لكل منا حلم, عاش حياته وهو يسعى بكل ما أوتى من قوة لتحقيقه, طوع كل إمكانياته المادية والجسدية لتحقيق هذا الحلم, وربما قدم من التضحيات الكثير فى سبيل تحقيقه, سهر الليالى, بينما أقرانه يغطون فى نوم عميق, حرم نفسه من متع الدنيا, وإن كان المتاح له منها قليل, وربما حرم نفسه من أن يلهو مثل أقرانه, استغل كل دقيقة فى وقته, رسم لحياته طريقا واحدا, وأخذ عهدا على نفسه أن يلزم هذا الطريق الذى ظن أنه يقوده إلى تحقيق حلمه, تمر حياته وليس فيها إلا الجد, والاجتهاد, والحزم, والتضحيات, ولكنه سعيد بذلك, لا ينظر إلى أقرانه الذين لا عمل لهم إلا اللهو واللعب, ولا مكان فى حياتهم لجد, أو اجتهاد, أو لحلم يسعون إلى تحقيقه, كان يرى أن أقرانه تافهون لا يقدرون الحياة التى يعيشونها وأنهم فى النهاية خاسرون لا محال.
وكان يقنع نفسه بأنه الرابح فى النهاية, وذلك عندما يجنى ثمرة جده واجتهاده, ويعود هؤلاء التافهون بخفى حنين, وتمر السنون وهو ينتقل من جد إلى جد ومن اجتهاد إلى اجتهاد, ينتظر اليوم الذى يجنى فيه ثمرة جهده, ولكن هذا اليوم لا يجىء, وفرص تحقيق حلمه تتضاءل شيئا فشيئا حتى تتلاشى ويجد نفسه فى نهاية الطريق, وقد عاد هو بخفى حنين وليس أقرانه التافهون أو كما كان يظن, ينظر حوله فيجدهم إما أنهم لا يختلفون عنه كثيرا فكلاهم قد آل إلى المصير نفسه, يعمل فى محل, أو بنزينة, أو يعمل بائعا متجولا, أو أى عمل من الأعمال اليدوية التى تعتمد على المجهود البدنى وليس الذهني, أو يجد من كان يسخر منهم قديما, لتبلدهم, وغبائهم, أو لأنهم لا هم لهم فى الحياة إلا اللهو واللعب وقد تقلدوا وظائف مرموقة, أو مناصب حساسة, حتى صاروا هم الذين يسخرون منه الآن, وينظرون اليه نظرة احتقار واستخفاف, وكأن لسان حالهم يقول" يا ترى من منا الذى ربح فى النهاية؟" تدور به الأرض فهو لا يصدق ما يحدث من حوله, ولكنه لا يعدم من يواسيه بقوله "إن العمل ليس عيبا, طالما أنك تعمل عملا شريفاً" أو من ينصحه بأن ينسى شهادته ويعيش حياته فليس شرطا أن تعمل بشهادتك وامتهن أى مهنة أخرى طالما أنها حلال.
ويصرخ هو بصوت لا يسمعه غيره "يا قوم وما فائدة المشوار الطويل الذى قطعته إذاً؟؟ ومن أجل ماذا كان جدى واجتهادى؟؟ وعلام حرمت نفسه من متع الدنيا وحبست نفسى لأجل حلم لم يتحقق؟؟ وأى منطق وأى عقل يقول بأن الفاشلين هم من يربحون فى النهاية, طالما أننى فى النهاية سوف أعمل فى محطة للبنزين أو بائعا متجولا ماسحا للصحون, فلما كان هذا العناء الذى عانيته؟ ومن أجل ماذا كانت تلك التضحيات التى ضحيت؟ أما كان الأجدر بى والحال هكذا أن أوفر على نفسى وأهلى مشقة هذه الرحلة الطويلة, وأعمل منذ البداية فى أى عمل؟ أو أمتهن أى مهنة ؟ "ْوَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) "المائدة".
د. عبد اللطيف فايز يكتب: اعدلوا هو أقرب للتقوى!!
الخميس، 10 سبتمبر 2009 03:35 م