استضافت مكتبة الإسكندرية يوم الأربعاء الموافق 29 يوليو 2009 العالم الدكتور أحمد زويل الحاصد لجائزة نوبل فى العلوم، وكعادة زويل التى عرفناها عنه التواضع والتبسط فى الحديث، وروحه المصرية المداعبة ذات الطلة والتى يملؤها الأمل فى غد أفضل لمصر وللعالم، تناول زويل فى خطابه الشيق الذى ينم عن ثقافة واسعة وإلمام جيد بالوضع المصرى والعالمى، مستقبل التعليم سواء فى مصر أو أمريكا وعبر العالم فى إشارات سريعة خاطفة ومؤثرة.
وقد قسم زويل ندوته إلى محاور ثلاثة تمثلت فى البعد الإنسانى- نشأته، ودور الشعوب والتعليم، وأخيرًا رحلة إلى المستقبل. وقد ألمح زويل إلى أهمية البعد الإنسانى، وأشار إلى عوامل كان لها تأثير فى حياته فدور الأسرة وبشكل خاص دور الأم والخلفية الدينية، وكان العامل الثانى متمثل فى دور المدرسة التى لعبت دوراً مؤثراً فى حياته وفى تكوين شخصيته، وينتقل زويل إلى تسليط الضوء إلى أهمية الإبداع الفكرى ومجابهة الخوف السياسى أو الثقافى مع ضرورة توافر الحياة الكريمة وإن الإبداع الفكرى لا يكون متوافرًا بشكل جيد ما لم يتم تقليل البيروقراطية غير المؤسسة على أسس فهى بمثابة حواجز للإبداع الفكرى، واستعرض العالم زويل أهمية الحلم فى حياة الشعوب وضرورة أن تتبنى مشاريع نلتف حولها، فأمريكا كانت تحلم بصعود الفضاء وتحقق حلمها، (يلزم أن تحلم الشعوب)، هذا بالإضافة إلى أهمية المشاركة العالمية، فليس هناك علم مصرى وعلم أمريكى، فالعلم منظومة عالمية وبناء الثقة بالنفس أمر هام فى التعامل مع كل الجنسيات.
وأوضح زويل إلى أن ما يشغل أمريكا والرئيس أوباما فى هذه المرحلة هو مستقبل أمريكا فى القرن الحادى والعشرين؛ وخاصة مع التغييرات السريعة التى تلحق بالعالم، فأمريكا اليوم ليست أمريكا من عقدين أو ثلاثة سبقوا، فكيف تحافظ أمريكا على مكانتها العالمية، ومربط الفرس عندها فى الحفاظ على مكانتها فى هذا القرن هو التعليم الجيد والابتكار، فالابتكار كلمة مهمة لدى الأمريكيين؛ وخاصة مع صعود قوة قادمة فى الطريق مثل (الصين وكوريا والهند).
هذا بالإضافة إلى أهمية الصحة وطب المستقبل الذى من المتصور أن يعتمد على الكمبيوتر بشكل أكبر، وأهمية حل المشاكل الاقتصادية فى ظل العولمة.
ويمثل الأمن القومى أهمية كبيرة لدى أمريكا، وهل حروب المستقبل هى حروب تقليدية، أم سوف تتم عن طريق الفضاء والمستعمرات الفضائية؟ وفى خطابه الشيق يشير زويل إلى أهمية الطاقة والمناخ وأن أمريكا رصدت 40 مليار دولار للبحث عن طاقة جديدة.
وينبه زويل إلى أهمية القوة الفكرية، وهى قوة لا ترتبط بالضرورة بحالة الفقر والغنى، فالهند عندها تقدم علمى كبير مثمتل فى برامج الحاسب الآلى وتطور فى نظم الإلكترونيات، بالرغم من الفقر الشديد فى هذه الدولة وتلوث المياة، وبالرغم من هذا تتمتع بحرية دينية وحرية الفرد هناك محترمة، فالهند بها قرابة مائتى ديانة وعقيدة؛ ولكن بالرغم من هذه الصعاب كان هناك رؤية اهتمت الهند بوضع مشروع قومى يهدف لرفع جودة التعليم وتعلم اللغات التف حوله الشعب.
كما لا ترتبط بعدد السكان، إذ أن الصين بالرغم من عدد سكانها الذى يتجاوز البليون نسمة، استطاعت أن تفجر ثورة تعليم بداخلها وقرابة 50 إلى 60 فى المائة فى مراكز الأبحاث الأمريكية من الصينيين، فى محاولة لغزو الفكر الأمريكى.
وأشار إلى كوريا الذى يعد اقتصادها فى إطار العشر الأوائل على مستوى العالم؛ فقد تقدمت فى صناعة الموبيل والسيارات والإنسان الآلى.
القوة الفكرية هى التى ربطت بين هذه الدول بالرغم من مشاكلها وظروفها، ولكن كان هناك رؤية واضحة وعزيمة على البناء والتقدم والتطور وليس الاكتفاء بالسقوط فى مستنقع الفقر والمرض والجهل والمشاكل، والاكتفاء بالندب والعويل وفقدان الأمل فى التغيير، إنها شعوب أحبت بلادها وأخلصت لها وقررت أن تعمل وتتعلم وتبنى من أجلها ومن أجل أجيال قادمة.
وفى انتقاله رشيقة إلى مصر ومستقبل التعليم، يشير زويل إلى أن مصر فى عهد الحكم العثمانى، كانت أوروبا فى عصر الظلمات، وقد أخذت أوروبا كثيرًا من الحضارة الإسلامية وبشكل خاص من الأندلس. ويرى أن معضلة الدولة الإسلامية فى آخر عهودها كان الجمود الذى قيد العقل وشله؛ إلى أن جاء محمد على باشا قائد النهضة واستطاع أن يبنى نهضة ثقافية وسياسية ودينية، وأرسل البعثات ووجد رواد فى الفكر والثقافة والدين مثل (رفاعة الطهطاوى، وقاسم أمين وطه حسين والشيخ محمد عبده). ويؤكد على دور المثقفين المصريين فى القرن الحادى والعشرين وضرورة تذكير أنفسهم بدور هؤلاء الرواد ودورهم فى جعل مصر منارة الشرق الأوسط).
ويرى زويل، أنه بالرغم من المشاكل التى ترزح تحتها مصر إلا أن أهم عامل عندها هو الثروة البشرية الموجودة لديها سواء بالداخل أو الخارج، هذا بالإضافة إلى المال الموجود بوفرة لديها، "ولكنه يساء استخدامه إلى حد بعيد لعدم توافر الرؤية لإصلاح حقيقى".
ويستطرد زويل عبر المداخلات التى وجهت له، إن مشكلة التعليم فى مصر تكمن فى طريقة التلقين الموجودة فى نظام التعليم الحالى ولا يمكن أن تكون هذه هى الطريقة الموجودة فى العصر الحالى "يُطلب من الطالب فى إنجلترا منذ مراحل السنوات الأولى فى المدرسة أن يقدم عرضاً لأى موضوع سواء محدد أو غير محدد ويتم نقاشه فيه من زملائه فى الفصل ومن المدرس، بالإضافة إلى عمل الأبحاث التى تتوافق مع السن الصغير للطلبة، فيخرج الطالب واثق من نفسه قادر على مواجهة الناس، وقادر على التعامل وتناول الموضوعات بشكل جذاب، وإذا كان أحد الطلبة فى زيارة لدولة أجنبية أو فى رحلة داخلية يطلب منه المدرس فى أثناء رحلته سواء الداخلية أو الخارجية أن يقدم بحثاًَ عن زيارته أو يحدد له موضوع يتناوله فى البحث أثناء زيارته، مثل موضوع الفقر فى إحدى الدول إذا كان مسافراً إلى دولة تعانى من الفقر، وغيره".
ويشير زويل إلى ضرورة التركيز على مراكز مضيئة ومشعة، ولا يكتفى بالجامعات فقط، وضرورة تقسيم درجات التعليم الجامعى، إلى درجات ومزايا، فالتعليم فى مصر أصبح غير قابل للترقيع، وبالتالى يلزم من وجود ثورة تعليمية قادرة على تبنى مواطن عصرى ملم بمستويات جيدة من العلم والتكنولوجيا إذا أردنا انتقال حقيقى مؤثر لمصر، فاليابان وكوريا قوتهما تتمثل فى القوى العلمية والتكنولوجية.
وعلى مصر، كما يشير زويل، أن تتحرر من الجمود والتحجر وعدم الرؤية الذى يعتليها، وضرورة أن يتوافر مناخ يحقق حرية الإبداع، ولا تعارض حقيقى ما بين الدين والعلم، فالدين يعطى سلاماً للناس، والعلم يهدف للبحث عن الحقيقة.
ويشير سريعًا إلى الفوضى التى تعيش فيها مصر، من خلال كل شخص يرى عنده فكرة غريبة يدعو شوية ناس ويعمل ضجة بشأنها، يرى زويل، أن هذا كلام غير علمى، فمن عنده فكرة يرى أنها تستحق أنها تبحث وواثق منها عليه أن يكتبها كورقة علمية ويرسلها لمجلة علمية محترمة التى ترسلها بدورها لعلماء يقيمون الفكرة ثم بعد هذا يدخل فى مناقشات بشأن هذا البحث؛ وعلى الصحافة المصرية مسئولية أن تنقل الأحداث العلمية مثل هبوط مركب فضاء على أحد الكواكب بخط واضح فى الصفحة الأولى، وإن أفتنا أيضا كما يرى تضييع الوقت فى الأيديولوجيات "فهذا ناصرى وهذا ساداتى وهذا اشتراكى..."، فعلينا أن نكون أكثر عملية ونحلم بالصعود إلى القمر، فالعالم يتجه الآن إلى الدخول فى الخلية والخروج للمستعمرات فى الفضاء وإلى علم الحياة المتمثل فى البحث فى الخلايا الجزعية والجينوم ومعالجة الأمراض والسيستم البيولوجى.
وإذا أردنا حقًا تطور سياسى واقتصادى لابد من دعم البحث العلمى، كما يقول زويل؛ فبدون بحث علمى وتعليم حقيقى سنظل نقع فى أكاذيب ومناورات ودعاه إصلاح بدون إصلاح حقيقى قادر أن يقود بلدنا وينقلها إلى مصاف دول قررت أن تبنى وأن تتقدم، وأن يعاد الأمل فى سيرتها الأولى ولن يعود الأمل إلا بعودة الأمل فى مصر، ونستطيع أن نتغنى وقتها كلنا بحق برائعة أم كلثوم وتحفة شاعر النيل حافظ إبراهيم (إن قدر الإله مماتى... لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى).
رئيس جماعة القسطاس للحقوق القانونية والدستورية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة