بالقانون نبدأ الحديث عن أزمة الدولة المصرية، حيث يعتبر الإطار الذى ينظم العلاقة بين الحكومة (السلطة التنفيذية) والشعب، ويعتبر أعلى سلطة تسرى أحكامها ومواده على الجميع (حاكم ومحكوم).
فى مصر.. ساد هناك اعتقاد عام لدى جموع الشعب أصبح فى خدمة فئة معينه دون أخرى، مما يعنى ببساطه أنه يفتقد أهم وظائفه ألا وهى تحقيق المساواة بين الأفراد، وبالتالى انتقلنا ـ بحسب هذا الاعتقاد والواقع الذى نعيشه ـ من مواطنين إلى أى صفة أخرى (رعايا أو قطيع قل كيفما شئت).
إن مواد أى قانون، تخرج من المبادئ العامة التى يتضمنها من مواد الدستور الذى يمثل المنبع الرئيسى لأى تشريع، والدستور المصرى ينص على وجود فصل بين السلطات، وينمى العلاقة بين الحكومة والبرلمان (بجناحيه مجلس الشعب ومجلس الشورى)، وأيضاً السلطة القضائية، وينص الدستور أيضاً على أن الناس جميعهم متساوون أمام القانون (نص المادة 40)، ولا يوجد استثناءات، وفى النهاية الكل تحت طائلة القانون بحكم التشريع الأساسى ألا وهو الدستور.
ماذا يحدث؟.. هناك خلط فى السلطات المختلفة، وأصبحت اليد العليا للسلطة التنفيذية، والأمثلة على ذلك متعددة، أبرزها، قانون المرور الجديد الذى أصبحت فيه السلطة التنفيذية تمارس دور القضاء للأسف، بحكم القانون أيضاً، وهو ما يظهر بوضوح فى حق الضباط إعطاء أوامر بالسجن للمخالفين فى الحال، مما يفتح الباب أمام مزيد من الفساد الذى يشعر به المواطن وحده. والمثير فى الأمر أيضاً هى تلك العلاقة الملتبسة بين الحزب الحاكم والحكومة، تلك العلاقة أعطت سلطات واسعة لقيادات الحزب فى صياغة القوانين وفق مصالحهم وليس وفق المصالح العليا للبلاد، استناداً على أغلبيتهم فى البرلمان، وليس أدل على ذلك سوى قانون الاحتكار، الذى "قنن" نظام الاحتكار فى البلاد ولم يمنعه.
ثم ننتقل إلى النتيجة النهائية لهذا كله.. سطوة السلطة التنفيذية على الشعب دون رادع، ولن أذكر القضايا السابقة التى اتهم فيها ضباط من وزارة الداخلية بتعذيب المواطنين، ولكن سوف أذكركم بحادثة وقعت يوم الاثنين الموافق 3 أغسطس 2009، والذى شهدت قيام أحد أمناء الشرطة بقتل أحد المواطنين، ويعمل سائق، بسلاحه الميرى، لمجرد أنه طالبه بدفع الأجرة، ولسوء حظ هذا الأمين أن الواقعة حدثت فى الصعيد، وشاهدها الأهالى، الذين انهالوا عليه ضرباً حتى أردوه قتيلاً. لكم أن تتخيلوا تعليقات المواطنين على هذه الواقعة، والتى كلها تتسم بالوعد والوعيد لأى تجاوز من رجال الشرطة، من خلال مبدأ "العين بالعين"، وأيضاً "ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب".
هذه هى النتيجة، عبقرية هذا الشعب.. العودة بالزمن إلى مرحلة ما قبل القانون، وأصبحنا كما قال الأستاذ السيد يسن فى إحدى مقالاته "دولة تصنع أزماتها".. ولكن من السبب وراء ذلك؟!.. هل الناس أم الحكومة أم من؟!.. أسئلة أترك لكم الإجابة عليها.. لكنى أجتهد فى القول إن الديمقراطية والحرية التى ينشدها هذا الشعب، تهدف إلى رفع المظالم عنه، والحصول على أبسط حقوقه. لن أتحدث من منظور النخبة المثقفة التى تتحدث عن الليبرالية وهدفها، وهى التى لا تختلف كثيراً عن الفكر الاشتراكى الذى تبلور فى فرنسا، وهدف إلى إعلاء قيمة وحرية الإنسان، لن أدخل فى جدال حول نزاهة الانتخابات وحرية الرأى التى لا تعنى للمواطن البسيط فى الشارع أى شئ، لكنها بالطبع تعنى لأولاده وأحفاده، وذلك من منطلق أن حقوق هذا الشعب، كما وردت فى الدستور، من شأنها أن تؤدى إلى مزيد من الانفتاح والتطور وترسيخ ثقافة المشاركة والديمقراطية، التى لا تأتى بين ليلة وضحاها.
إذا كنا نتحدث عن دولة حديثة مدنية ديمقراطية، فيجب ـ من وجهة نظرى المتواضعة ـ إصلاح العيوب القانونية والدستورية القائمة حالياً، تساعد وضع بناء من المؤسسات تعمل وفق نظم محدد الملامح، تستمر طالما بقيت الدولة قائمة، ولا تنتهى بتغيير حكومة، أو ما شبه ذلك.. وفى هذا الكلام حديث آخر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة