم لا، على رأس منظمة اليونسكو، رجل مشهور الآن بوعده وهو القيام بنفسه بحرق الكتب العبرية التى يمكن وأن تكون قد تسللت، على الرغم من يقظة الإسلاميين، إلى رفوف مكتبة الإسكندرية.
هذا الرجل يدعى فاروق حسنى.
لقد لفت أنا وكلود لانزمان وإيلى فيزل، انتباه الجمهور الفرنسى (فى مقال نشر فى صحيفة لوموند فى 22 مايو 2009) والجمهور الأمريكى (فى هافينجتون بوست فى اليوم التالى) إلى تصريحاته المنفرة. ومنذ ذلك الحين بدأ هذا الشخص الحارق للكتب والنفوس حملة انتخابية لا يضاهى جنونها سوى مهارة التضليل. وسوف أجيب هنا، قبل فوات الأوان، على بعض الحجج، التى يسوقها، ربما بحسن نية، أولئك الذين يستسلمون لانتخابه.
الحجة الأولى: وهى أن فاروق حسنى قد "اعتذر" عن تصريحاته.
هذا خطأ ! وذلك لأن، بعيدا عن أن نص الندم، كما أصبحنا نعلم اليوم قد كتبه جزئيا شخص آخر (الفرنسى هنرى جينو أحد مستشارى الرئيس الفرنسى ساركوزى)، فإن فاروق حسنى لم يسحب تلك الكلمات المسيئة التى يعزى مجيئها فقط إلى سياق من الغضب.
الحجة الثانية: أن فاروق حسنى مناور، يراوغ عدوه الحقيقى وهم الإخوان المسلمين.
إنها مزحة! أولا، لأن فى مصر، وهو وزير ثقافتها منذ اثنين وعشرين، لا يمكن نشر أى عمل فكرى قبل الحصول على موافقة مسبقة من الأزهر. ثم إن هناك حالات كثيرة، قام فيها هو نفسه بأخذ المبادرة وتعلل بحجة "الإساءة للإسلام"، سواء فى فيلم (عمارة يعقوبيان) أو كتاب (السيرة الذاتية لنوال السعداوى فى 2001)، أو قصائد (كما كان الحال فى 2007 مع مجلة إبداع).
الحجة الثالثة: وهى أن فاروق حسنى مصرى، وقد نغضب برفضنا إياه مصر، هذا البلد الكبير.
وهنا نصل إلى قمة المغالطة. لأنه إذا كان صحيحا أن هذا الرجل مدعوم من قبل نظام الحكم الفردى، الذى يتغنى بمجده منذ عقود من الزمن، فمن الواضح أنه ليس كذلك بالنسبة لمصر الأخرى، مصر المبدعين والفنانين، وهى الوحيدة التى تهم فى هذا الظرف.
وعلى أولئك الذين يشكون فى ذلك أن يفكروا فى سيناريو آخر أفلام المخرج خالد يوسف "لحظة ضعف"، التى رفضته الرقابة مؤخرا، لأنه يتعرض لفكرة العذرية قبل الزواج، أو يحصلوا على كتاب القصص المصورة لمجدى الشافعى، الذى سحبته "شرطة الآداب" المكلفة بمعاقبة "التعدى على الأخلاق" من الأسواق بحجة أنه يحتوى على رسم حيث نقرأ: "فى هذا البلد، الفقراء هم من يذهبون إلى السجن".
فلينظر ممثلو الدول التى ستصوت يوم الخميس القادم، قبل تحديد خيارهم، إلى بعض (على الأقل بعض) من الحالات التى لا تحصى من الكتاب الذين تعرضوا للاضطهاد خلال السنوات الأخيرة من قبل فاروق حسنى وأجهزته، والذين أملك قائمة بأسمائهم، متاحة لمن يريد الاطلاع عليها (برنارد كوشنير ونيكولا ساركوزى على سبيل المثال).
وذلك لأن المسألة باتت الآن بسيطة. هل سوف يعهد بمقاليد تلك المؤسسة الثقافية العالمية لرجل، عندما يسمع كلمة "ثقافة"، يُخرج مقصه أو ولاعته؟
أيمكننا أن نضع على رأس هذه المنظمة المكرسة للدفاع عن مبادئ حرية الرأى والتعبير وزيرا لدولة نجحت فى أن تحتل، خلال فترة توليه منصبه، المركز 146 من أصل 173 فى تصنيف حركة "مراسلون بلا حدود"، وانطلقت، كما لو كان هذا لا يكفى، فى عملية مطاردة غبية وهمجية للمدونين ومستخدمى "الفيس بوك" وغيرهم من المستخدمين (إن وصوله إلى مهامه الجديدة قد يتزامن مع صدور قانون فى مصر كان يرغب فيه، ينص على فرض عقوبات سجن قاسية فى حالة "إساءة استخدام الإنترنت")؟
ثم هل سنمنح "لجنة التراث العالمى"، بحجة أنه يمثل "الجنوب" أو "العالم العربى"، لشخص عندما كان مسئولا عن تراثه القومى، رأى ثلاثة من موظفيه المباشرين يتعرضون لأحكام قضائية قاسية نتيجة تورطهم فى تهريب الكنوز الأثرية المصرية؟
أنا أملك فكرة رفيعة عن بلد نجيب محفوظ ومعابد أبو سمبل - وأضع كذلك متطلبات الحوار بين الشمال والجنوب فى مكانة عالية – لقبول الحكم بهذه الطريقة.
ولعل الوقت قد تأخر بالفعل، إذ ربما كان من الأجدر أن تتمسك كل من المغرب بترشيح عزيزة بنانى، والبرازيل جيلبرتو جيل، أو أن تدعم الجزائر محمد بجاوى.
ولكن لم يعد هناك وقت للآسف. وعند المرحلة التى نقف عندها بالفعل الآن، لم يعد أمام أولئك فى أوروبا وغيرها الذين لا يريدون رؤية حتمية الحوار بين الحضارات والثقافات تنحرف عن مسارها (وأولئك أيضا الذين يبتهجون لرؤية اليونسكو تستعيد قليلا صورتها فى الآونة الأخيرة) سوى ضرورة ملحة، ألا وهى قطع الطريق أمام رجل يشهد ماضيه بأكمله ضد المثل العليا لهذه المؤسسة.
ومن ناحية أخرى، شن جويل روبينفيلد، رئيس هيئة التنسيق بين المنظمات اليهودية فى بلجيكا ونائب رئيس المؤتمر اليهودى الأوروبى هجوماً جديداً على وزير الثقافة فاروق حسنى، احتجاجا على ترشيحه على رأس منظمة اليونسكو التى تختار هذه الأيام مديرا جديدا لها لأربع سنوات قادمة. ونُشر هذا المقال فى صفحة الرأى فى كل من جريدة "لوتون" السويسرية و"لوسوار" البلجيكية، تحت عنوان "فاروق حسنى لا يناسب اليونسكو".
يقول روبينفيلد إن ترشيح فاروق حسنى لهذا المنصب يثير الدهشة إذا ما تم النظر إلى طبيعة هذه الوظيفة – التى تتعلق بالدفاع عن التنوع الثقافى والتعاون الفنى على الصعيد العالمى – والتصريحات التى يدلى بها فاروق حسنى، "العدو اللدود"، كما يحب دائما التذكير بذلك، لأى تطبيع بين بلاده وإسرائيل، والمعتاد على التصريحات النارية ضد الإسرائيليين، بل وأيضا ضد اليهود. فقد سبق وصرح عام 1997 فى أعمدة المجلة الأسبوعية المصرية روز اليوسف "أن اليهود يسرقون تاريخنا وحضارتنا، وهم أنفسهم لا يملكون حضارة ولا دولة ولا يستحقون أن تملكون واحدة"، كما كان يلوح فى 2001 كذلك بالحديث عن طيف "تسلل اليهود فى وسائل الإعلام الدولية".
ويحذر روبينفيلد من ضرورة عدم الانخداع بالمنحنى الذى اتبعه المرشح المصرى على مدار الأشهر الأخيرة لكسب حظوة الثمانى وخمسين دولة التى ستشارك فى الاقتراع فى غضون أيام قليلة. حيث إن الرجل الذى يدعو روجيه جارودى (الذى ينكر المحرقة اليهودية) ليتحدث فى القاهرة عام 2001 ويفرغ فيها كلامه الأحمق، أو يؤكد عام 2008 أمام البرلمان المصرى: "إن وجدت كتب إسرائيلية سوف أقوم بحرقها بنفسى أمامكم" لهو رجل لا يستحق أن يتولى هذا المنصب المرموق الذى يسعى إليه.
إن هدف اليونسكو واسع وطموح وهو "بناء السلام فى عقول البشر عن طريق التربية والعلم والثقافة والاتصال" ومن ثم سيكون أمرا من درب الجنون أن يتم وضع إدارة الشئون الثقافية للعالم فى يد رجل عندما يسمع كلمة "ثقافة" يُخرج "قاذفة اللهب" الخاصة به.
وعند الإعلان عن ترشيح فاروق حسنى، تناول 15 مثقفا مصريا بشجاعة قلمهم، خشية من احتمال وصول هذا الرجل إلى رأس منظمة اليونسكو، وهو الرجل الذى يرجع تاريخه الطويل فى خنق الحريات إلى مشاركته "فى قمع حركات الطلاب المصريين فى باريس عندما كان يعمل ملحقا ثقافيا فى السفارة المصرية بباريس فى 1972. ولايزال هؤلاء المثقفون يكتبون: "من الواضح أن مثل هذا الشخص، ذى الماضى البغيض، لا يصلح لأداء مهمات هذا المنصب الذى يتطلب مستويات عالية من الخُلق والنزاهة، ناهيك عن احترام كرامة الإنسان".
وينهى روبينفيلد مقاله قائلا بأنه ربما كان من المفيد التذكير بأن الوكالات التابعة للأمم المتحدة قد كونت فى الأساس لضمان حماية وتعزيز الحرية والسلام والتقدم والتنوع، وهى القيم النبيلة التى دُحضت بالفعل من جراء تولى ليبيا المخزى هذا العام لرئاسة اللجنة التحضيرية لمؤتمر جنيف حول العنصرية (ديربان الثانى). ومن ثم سيصبح من المفيد ألا تصبح الذراع الثقافية للأمم المتحدة مصدر سخرية وعار لو عُهد بمفاتيح هذه المنظمة "مكتبة البشرية الكبيرة" إلى شخص متحمس للحرق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة