الإسلام ليس عدوا للدولة المدنية ولا لما تحمله من قيم العدالة والحقوق والواجبات لجميع المواطنين، والبعض الذى يروج لمفهوم الدولة المدنية على استحياء، غرضه غير المعلن فى ذلك أن لا يكون للدين الإسلامى دولة، ويريدون بذلك الخلط بين أهل الفكر المتطرف ومفهوم المدنية المتزن الذى يأخذ من حضارة الحاضر دون أن ينقطع عن جذور الماضى، وبالتالى القضاء على كل ما يتصل بالإسلام حتى لو كان فيه إفادة لهم.
نحن لا نريد دولة إسلامية معلقة بكهوف التاريخ، بل ما نريده دولة تأخذ بكل ماهو فى المدنية المعاصرة ما لا يتصادم مع صحيح الشريعة.وفى ذات الوقت لا نريد رجال دين فى سدة الحكم، لأنه لا يعقل أن نتحول إلى دولة حاخامات مثل إسرائيل، بل نريد دولة تقوم على العدل ويحكمها أهل التخصص والخبرة والقدرات الذاتية، حتى لا نفاجأ بشيخ على ناصية كل وزارة. ولا حرج من أن يتواجد قبطى على رأس أعلى مؤسسات الدولة، ولا أجد غضاضة أن يتولى قيادة الدولة من أى دين مادام كان هو اختيار الشعب.
لكنى أحذر ممن يروجون للدولة المدنية كدعوة مبطنة يريدون بها الذهاب بمصر إلى ما ذهبت إليه أوروبا من الاضطهاد الكنسى فى فصل الدين عن الدولة، ليصبح الشعار «أعط ما لقيصر لقيصر.. واعط ما لله لله». متناسين نماذج فى الحكم والخلافة الإسلامية مثل عمر بن الخطاب الذى كان يطبق العدل على نفسه أولا قبل الرعية، وعمر بن عبدالعزيز الذى استطاع فى وقت قصير بث العدل ورعاية الرعية حتى إنه لم يجد فى عهده من يستحق الزكاة.
مفهوم «المواطنة» فى الدولة المدنية كان موجودا من قبل فى الدولة الإسلامية التى أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم، ففى صحيفة «المدينة» تم الإعلان عن قيم العدالة الكاملة والحقوق والواجبات على قدم المساواة فى نصوص الوثيقة. ومن يقرأ بنود صحيفة المدينة يجد فيها المفهوم الحقيقى للمواطنة «لهم ما لنا وعليهم ما علينا». وبناء عليه فالدولة الإسلامية ليست عدوا يتربص بمفهوم المواطنة. والدولة المدنية هى تلك التى تحترم حقوق الإنسان حتى فى الحروب، وأثبت ذلك فى الوثيقة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان فى الحروب عام 1948، فلم تأت بجديد عن ممارسات الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده فى الحروب، وهو ما يؤكد وجود الدولة المدنية تماما فى الممارسات الإسلامية سواء فى الحرب أو السلم أو الإدارة.
وفى هذا السياق أقول إن المواطن البهائى من حقه أن يتعايش وأن تتم مناقشة أفكاره، ووضعها فى حجمها الطبيعى دون تعذيب أو حجر على الرأى، ومن حقه أن يعيش دون أن يحارب العقائد السماوية، هو حر فى الإيمان بأى نظرية دون ادعاء للنبوة أو التشكيك فى أى عقيدة من العقائد.
د.آمنة نصير: لا نريد دولة إسلامية معلقة بكهوف التاريخ
الخميس، 06 أغسطس 2009 09:31 م