ياسر أيوب

قراءة جديدة فى أخلاق المصريين (2)

حين يجوع الناس ويشكون الفقر.. لا تسألوهم عن الالتزام أو الأخلاق

الخميس، 06 أغسطس 2009 09:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى شهر مارس عام 832.. أصبح الإسلام لأول مرة هو دين الغالبية فى مصر.. ومع الدين الجديد تعلمت مصر درسا بالغ الأهمية.. لا إسلام الناس سيضمن التزامهم الأخلاقى ولا إسلام الحكام والقادة سيضمن عدلهم واستقامتهم.. وأدركت مصر أن الإسلام هو دين ومنهج للعبادة والحياة ولكنه ليس دليلا على براءة أى مسلم من ارتكاب أى إثم أو خطيئة.

من المماليك.. تعلم المصريون أهم دروسهم.. وهو الانتقام من الحكام ومن الخصوم والأعداء بالشائعات والقصص والاتهامات التى لا يساندها دليل وإثبات.. بشائعة سرعان ما سيتناقلها الناس باعتبارها حقيقة.

عاشت مصر فى سنواتها العربية الأولى استقرارا نفسيا واجتماعيا وأخلاقيا.. كان على الأقل قادرا على إبقاء الأوضاع على ما هى عليه دون مزيد من التوتر والحيرة والاضطراب.. وهو بالضبط ما كانت تحتاجه مصر لتلتقط أنفاسها وهى التى منذ آخر الفراعنة.. لم تهدأ ولم تنعم بلحظة أمان واحدة.. وإنما تنقلت من حال إلى حال.. من جيش إلى جيش.. من دين إلى دين.. من لغة إلى لغة.. تسعمائة واثنتان وسبعون سنة - من سنة 332 قبل الميلاد إلى سنة 640 ميلادية - عاشتها مصر كجزء من العالم الغربى يطمع فيها أهل الشرق دون أن يمنحها أحد مرة واحدة فرصة أن تكون نفسها.. تكون مصر فقط.. بأهلها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها.. لهذا حين جاء جيش عمرو بن العاص عام 640.. كانت مصر تستقبله برغبة هائلة فى الهدوء والاستقرار والسكون.. بل وأصبح هذا الاستقرار والهدوء الاجتماعى والأخلاقى هو قضية المصريين الأولى وشغلهم الشاغل حتى أهم من ذلك الدين الجديد الذى جاء مع العرب يطرق أبواب بلادهم وأبواب بيوتهم.

ومع ذلك.. لم تطل فترة استقرار مصر.. إذ بعد قرابة المائتى عام فقط.. كانت أول ثورة شعبية فى مصر الإسلامية فى عهد الدولة العباسية وفى زمن ولاية عيسى بن منصور.. ثورة قام بها البسطاء والفقراء احتجاجا على الفقر والحاجة والغلاء وجشع الحكام والولاة والعسكر ورجال الشرطة.. وعلى الظلم والفساد.. ولم أضع هذه الكلمات متتالية وبهذا الترتيب كمجرد مصادفة أو بلاغة أدبية.. وإنما هذا هو ترتيب دوافع المصريين فى أى وقت للغضب والثورة.. الفقر والجوع أولا.. ثم الظلم والفساد.. واضطر الخليفة المأمون لأن يغادر بغداد ويجىء بنفسه إلى مصر ليخمد هذة الثورة.. وقسا المأمون على الثائرين وعاقبهم بشدة.. فقتل الكثير من الرجال وأسر الكثير من النساء والأطفال.. وصب غضبه على الوالى وعزله وعين بدلا منه كيدر نصر بن عبدالله..

وما يعنينا من تلك الحكاية هو أنها كانت النقطة الفاصلة فى تاريخ الإسلام فى مصر.. فمنذ ذلك التاريخ.. شهر مارس عام 832 ميلادية.. أصبح الإسلام لأول مرة هو دين الغالبية فى مصر.. وهذا هو ما أدى إلى المزيد من الاستقرار فى مصر.. استقرار دينى وسياسى واجتماعى وأخلاقى أيضا.. وذلك لأن مصر.. منذ ذلك التاريخ تعلمت درسا بالغ الأهمية والعمق والدلالة أيضا.. وهو الدرس الذى يتلخص فى أنه لا إسلام الناس سيضمن التزامهم الأخلاقى ولا إسلام الحكام والقادة سيضمن عدلهم واستقامتهم.. وأدركت مصر أن الإسلام هو دين ومنهج للعبادة والحياة ولكنه ليس دليلا على براءة أى مسلم من ارتكاب أى إثم أو خطيئة.. وهكذا عرفت مصر فى عهد الدولة العباسية ولأول مرة فى تاريخها مهمة جديدة لرجال الشرطة.. الحفاظ على الأخلاق والآداب العامة.. ولم يعد استتباب الأمن وحده هو مهمة صاحب الشرطة.. وإنما أضيفت إلى تلك المهمة.. منع النساء من التبرج أو الذهاب إلى الحمامات أو زيارة المقابر.. وضرب المخنثين.. وإغلاق الملاهى.. وصدر القرار الأميرى ليلزم صاحب الشرطة بالطواف ليلا فى الطرقات يقضى على الفساد.. ينشر الفضيلة.. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحافظ على الآداب العامة.. وبالتالى.. وبدين جديد استكمل قواعده وانتشاره وبقوة الأمن الحارسة للآداب والأخلاق العامة.. ساد مصر مناخ هادئ آمن يشوب أخلاقه الاستقرار.. ليس كامل الشرف والعفاف والالتزام.. لكنه أعاد مصر بالفعل إلى سيرتها الأولى القديمة.. وكأن مصر وهى تشهر إسلامها.. لا تتعرف ولا تكتشف دينا جديدا بقدر ما تعود إلى التزامها القديم.. وقوانينها وتقاليدها وحياتها القديمة.. الله الواحد.. الأسرة التى تعيش فى سلام وأمان.. الزوجة التى ليست ملكا للرجل.. والزوج الذى يقنع بامرأته وبيته.. وهو المناخ الذى ما كان أحمد بن طولون ليكسره أو يتمرد عليه.. بل إن محمود السعدنى كان على حق تماما حين وصف عهد أحمد بن طولون بأنه بمثابة.. عودة الروح إلى مصر من تانى..

فهذا الشاب الذى جاء إلى مصر فى العشر الأواخر من شهر رمضان عام 868 ليحكمها بالنيابة عن زوج والدته الأمير باكباك.. لم يستطع فقط الحفاظ على أمان مصر واستقرارها.. ولكنه ضاعف من قوتها وخيرها وفضائلها وأعاد تشكيل جيش لها تهابه كل القوى المجاورة وبنى فيها عاصمة جديدة - بعد الفسطاط والعسكر - هى القطائع.

لكن للأسف.. لم يطل العمر بابن طولون.. ولا حتى جاد الزمن بخليفة يشبهه أو على الأقل يقاربه.. وإنما كان خليفته هو ابنه خمارويه الذى حكم مصر اثنتى عشرة سنة.. أصبح خلالها مثلا للحكام فى مصر ستعانى منهم وبهم مصر طويلا بعد ذلك.. فقد كان خمارويه شغوفا بالنساء وبالحياة الناعمة.. وحين تزوجت ابنته قطر الندى من الخليفة العباسى المعتضد.. بالغ فى تجهيزها إلى حد إفلاس مصر كلها لتذهب ابنته إلى بغداد بالذهب والجواهر التى ليست لها قيمة.. وبثياب داخلية تكونت من ألف تكة ثمنها عشرة آلاف دينار وعلق فى كل تكة جوهرة بحجم بيضة الحمامة.. ولم يكتف خمارويه بجهاز أنفق عليه مليون دينار.. لكنه أعطى قطر الندى على سبيل الاحتياط مائة ألف دينار إضافية لتشترى من بغداد ما قد تكتشف أنه ينقص جهازها.. لهذا لم يكن مفاجئا أن تسقط الدولة الطولونية بعد ثمانية وثلاثين عاما فقط.. وتعود مصر من جديد إمارة عباسية.. وتعود إلى الاضطراب والتوتر من جديد وعلى كل المستويات.. الدينية والسياسية والعسكرية وحتى الأخلاقية أيضا.

وبتأسيس الدولة الفاطمية فى مصر.. نجح واكتمل ثالث انقلاب أخلاقى فى تاريخ مصر.. انقلاب لم يكن كسابقيه فى زمن الفراعنة جاء إلى مصر على أسنة الرماح ومع أقدام الغزاة والعسكر.. وإنما هو انقلاب جاءت به رفاهية القصور ونعيمها وانحلالها أيضا.. وزادت من قسوته ليالى فقر وحرمان طويلة ومجاعات توالت وتعاقبت دون رحمة أو شفقة.. ليتشارك الأغنياء والفقراء فى القيام بهذا الانقلاب وفى سداد فواتير حسابه.. فأما الأغنياء.. فقد باتوا لا يفتشون إلا عن المتعة ولا ينشدون سواها.. اقتدوا فى ذلك بملوكهم وحكامهم.. ولم يعد الزواج يقنع الرجال بالعفاف ولا عادت الزوجات تشبع رغبات أزواجهن.. فالحفلات والأعياد لا تنقطع ولا تتوقف.. والحرية تضاعفت مساحتها.. والرغبات لم تكن تموت إلا لكى تولد من جديد.. فكان من المنطقى أن تزدهر الدعارة بكل أشكالها ومجالاتها فى مصر.. وفى المقابل كانت تزداد بنفس المقدار حرية النساء ورغباتهن وانحلالهن.. فخرجن إلى الشوارع سافرات متبرجات.. وأقبلن على شرب الخمر.. وكثر اختلاطهن بالرجال..

وأما الفقراء.. فقد عانوا من مجاعات متوالية.. وإذا كانت أولى المجاعات التى عانت منها مصر الإسلامية هى تلك المجاعة التى شهدها عصر عبدالله ابن عبدالملك ابن مروان عام 706.. ثم تكررت المجاعات على فترات متقطعة متباعدة حتى جاء زمن الفاطميين.. فإذا بالمجاعات تغدو واقعا مألوفا ومحنة لا تفاجئ أحدا.. حتى جاءت المحنة التى سيتوقف عندها تاريخ مصر طويلا بالحزن وكأن بقاياه وأوراقه لا تزال تبكى على مصر وأهلها.. وهى المجاعة التى ألمت بمصر فى عهد الخليفة الفاطمى.. المستنصر بالله.. ودامت سبع سنوات.. وفيها جاعت مصر كما لم تشعر بالجوع أبدا من قبل.. غاب النيل ومات الزرع فى الأرض.. ولم يجد الناس ما يأكلونه.. فأكلوا جذوع النخل وجلود البقر فى أول الأمر.. ثم استداروا يأكلون القطط والكلاب حتى قل عددها وشح وجودها.. فبيع الكلب بخمسة دنانير والقط بثلاثة.. ثم بدأ الناس يأكلون جثث الموتى.. ولم يعد هناك مفر من أن يأكل المصريون بعضهم بعضا.. فكانت الناس تجلس فوق أسطح بيوتها مجهزة بأسلاب وحبال.. فإذا مر إنسان قريبا منهم.. ألقوا عليه بحبالهم.. فقيدوه واقتطعوا لحمه وأكلوه.. وكان الرجل يسطو على بيت جاره فيسرق طفله ويأكله.. بل وكان الكلب يدخل الدار فيأكل الرضيع فى المهد ووالداه ينظران إليه لا يستطيعان المقاومة من شدة الجوع..

وحاول المستنصر مقاومة ذلك.. أو إعانة الناس على ذلك.. فباع كل ما يملك من جوهر وياقوت.. باع حتى الرخام الذى سبق استخدامه لتتزين به قبور أجداده.. وكل ما يملك من دور وضياع.. ولم يبق عنده عيال أو خدم أو شىء سوى سجادة يجلس عليها وقبقاب يرتديه فى قدمه.. ولم يعد ما يقتات به إلا صحن واحد كل يوم من طعام البر والصدقات ترسله إليه شقيقته.. وكان إذا أراد الخروج يستعير من وزيره بغلته يقضى عليها أشغاله ثم يردها إليه مرة أخرى فور عودته.. وحتى هذه البغلة سرقها الناس وأكلوها.. فقرر الوزير عقابهم وشنقهم فما طلع الصباح على جثثهم مطلقا.. إذ تخاطفتها الناس من فوق المشانق وأكلوا لحمها عن آخره.. وبسبب ذلك.. مات ثلث أهل مصر.. فمن لم يمت جوعا.. فتكت به الأوبئة والأمراض.. ومن السهل حينئذ.. وفى مناخ كهذا.. الحديث عن الأخلاق والسلوك.. فمن يختطف امرأة ليأكلها لن يمنعه أحد من اغتصابها.. ومن لا يجد قوت يومه أو طعاما يكفيه للبقاء هو وأولاده على قيد الحياة.. يصبح من الصعب جدا أن يصغى هذا الرجل إلى من يحدثه عن الأخلاق أو حتى الحلال والحرام.

ومرة أخرى.. لم يقف الزمان على الحياد بين مصر وبين أزماتها ومواجعها.. صحيح أنها تخلصت من تلك المجاعات وآثارها.. ومن الدولة الفاطمية بأسرها.. وعادت تعيش مرة أخرى بعضا من استقرار وانتصارات ماضيها مع صلاح الدين الأيوبى الذى أعاد لمصر مذهبها السنى بعد أن تشيعت مع الفاطميين.. وأعطى لرجال الشرطة صلاحياتهم القديمة للتصدى للفساد والإخلال بالآداب واللهو والتنزه بأسلوب يخالف تعاليم الإسلام.. إلا أن ذلك كله كان بمثابة راحة مؤقتة وعابرة سرعان ما عادت بعدها لسنوات التوتر والاضطراب والفوضى على أيدى المماليك وفى زمانهم الذى جاء برابع انقلاب أخلاقى فى تاريخ مصر.. وأكثر انقلاب تأثرت به مصر واضطرت لأن تسدد فواتير حسابه من أعصابها والتزامها وأخلاقها.

وفى واقع الأمر.. بدأ المماليك عصرهم بحادثتين جنسيتين كانتا أسوأ وأقصى ختام للدولة الأيوبية.. بقدر ما كانتا افتتاحا مناسبا ولائقا لزمان المماليك.. الحادثتان يرويهما مؤرخنا الكبير ابن إياس عن عصمة الدين أم خليل شجرة الدر.. آخر حكام مصر فى عهد الأيوبيين.. وعن زوجها الثانى السلطان المنصور نور الدين أيبك.. أول سلاطين دولة المماليك البحرية.. وكانت شجرة الدر جارية أرمنية الأصل.. على قدر كبير من الجمال والذكاء.. أهداها الخليفة العباسى المستعصم بالله إلى نجم الدين أيوب فى القاهرة.. وحين اعتلى نجم الدين عرش السلطنة المصرية أعتق جاريته وتزوجها إلى أن مات فى دمياط.. فأصبحت شجرة الدر هى أول امرأة تحكم مصر بعد إشهار إسلامها.. وبقيت تحكمها ثمانين يوما اجتهدت خلالها فى إقناع أهل مصر بفكرة ومبدأ أن تحكمهم امرأة دون جدوى.. فاضطرت للزواج من عز الدين أيبك وجعلته سلطانا على مصر.. وأرغمته على طلاق زوجته أم ولده الأمير على.. ومع ذلك لم يستقم الأمر لشجرة الدر.. فقد بلغها أن زوجها السلطان يفكر فى الزواج من ابنة حاكم الموصل.. فقررت الانتقام.. فتجملت.. وتزينت.. وتطيبت.. وأرسلت للسلطان تدعوه للصلح وللوفاق.. فصعد إليها فى القلعة.. وكانت واحدة من أشد ليالى الغرام والمتعة التى تشهدها القلعة فى تاريخها..

وبعد أن استمتع السلطان بجسد السلطانة طوال الليل.. ذهب إلى الحمام ليغتسل.. وكان هناك فى انتظاره خمسة من الخدم.. قتلوه.. أمسكوا قضيبه بوتر وشدوه بقسوة وعنف إلى أن مات السلطان من شدة الألم وكثرة الدماء التى نزفها القضيب المخلوع.. وأصبح عز الدين أيبك هو أول حاكم مصرى يروح ضحية مؤامرة جنسية.. وأول حاكم لمصر يتم اغتياله جنسيا أيضا.. أما شجرة الدر صاحبة تلك المؤامرة.. فقد تعين عليها تسديد ثمن جريمتها.. والذى طالبت به زوجة السلطان أيبك الأولى.. فأمرت جواريها بقتل شجرة الدر بالنعال والقباقيب.. ولما ماتت.. ألقيت من سور القلعة عارية ليس يستر جسدها إلا القليل من ثيابها الداخلية المزينة باللؤلؤ والمطيبة بالمسك.. فكان لابد أن يأتى الحرافيش.. منهم من سرق اللؤلؤ.. ومنهم من ضاجع سلطانة مصر الميتة.

وهكذا افتتح المماليك زمانهم.. هكذا اختار المماليك الجنس وسيلة للاستمتاع بالحياة.. وأسلوبا لإنهاء نفس هذه الحياة.. وإذا كان عز الدين أيبك قد مات بعد ليلة ساخنة وبقضيب مخلوع.. وماتت شجرة الدر بلا ثياب أو تكة تستر عوراتها.. فقد تكرر هذا الأمر كثيرا بعد ذلك.. ويحكى لنا المقريزى على سبيل المثال كيف خرج السلطان الأشرف صلاح الدين خليل من القاهرة للصيد.. وبينما كان السلطان وحده يطارد الطيور.. قام الأميران بيدرا المنصورى وحسام الدين لاجين بقتل السلطان.. فدخل الرمح الطويل الحاد فى دبر السلطان حتى مات السلطان وخرج الرمح من فمه.. وغير تلك الحادثة.. وحوادث أخرى مشابهة.. أكد لنا التاريخ أن أى استثناء يسمح بتجاوز الدين وقواعد وأخلاقيات المجتمع أصبح هو القاعدة فى زمن المماليك..

صحيح أن بعض سلاطين المماليك كانت لهم محاولات - تستحق الذكر والإشادة - للقضاء على أى مظاهر للخلاعة والمجون.. ومنعوا النساء من ارتداء الثياب العارية والخليعة.. وتصدوا للمغنيات وأرباب الملاهى.. إلا أن تلك المحاولات لم تكن لتعيد تصحيح أى شىء.. لم تكن لتقضى على مناخ عام باتت تعيشه مصر وتستسلم له.. بل إن تلك المحاولات لم يقم بها أصحابها أصلا إلا فى أشد أوقات الأزمات الاقتصادية.. لعل الله يرفع البلاء عن مصر وأهلها إذا عادت وعادوا إلى الاحتشام والالتزام والانضباط القديم.. ولأن المصريين لم يعودوا يثورون إلا إذا فقدوا لقمة العيش فقط ولا يعنيهم أو يشغلهم سلوك حاكم أو خطاياه أو مظالمه.. ولكنها كانت كلها محاولات ضاعت آثارها وسط ركام الفوضى الأخلاقية التى أسسها المماليك وغرسوها طويلا فى لحم مصر.. وأهم مظاهر تلك الفوضى كان ما يختص بسلاطين المماليك أنفسهم.. والذين انتشر بينهم الشذوذ الجنسى إلى الحد الذى جعل المؤرخين يستثنون سلطانا واحدا من بين كل عشرة سلاطين لم يكن له ميل للشباب.. بل وهناك أحد سلاطينهم الذى تنازل عن عرش مصر مقابل ألا يضحى بغلام كان يستعذبه ويهواه.. وتوالت الحكايات الصحيحة والكاذبة التى تناقلها الناس فى الشوارع والبيوت عن شذوذ الحكام وعن رجولتهم غير المكتملة وعدم غيرتهم على نسائهم وعدم نخوتهم.. وعلى أى حال فالقضية الأساسية لم تكن هى عدد سلاطين المماليك الذين استسلموا لشذوذهم ومجونهم أو فقدوا بعض أو كل رجولتهم.. وإنما كانت هذا الدرس الذى تعلمه المصريون من المماليك.. أى الانتقام من الحكام ومن الخصوم والأعداء بالشائعات والقصص والاتهامات التى لا يساندها دليل وإثبات.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة