قرأت عن حزب الوسط لأول مرة منذ عامين تقريبا وكنت فى تلك الفترة أمر بتحولات فكرية من التشدد الدينى إلى الوسطية والاعتدال، وأعجبنى فكرته ذكرنى بحزب العدالة والتنمية فى تركيا أن يكون حزبا سياسيا مرجعيته دينية، ويضم أقباطا ونساء، وفكرت جديا فى الانضمام إليه لاسيما بعد أن علمت أن من مؤسسيه أستاذنا الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيرى رحمه الله، ويضم مجموعة متميزة من السياسين والمثقفين مثل الأستاذ أبو العلا ماضى وأستاذنا الكبير محمد سليم العوا والأستاذ عصام سلطان.
كنت قد عرفت الدكتور عبد الوهاب المسيرى من خلال عدة لقاءات تليفزيونية ثم قرأت له بعد ذلك عدة مقالات، وتعرفت على سيرته الذاتية ورحلته الفكرية وتأثرت بها، أما الأستاذ أبو العلا ماضى فقد كان أول مرة رأيته فيها فى برنامج الجريمة السياسية الذى تم عرضه على قناة الجزيرة عام 2005 وناقش ملف اغتيال السادات، واستضاف عدة شخصيات من الذين كانوا طرفا فى اغتيال السادات كان من بينهم الأستاذ أبو العلا ماضى الذى شرح أبعاد الجريمة وكيف مر هو ورفاقه بمرحلة المراجعات الفكرية وأنا أولى هذا الملف اهتماما خاصا ملف التطرف الدينى والمراجعات التى قامت بها الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد ومن ثم فقد شدنى حديث الأستاذ أبو العلا ماضى ورفاقه فى هذا البرنامج أذكر أننى قد أعدت مشاهدته أكثر من مرة.
بعد ذلك أحببت التعرف أكثر على برنامج الحزب قمت بالدخول على موقع الحزب على شبكة الإنترنت وقرأت عن برنامج الحزب باستفاضة وأعجبنى كثيرا وقرأت أيضا عدة مقالات للأستاذ أبو العلا ماضى وكما قلت فكرت جديا فى الانضمام إليه إلا أن النزعة اليسارية قد تغلبت على بالإضافة إلى أن الحزب ما زال مصيره مجهولا وليس عندى استعداد أن أرهن مستقبلى السياسى بحزب لم يرى النور بعد، قلت لنفسى على أية حال سأنتظر لأرى ما ستسفر عنه الأيام ومنيت نفسى بقيام الحزب.
ثم جاء قرار لجنة الأحزاب فى السابع عشر من أغسطس برفض حزب الوسط للمرة الرابعة ليشكل صدمة كبرى لمؤسسيه ولى بشكل شخصى، فقد تعاطفت جدا مع الحزب ومؤسسيه وتمنيت قيام الحزب، وبحثت فى أسباب رفض لجنة الأحزاب لحزب الوسط وسأعرض عليكم ما توصلت إليه:
أولا الشعب المصرى متدين بطبعه تغلب عليه العاطفة الدينية والإسلام الذى يدين به الغالبية العظمى من الشعب المصرى الإسلام الوسطى وهذا سر تعاطفه مع الإخوان المسلمين فإذا سلمنا بقيام حزب الوسط من شأنه أن يكتسب شعبية جارفة وأن يشكل منافسا قويا على الساحة السياسية فى مصر وهذا بطبيعة الحال لن يسمح به الحزب الحاكم.
ثانيا إذا شاء الله ورأى الحزب النور فمن شأن ذلك أن يحد من التطرف الدينى فى مصر، ومن ثم لم يعد هناك مبرر لاستمرار حالة الطوارئ وهذا أيضا لن يرضاه النظام الحاكم.
ثالثا: هناك صفقة مبرمة ما بين الحزب الوطنى والإخوان المسلمين كل طرف ينفذ ما جاء فيها وحزب الوسط كما هو معلوم منشق عن الإخوان المسلمين وهناك عداوة بينهما، وبالتالى فإن الحزب الحاكم لن يقبل بقيام حزب الوسط كى يحافظ على صفقته مع الإخوان.
رابعا: التجربة أثبتت أن الأحزاب الإسلامية تحارب بقوة من جانب العلمانيين كما حدث مع حزب العدالة والتنمية فى تركيا، الذى يلاقى معارضة شرسة فى البرلمان التركى لاسميا بعد أن سمح بارتداء النساء للحجاب إلا أن المناخ الديمقراطى العام الذى يسود تركيا هو ما أدى إلى بقاء الحزب، وبما أن هذا المناخ غير متواجد فى مصر فلن نرى فى القريب أو البعيد نشأة حزب ذى مرجعية دينية.
وهناك أمر لابد من الإشارة إليه وهو أن قرار رفض حزب الوسط كشف ازدواجية المعايير لدى النظام الحاكم الذى دعى الإخوان المسلمين إلى تشكيل حزب سياسى والانخراط فى الحياة السياسية، ومادام الأمر كذلك فلم رفض حزب الوسط أذن؟ كما أنه كشف أيضا وهم الديمقراطية والحياة السياسية الذى نحيا فيه لأكثر من نصف قرن من الزمان.
وأخيرا: أذكر بأن قيام حزب الوسط من شأنه أن يشكل إضافة كبرى إلى الحياة السياسية وأن يحد من التطرف الدينى فى مصر، لكن من الواضح أن صانعى القرار فى مصر لا يرضون إلا ببقاء الأوضاع على ما هى عليه من أجل مزيد من الاستقرار والتنمية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة