بعد أن صادق المرشد الأعلى آية الله على خامنئى على تنصيب أحمدى نجاد، وبعد أن أقسم الأخير اليمين الدستورية أمس الأربعاء، وبعد أن أكد موسوى أن المعارضة لن تضعف، ذهبت صحيفتا "لوفيجارو" و"لوموند" الفرنسيتان فى تعليقهما اليوم على تنصيب أحمدى نجاد رئيسا لإيران، إلى أن هذا الأخير يواجه بداية فترة ولاية ثانية شديدة الحساسة تشهد ضعفا فى موقفه، فى ظل وجود انقسام داخلى قد يؤدى إلى تعقيد تشكيل حكومته، ومعارضين لن يستسلموا بسهولة، وقوى غربية فى حالة تأهب لما قد يطرأ.
استبعدت من جانبها صحيفة "لوفيجارو" أن يكون قيام أحمدى نجاد أخيرا بحلف اليمين أمام البرلمان الإيرانى مؤشرا لاحتمال تخفيف حدة الأوضاع بينه وبين معارضيه من ناحية، والمجتمع الدولى من ناحية أخرى. إذ ذهبت الصحيفة إلى أن أحمدى نجاد لم يكن يوما موضع معارضة مثلما هو الحال عليه اليوم، حيث يتعرض لمقاطعة معظم النواب الإصلاحيين، وتخلى بعض حلفائه من المحافظين عنه، وانتقادات واسعة النطاق على الساحة الدولية.
فقد استمر كل من حسين موسوى ومهدى كروبى، المرشحين السابقين أمام أحمدى نجاد، فى رفض الاعتراف به كرئيس لإيران، معربين عن خشيتهما من تكراره لبعض أخطائه الماضية، مثل تصريحاته المتشددة بشأن البرنامج النووى فى أعقاب انتخابه لأول مرة فى يونيو 2005، مقارنين إياه بـ"قطار بلا مكابح لا يرجع إلى الخلف أبدا".
ومن ناحية أخرى، ليست المعارضة الإصلاحية هى الوحيدة التى تتصيد الأخطاء لأحمدى نجاد. فقد شهد أيضا اليوم حلفاؤه من المحافظين انقساما داخليا، من شأنه أن يصعب من مهمته فى الوقت الحالى فيما يتعلق بتشكيل حكومته، التى تخضع لضرورة موافقتهم عليها.
كما أن سياسته الاقتصادية الشعبية، التى انتقدت خلال فترة ولايته الأولى، توجد هى الأخرى فى هذه اللحظة على المحك.وهو الأمر الذى يؤكده فريديريك تيليه، خبير الشؤون الإيرانية فى المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات قائلا : "بالنسبة لكثير من السياسيين المحافظين فى إيران، فإن مسألة السماح لأحمدى نجاد بمواصلة السير فى طريق المغامرة الاقتصادية قد باتت غير مطروحة للنقاش. ومن ثم فقد أصبح الساسة الإيرانيون يدركون أن هامش الخطأ فى هذا النظام عليه أن يكون الآن محدودا بشكل خاص".
وتشير "لوفيجارو" إلى أن توقع معارضيه بأن يقوم ببعض التنازلات من جانبه لتهدئة الأزمة الحالية، مثل تخليه عن "شرطة الأخلاق" التى عادت للظهور فى الشوارع خلال السنوات الأخيرة، وهى المسئولة عن تعقب الفتيات التى يرتدين الحجاب بشكل غير لائق. فضلا عن أنه قد يضع حدا لنظام مراقبة ومعاقبة الطلاب فى الجامعات المتورطين فى الأعمال السياسية.
أما صحيفة "لوموند" فقد عرضت فى تقرير لها السياق الداخلى الذى يجعل من أحمدى نجاد رئيسا ذى سلطة محدودة، وفقا لتحليل إحدى خبيرات الشؤون الإيرانية فى مركز الدراسات والأبحاث الدولية.
أولا البرلمان : بما أن إيران جمهورية، فإن للبرلمان الإيرانى المكون من 290 عضوا، من بينهم 80 ينتمون إلى الإصلاحيين والمستقلين، سلطة معارضة حقيقية يمكنه استخدامها إذا رغب فى ذلك. ومن ثم فمن حق النواب رفض الحكومة التى سيشكلها أحمدى نجاد خلال الأسبوعين القادمين ويتقدم بها للبرلمان للحصول على تصويت بالثقة. وقد كان البرلمان أول من عارض تعيين نائب الرئيس اسفنديار رحيم مشائى الذى اضطر إلى الاستقالة فى النهاية يوم 26 يوليو.
ثانيا الأزمة الدستورية: لا يعنى قيام آية الله خامنئى، قائد الثورة، بتأكيد انتخاب محمود أحمدى نجاد أن الاثنين على مقربة وثيقة بينهما، إذ إن خامنئى قد لعب دوره فقط كحامى للجمهورية من خلال تطبيق القوانين. وذلك لأن الطعن فى نتيجة انتخابات أحمدى نجاد كانت ستصبح بمثابة الاعتراف باختلال النظام، وستفتح المجال للتشكيك فى انتخابات قادمة. وعلاوة على ذلك، فقد تعرض التوازن الذى كانت ترتكز عليه جمهورية إيران بين خامنئى- رفسنجانى للاختلال، خاصة بعد أن تغيب رفسنجانى عن تنصيب أحمدى نجاد وعارض علنية آية الله خامنئى.
ثالثا تناقض الأزمة الإيرانية. تكمن غرابة الأزمة فى أن المعارضين لا يحتجون ضد الجمهورية، بل على العكس، فإن أولئك الذين يحتجون (موسوى ومحسن رضائى ومهدى كروبى) هم من بين قادة هذه الجمهورية الذين أسهموا فى تطورها منذ اليوم الأول، وهم من وضعوا نظامها وهم من يريدون إصلاحه الآن. وذلك فى الوقت الذى ينتمى فيه محمود أحمدى نجاد ومعسكره إلى الجيل الجديد، خبراء السياسة البراجماتية، الذين لا ينتمون إلى أحزاب سياسة.
وهنا تظهر قمة تناقض هذه الأزمة، حيث يؤيد الشباب الإيرانى القادة القدماء، فى حين يساند مرشد الثورة الأطراف الأخرى. الوضع الذى من شأنه التأكيد على أن الشعب يناضل ليس من أجل مشروع سياسى، بل من أجل التغيير للحصول على مزيد من المكانة على الساحة الدولية، مع توجه يميل أكثر إلى الغرب.
رابعا، أحمدى نجاد رئيس ضعيف. ومن ثم، وحتى إن ظل أحمدى نجاد رئيسا لإيران، فسيكون رئيسا لن تٌمنح له السلطة.
