منال العيسوى

الصائمون الجاحدون وأم إسماعيل!

الخميس، 10 سبتمبر 2009 12:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رفعت يديها للسماء تدعى لأولادها بالخير والصحة وألا يكتب الله عليهم الذل والجحود.. هكذا جلست أم إسماعيل تحاول أن تسند جسدها النحيل على طرف كنبتها العالية متوجهة بنظرها إلى باب شقتها الخشبى تنتظر طرقات الغائبين.. إنه وقت ما قبل انطلاق مدفع الإفطار.

جلست والحيرة فى عينها وقلبها يراقب الباب بنهم المحب.. دق الباب فهرولت قدر استطاعتها تلامس أقدامها الأرض ببطء ويسبقها قلبها لـ"أوكرة" الباب.. مرددة حاضر .. حاضر أنا جاية أفتح .. أنه محمود الشقى طفل الجيران يسألها عن كبريت حتى يشغل صاروخ رمضان، وكأن خيبة أملها شلت لسانها فتعلثمت بالكلام قائله لاء يا حودة أنا معنديش إلا ولاعة مش شغالة يدوب شررها يقدر يولع البوتجاز .. يتركها محمود ويقفز على السلم مطمئناً رفاقة الصغار خلاص.. أنا نازل.. جاى.

تدخل أم إسماعيل وتترك باب شقتها مفتوحا تسترق السمع على سلم منزلها الضيق.. مع كل صوت قادم، يولد بداخلها أمل جديد فى أن يكون أحد أولادها الثلاثة، إسماعيل وأحمد وبطة ومعهم أولادهم الصغار فقد اشترت لهم ما يكفى من صواريخ رمضان حتى ترسم الفرحة على وجوههم، لعل ابنتها تأتى بطفليها وتساعدها فى تحضير الفطور وصينية الكنافة بالقشطة، التى كانت تصر أن تصنعها لها أمها بنفسها كل عام. تجلس أم إسماعيل ويطول انتظارها فلأول مرة تفتح باب شقتها عليها وتتركه على مصراعيه تحاصرها كلمات الجيران وخاصة الشقة المقابلة لها، وصوت ابنتهم الكبرى نهى التى كانت تتمناها عروسا لابنها.

استعادت أم إسماعيل شريط ذكرياتها المؤلم مع أولادها حين لفظها الابن الأكبر إسماعيل إرضاءً لزوجته التى لا تحب أن يشاركها أحد فى منزلها، وطردها وتنصل منها فى مرضها، فذهبت لابنتها وكيف أخبرها زوجها أن ابنها لم يتحملها فبأى منطق أتحملها أنا؟ ولملمت أم إسماعيل أشياءها القليلة ورحلت من منزل ابنتها بعد أن أخبرها زوجها أن تعطى لابنتها نقودا لشراء اللى عايزه تأكله، وحاولت أم إسماعيل إرضاءه بالنزول بنفسها لشراء ما تحب أن تأكل.

استعادت أم إسماعيل واقعة شرائها للسمك الذى لم تحسن البائعة تنظيفه لها وأتت به لابنتها فنهرتها قائلة "طالما ما بتعرفيش تشترى حاجة كويس أبقى هاتى الفلوس وأنا أجيب. توقفت الذكريات عند هذا الحد فى ذهن أم إسماعيل وهى تسمع فرحة الأطفال أيام وليالى رمضان وصوت أمهاتهن وهن يتوعدن لهم بالضرب، والجيران وهن يجهزون الأفطار .. وحيدة هى لا يرافقها سوى الذكريات المؤلمة وقليل من التفاؤل .. وكثير من المرض.. فشل كلوى .. سكر .. كسر باليد اليمنى .. وقلة حيلة. جلست أم إسماعيل ومر عليها اليوم ظهر وعصر .. ثم بدأ العد التنازلى لأذان المغرب .. وهى مازالت تنتظر الغائب.. مع نطق شهادة آذان المغرب سقطت دموع أم إسماعيل وحدها فى شقتها.. ودق الباب، لم تصدق نفسها.. انتفض جسدها أنهم أولادى وأكيد جابوا أكل جاهز معاهم.

فتحت الباب صمتت وتسمرت قدماها فى الأرض، إنها نهى ابنة الجيران وبرفقتها أمها.. تدعون أم إسماعيل للإفطار معهم.. تبكى أم إسماعيل وتمسح دموعها ابنة الجيران.. تتكئ عليهما ممسكة بطبقها المفضل، تساعدها الابنة الصغرى للجيران على الجلوس لكنها لا تقوى على "القعاد على الأرض" تجلس بعيده عنهم. تأخذ قليل من الأكل وتحاول أن تبتلعه.. تنتهى من أكلها بسرعة شديدة.. مرددة أنا أسفة يا جماعة، كل سنه وأنتم طيبين.. تحمل طبقها وتستأذن للصلاة.. وتعود ببضعة جنيهات تحاول أن تدفع ثمن إفطارها فيثور صاحب المنزل قائلا "عيب ياأم إسماعيل أحنا جيران وأهل والنبى وصى على سابع جار "يااااااااااااااه كان تأثير هذه الكلمات أبشع من الجلد بالسوط على أم إسماعيل.

يرن التليفون إنها خطيبة ابنها تعيد عليها بمناسبة رمضان تبادلها التهانى، تغلق الخط .. لم يطاوعها قلبها، طلبت رقم ابنتها.. متسائلة ليه ماجتوش؟ .. أنا عارفة يا ماما إن هتفطرى مع طنط سعاد أم نهى.. تغلق سماعة التليفون .. تجلس على طرف سريرها متمتمة فى سرها .. ربنا يسامحكوا يا ولادى أبقى فى السن دا ومالقيش اللى يبص عليه أو يأكلنى .. بطنى اللى شالتكوا غضبانة عليكوا وقلبى مش مسامحكوا. فى كل حى .. هناك ألف أم إسماعيل .. وهناك ملايين الأولاد الجاحدون .. ولكن هل يشفع لهم صيامهم عند الله جحودهم على أمهاتهن و"بالوالدين إحساناً" وأين الأم .. وأين الإيمان. إلى كل إسماعيل وبطة لن ينفع لكم صيام فأنتم فى زمرة الصائمين الجاحدين .. الله غاضب عليكم، فرضا الوالدين من رضا الله.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة