لا يستطيع منصفٌ أن ينكر البطولات الكبيرة، والإنجازات العظيمة التى حققتها المقاومة الفلسطينية طوال فتراتها، وبالأخص خلال العقد الأخير من الزمن، وتحديدا فى قطاع غزة، حيث أجبرت العدو على الفرار إلى غير رجعة فيما أرى.
وهذه الإنجازات تبعتها الكثير من المكائد التى دبّرها الصهاينة بحقِّ أهل القطاع التى تحطمت على صخرة صبرهم وجلدهم، ولحقتها جرائم فظيعة أكبر وصف لها أنَّها: صهيونية، وقعت تلك الجرائم خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة التى لم تتجاوز الشهر من الصمود والثبات فى وجه القتل والدمار، ومن المقاومة والجهاد فى وجه الإرهاب والعناد.
إلا أنَّ ذلك لا يعنى بأن المقاومين يملكون أمر سلاحهم فهم إنما حملوه لهدف أجمع عليه أهل فلسطين إلا الخونة منهم، ولم ينفقوا عليه من حرّ أموالهم كى يعطلوه متى شاءوا ويفعِّلوه متى شاءوا، فمن حقّنا أن نتساءل عن فعالية المقاومة فى أى وقت من الأوقات، خاصة حينما تسيل دماؤنا فهى قامت لحمايتنا فضلا عن أنَّ أمرها يهمنا أيما أهمية، وقلوبنا توّاقة لرؤيتها تزداد قوة يوما بعد يوم.
أعبر بهذه الكلمات بحبرٍ أحمر من دماء الجرحى والشهداء الذين اغتالتهم قذائف ورصاصات العدو الإسرائيلى من مزارعين وصيادين وعمال فى بيت لاهيا شمالا، وفى عرض البحر غربا، وفى أنفاق رفح جنوبا، وفى البيوت الآمنة بالمغازى والبريج شرقا.
فلا يليق بمقاومة أعلنت انتصارها على جيش الاحتلال بدباباته وطائراته وبارجاته وعملائه، وأنها أجبرته على الهروب بلا مكسب قبل نحو ثمانية شهور، أن تقف مكتوفة اليدين إزاء الدماء التى سالت من مواطنين عاديين لا ينتمون إلى فصائل وأحزاب المقاومة، ودون الإفصاح عن الأسباب الدافعة إلى هذا التقاعس عن النيل من العدو إزاء تجرُّؤه على غزَّة أرض العزّّة، فالمسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌّ على من سواهم.
وليعلم الجميع أنَّه لا أقدس عندنا، نحن المسلمين، بعد حفظ الدين من حفظ النفس، ولا أعظم حرمة من الدماء التى عصمها الله من السفك، ولا أوجب من دفع الصائل حتى ولو كان مسلما بأخفِّ الضررين وإلا قاتل وقُتل، فما بالنا اليوم فى حيرة من أمرنا أمام هذا العدو المستهتر بنا وبديننا وبقيمنا وبأخلاقنا وبقدراتنا وبقياداتنا حتى قتل بدم بارد، ولم يجد الردّ المقنع كى لا يكرر جريمته.
لقد علمتنا التجارب الطويلة والمريرة مع هذا الاحتلال الغاشم أنه لا يردّه عن أذانا سوى سلاحنا، فلم تجدِ معه المفاوضات شيئا بل زادته شراسة وحدّة، ولم تجدِ التهدئات معه شيئا، بل زادته مكرا وشدَّة، ولا أظنَّ أن الوقت يسمح للمزيد من التفكير فالقتل بدأ ومحاولاته لم تتوقف حتى صبيحة أمس، الاثنين، 10 رمضان 1430، الموافق 31/8/2009م، إذ قصفت البحرية الإسرائيلية مركب الصياد عمر الهبيل بالقذائف الحارقة فى عرض البحر على بعد أقل من كيلو متر قبالة شاطئ السودانية شمال مدينة غزة، وأصيب بجراح.
فما الذى جرى للمقاومة الفلسطينية؟، وما الذى يؤخرها عن القيام بواجبها؟، وهل هناك اتفاقات تكبلها كما يشاع؟، كم عدد القتلى المفترض سقوطهم خلال عدد معين من الأيام حتى تتحرك؟، ولماذا لا تستفيد من وجود حكومة ببرنامج مقاومة لتزيد فاعليتها؟، ولماذا لا تنطلق الصواريخ من جديد على المستوطنات الصهيونية؟، هل استطاع عباس أن يقنع قيادات المقاومة أن صواريخها عبثية؟، هل حققت "إسرائيل" ما أسمته "استعادة قوة الردع" من حربها الأخيرة على غزة؟.
أسئلة كثيرة وطويلة وعريضة، يلقى بها من فقد فلذة كبده الولد، أو الوالد، أو الأخ، أو الزوج، وأقرباؤهم وجيرانهم، وعموم أبناء شعبنا، حتى أن أحدهم أوغل فى إساءة الظنّ فقال: لو أن المقتول هو قيادى فى تنظيم أو ابن قيادى فى تنظيم لتوعدوا بالانتقام والثأر.
وهنا تبرز تساؤلات؛ هل المقاومة الفلسطينية تتقدم نحو أهدافها؟، وهل هى أقوى اليوم من ذى قبل؟، وهل لديها القدرة على مواصلة المعركة حتى التحرير الجزئى المرحلى أو الكامل النهائى؟، أو هل لا تزال تحتفظ بقدراتها ما قبل الحرب؟، وما الذى أوصلنا إلى حالة الصمت والتفكير السلبى إزاء الجرائم؟ وما الذى زعزع ثقة الناس فى المقاومة إلى حد ما؟.
أنصح المقاومين أن يجيبوا عن هذه التساؤلات ويجدوا لها حلا ناجعا لأنها جدّ خطيرة، حتى لا ينتهز العدو فرصة التراخى القائمة فنفاجأ بقتلى جدد، وأسرى جدد، وجرحى جدد، ومعاقين جدد، ومشردين جدد، والقائمة تطول..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة