لا شك أن اسم الصفة الذى يطلق على الحزب أو التجمع السياسى يساهم بشكل كبير فى نظرة الناس إليه وانجذابهم إليه أو نفورهم منه، خاصة عندما يتكرر هذا الاسم ليل نهار من خلال وكالات الأنباء التى تتحكم فى نقل الأخبار وتوزيعها على المحطات الفضائية، وهو ما يمكن أن يضع هذا الفصيل السياسى أو ذاك فى إطار معين يدفع المشاهدين البسطاء إلى قبوله أو رفضه بغض النظر عن حقيقة توجهاته.
وتساهم الإدارة الأمريكية بنصيب الأسد فى إطلاق مسميات الصفة على جميع القوى السياسية الفاعلة على المسرح السياسى الدولى، ويتم اختيار هذه المسميات طبقا لموقف هذه القوى من السياسة الأمريكية، قبولا أو رفضا.. قربا أو بعدا، وتتولى وزارة الخارجية الأمريكية من خلال تقريرها السنوى عن حقوق الإنسان تصنيف دول العالم طبقا لهذا المقياس، وهذا هو موضوع مقالنا اليوم، كما تساهم الدول التابعة فى منطقتنا العربية بنصيبها فى إطلاق مسميات الصفة على القوى السياسية المعارضة لها، وهذا موضوع مقال تال لو كان فى العمر بقية.
النوع الأول من الدول من وجهة النظر الأمريكية، هو الدول المطيعة المسماة بالمعتدلة التى لا تخرج عن الطوع الأمريكى، وتتميز الأنظمة الحاكمة فى هذه الدول بالتمسك بالسلطة وعدم تداولها مهما كان الثمن بالإضافة إلى تزوير الانتخابات مع الولاء الكامل لأمريكا وإسرائيل.
وتصنف التقارير الأمريكية هذه الدول على أنها دول مستقرة وتحترم حقوق الإنسان بدرجة مقبولة، ولا بأس من ذكر بعض المخالفات القليلة التى تعطى التقرير نكهة من المصداقية دون أن يؤثر ذلك على مدلول التقرير أو على تبرئة هذه الدول من أى مخالفات، لكن تزوير الانتخابات وآلاف المعتقلين ومئات القتلى ضحايا التعذيب فى السجون لا تراه أو تذكره هذه التقارير.
حسنا.. السؤال الآن، ما الذى تجنيه الأنظمة الحاكمة فى هذه الدول مقابل هذا الولاء والطاعة التامة؟ وما الذى تجنيه الولايات المتحدة؟
أول ما تجنيه الأنظمة الحاكمة فى هذه الدول هو تأمين كرسى الحكم وضمان استمراريته لمدد غير محدودة، وثانيها تغاضى التقرير الأمريكى عن غياب الديمقراطية البرلمانية وعدم نزاهة الانتخابات، وثالثا تغاضى التقرير عن جميع انتهاكات حقوق الإنسان، ورابعا التغاضى عن كشف أرصدة وأرقام الحسابات السرية الموجودة فى بنوك سويسرا.
( يقول الراحل الدكتور/ زكى نجيب محمود فى كتابه "تجديد الفكر العربى" عن نظم الحكم العربية ما يلى: "ندر أن زالت حكومة لأن الشعب المحكوم بها لم يعد يريدها، فهناك فوق كرسى الحكم ملك أو رئيس أخذ الحكم وراثة أو أخذه عنوة، وفى كلتا الحالتين لا يزحزحه عن كرسيه إلا غدر أو قتل أو سجن أو ما رأيت من سبل تكون فى وسع خليفته، فلا الشعب اختار، ولا لشعب يملك حق العزل، ولا القلة ممن لهم الصدارة فى المجتمع يستطيعون بإزاء الأمر الواقع شيئا إلا الطاعة أو العصيان والمؤامرة".
أما الذى تجنيه أمريكا من هذه الدول مقابل رعايتها وما تتحمله من معونات مادية لها هو عملها كرأس حربة للنفوذ الأمريكى والتطبيع الإسرائيلى، حيث إنها بموجب نفوذها فى مناطقها وربما بموجب بعض ما بقى من زعامتها تستطيع أن تؤثر فى الدول الموجودة فى محيطها واستمالتها بعيدا عن خط الممانعة والمقاومة مستغلة فى ذلك مشتركات اللغة والدين وصداقاتها مع النظم الحاكمة، وإذا فشل أسلوب التجنيد هذا فربما تقوم هى نفسها باختلاق المشاكل والقضايا ونسج المؤامرات وإلصاقها بهذه الدول والمنظمات لتعطى الذريعة للأمريكيين كى يقولوا "وشهد شاهد من أهلها".
هذا عن النوع الأول المسمى بالمعتدل، أما النوع الثانى فهو الدول غير الخاضعة للنفوذ الأمريكى كلية والتى تحاول الحفاظ على استقلالها الوطنى فى وجه تمدد الهيمنة الأمريكية وسطوتها وذلك بالاعتماد على نفسها لتحقيق التقدم العلمى والصناعى والعسكرى، وهنا فى حقيقة الأمر يكمن مربط الفرس، فهذه الدول تسعى إلى تأكيد استقلالها وتفعيله من خلال الحصول على مقومات التقدم التكنولوجى، خاصة المعرفة النووية التى تكفلها القوانين والمواثيق الدولية، حتى بالنسبة للدول الموقعة على معاهدة منع الانتشار النووى، ورغم أن ذلك مباح ومتاح، إلاّ أن قليلا من الدول التى تملك الشجاعة لاستخدام هذا الحق لصالح شعوبها وأمنها القومى، ومن يجرؤ على ذلك يعتبر فى نظر أمريكا دولا مارقة تتسبب فى عدم استقرار المناطق التى توجد بها وتعمل على إثارة المشاكل وتدعم الإرهاب.. وقل ما شئت إلى آخر الإسطوانة المشروخة، هذه الدول من وجهة النظر الأمريكية الإسرائيلية يجب محاربتها والقضاء عليها واستصدار قرارات من الأمم المتحدة بتوقيع العقوبات المختلفة عليها وحصارها، وربما إخضاعها للفصل السابع بما يمكّن من استخدام القوة ضدها، السؤال هو لماذا تعتبرها أمريكا دولاً مارقة ؟ الإجابة ببساطة، لأن أمريكا وإسرائيل تعلمان أن التقدم العلمى والتكنولوجى يمكن من يقوم به من الحصول على المعرفة النووية التى هى الضمان الحقيقى للاستقلال الوطنى لأى دولة، إنه بعبارة أخرى يعنى قدرة الدولة على امتلاك قوة الردع العلمية والتكنولوجية، حتى ولو لم تكن تمتلك أى سلاح نووى، فالدولة التى تمتلك المعرفة النووية وتمتلك تقنيات دورة الوقود النووى تستطيع امتلاك سلاح نووى فى بضعة أسابيع، وبالتالى تستطيع الانطلاق خارج نطاق الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية وحماية حدودها ومواردها ومواطنيها، بل وأكثر من ذلك فإنها تردع أى دولة نووية عن مهاجمتها أو الاعتداء عليها، وذلك دون الحاجة إلى الدخول فى أى حرب، وهذا فى النهاية يمثل كسر للتابو الإسرائيلى فى المنطقة، وبالتالى يضع نهاية للحلم الصهيونى والبلطجة العسكرية الإسرائيلية، ويحول إسرائيل إلى دولة طبيعية مؤدبة تحاول الاندماج مع الدول المحيطة بها فى المنطقة والمجتمع العربى من المحيط إلى الخليج.
وبين الدول الخاضعة والدول والمارقة يوجد صنف وسط، فلا هى دول قابلة لشروط الدخول فى بيت الطاعة ولا هى دول رافضة للنفوذ الأمريكى كليّة، وهى تسمى دول الممانعة، فرغم رفضها للنفوذ الأمريكى الإسرائيلى إلا أنها لا تملك وسائل التمسك بهذا الرفض أو الدفاع عنه، وهذه الدول يجرى ترويضها خطوة خطوة على نار هادئة، ومن أجل ذلك تلجأ الإدارة الأمريكية إلى سلسلة من التضاغطات والتخلخلات، بالإضافة إلى حلقات من رفع حرارة ما تعانيه هذه الدول من مشاكل إلى درجة الغليان يلى ذلك عرض المساعدات السخية عليها، مما يخفض حرارة مشاكلها، وبين هذا وذاك يتم بسترة نظم الحكم فى هذه الدول وترويض شعوبها بما يفقدها القدرة على اتخاذ أى قرار مستقل أو التحرك، إلا من خلال المخطط الأمريكى والمساعدات الأمريكية، وبذلك تنضم فى النهاية إلى الدول المنبطحة.
يبقى بعد ذلك الفصيل الأخير وهو الأكثر خشية ورعبا بالنسبة لكل من أمريكا وإسرائيل والذى يسبب لهما أرقاً بالليل وهماً بالنهار، بالإضافة ربما إلى بعض الدول المنافقة داخل الاتحاد الأوروبى وداخل المنطقة العربية الطامحة إلى استرضاء أمريكا وإسرائيل.
هذا الفصيل يشمل الدول والمنظمات والأحزاب وجماعات التحرر الوطنى خاصة ذات الصبغة الإسلامية التى تحارب النفوذ الأمريكى والاحتلال الإسرائيلى بقوة السلاح، وهذه القوى بطبيعتها غير قابلة للترويض حيث إن الموت فى سبيل أوطانها ومعتقداتها هو آخر مايقلقها، ولأن هذا الفصيل لا تستطيع أمريكا أن تستعمل معه سياسة العصا والجزرة، كما أنها لا تستطيع أن تغريه بالكرسى والتوريث، وإدراكا لهذه الحقائق واختصارا للوقت تقوم أمريكا بوضع هذه الدول والمنظمات فورا على قائمة الدول والمنظمات الإرهابية أو الداعمة للإرهاب، رغم أن معظمها – إن لم يكن كلها هى حركات تحرر وطنى تكتسب شرعيتها من ميثاق الأمم المتحدة الذى يعطى الدول المحتلة حق قتال المستعمر لتحرير أرضها دون أن يشكل ذلك أى جريمة أو مخالفة للقوانين والتشريعات الدولية التى تدعى أمريكا نفسها كذبا الإيمان بها والدفاع عنها، وهذا التصنيف يعطى تلقائيا لجيوش هاتين الدولتين حق العدوان على أى دولة أو منظمة وقتل أى عربى أو مسلم أو مسيحى فى هذه الدول أو المنظمات بدعوى أن هذا عمل احترازى يدخل فى نطاق الدفاع عن النفس، أما دفاع هذه الدول والمنظمات التى هى فى الغالب عرب ومسلمون عن نفسهم بالوسائل البسيطة الفدائية التى لا يملكون سواها فهو عمل إرهابى يستوجب العقاب الذى تنفذه دبابات المركافا وطائرات F18 وصواريخ توماهوك وكروز التى أطلقت على مصنع أدوية الشفاء فى السودان، وطبعا هذا كذب وتدليس، وصورة فجة من العهر السياسى لا تصدر إلا من هذه الحكومات.
والآن.. إذا كنا قد فهمنا واستوعبنا هذا التصنيف، فلنتعاون معا فى حل الاختبار الآتى:
السؤال الأول:
اذكر أسماء ثلاث دول ذات استقلال وطنى يمكن أن تندرج تحت مسمى الدول الممانعة طبقا للتصنيف الأمريكى؟
السؤال الثانى:
اذكر أسماء ثلاث دول ذات استقلال وطنى يمكن أن تندرج تحت مسمى الدول المارقة طبقا للتصنيف الأمريكى؟
السؤال الثالث:
اذكر أسماء ثلاث دول أو أحزاب فى المنطقة العربية يمكن أن تندرج تحت مسمى الإرهاب طبقا للتصنيف الأمريكى؟
السؤال الرابع:
اذكر أسماء ثلاثين دولة ونظاما فى المنطقة العربية يمكن أن تندرج تحت مسمى الدول المنبطحة طبقا للتصنيف الأمريكى؟
أكتب إجابة الأسئلة السابقة على ورقة سوداء بحبر أسود.. مثل أيام انحطاط الحكم العربى.. وعلقها فى مكان بارز تستطيع أن تراه بوضوح كلما ألمت بأوطاننا مصيبة.
مستنى إيه.. خلاص.. انتهى الدرس.. مع الاعتذار للفنان محمد صبحى.