نقلاً عن العدد الأسبوعى
لماذا انتقل الدين فى مصر من خانة الحب، والتسامح، والأخلاق، إلى وسيلة لإشعال الحرائق؟ ولماذا صارت القناعات الدينية أداة للعبث، وتحقيق أغراض شخصية؟ ولماذا نزل الدين من على كرسيه الملكى، ليتحول إلى ورقة طلاق، وتأشيرة سفر، ومؤامرة تشغل رأس كل فريق، وتحفزه ضد الآخر؟ ولماذا لا يسأل المتحولون دينياً، هل تفهمون دينكم حقاً، وماذا عرفتم عن الدين الجديد؟
فلا أحد على سبيل المثال يعلم هل ترك محمد حجازى الذى رفع دعوى قضائية يطالب فيها بتغيير ديانته إلى المسيحية عن اقتناع أم لا، فوالده أكد أن ابنه تلقى ضغوطاً وتهديدات من قبل مبشرين مسيحيين لإجباره على ترك دينه، محمد نفسه يقول إنه اعتنق المسيحية بسبب تعصب والده ضد المسيحيين، لأنه كان يخبره بأن الله يأمرنا بكراهية المسيحيين.
وسواء كانت رواية محمد هى الصحيحة أم رواية والده، فالمبررات التى يسوقها كلاهما لا علاقة لها بالقناعة الدينية، فالوالد يتكلم عن مؤامرة، أما مبررات الابن فتؤكد أنه ترك دينه من منطلق الكراهية، لا اقتناعاً بالدين الجديد.
التفاصيل نفسها تتكرر مع ناهد متولى أو فيبى عبدالمسيح صليب، الاسم الذى اختارته بعد أن تحولت إلى المسيحية، فالسيدة تحكى فى كتاب لها عن تفاصيل انتقالها إلى المسيحية «قضية امرأة مسلمة مصرية» أنها كانت تعانى من طفولة مغلقة، فى ظل أسرة متشددة فشلت فى الفكاك من قيودها، وعندما دخلت الجامعة ارتمت فى أحضان جماعة متشددة أيضاً، وقالت إنها كانت تكره المسيحيين وتمارس عليهم قهراً وعنصرية عندما أصبحت وكيلة لمدرسة، إلى أن التقت بسكرتيرة مسيحية قالت عنها إنها «واثقة من نفسها، وجريئة، وقوية رغم صغر سنها، وهى كل الصفات التى لا أتمتع بها رغم أن عمرى 45 سنة» وهكذا انتقلت بالتدريج إلى المسيحية وهاجرت إلى كندا تاركة زوجها وأطفالها لتتحول إلى واحدة من أشد المسيحيين تعصباً.
وفيما يستخدم «الحب» فى تفسير الكثير من حالات التحول الدينى، يبدو استخدام مثل هذا التفسير فى انتقال فتاة فى الثامنة عشرة من عمرها ضربا من العبث، فالفتاة كريستين المصرى أقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب تحولها إلى الإسلام بحجة أنها وقعت فى غرام شاب مسلم، ومما يثير الشفقة أن تضطر هذه المراهقة الصغيرة للظهور فى مقطع فيديو لتقول كلاماً لا تعى معناه، من نوع «رسالة إلى المسلمين رجاء توقفوا عن إيذاء المسيحيين» بينما فى الخلفية اشتعلت الحرائق فى أوساط المسيحيين الذين اعتبروا ابنتهم مخطوفة على يد مسلمين تآمروا عليها لفتنتها عن دينها، ليتدخل الأمن فى اللقطة الأخيرة ويعيدها إلى الكنيسة، لتشتعل حرائق على الجانب الآخر تتهم الدولة بأنها لا تحمى الدين، وأنها تقف فى صف المسيحيين. بالتأكيد لا أحد يعلم شيئاً عن مصير الفتاة التى خبت عنها أضواء الإعلام، ولم يسأل أحد إذا كانت الفتاة تعلم حقاً ما هى المسيحية، وكيف اقتنعت بدين آخر فى فترة لا تتجاوز الأسابيع؟
وقد يرى البعض فى عدد من الاشتراطات والتعاليم الدينية قيوداً من الصعب الفكاك منها، لكن أن يحول ذلك تغيير الدين إلى ظاهرة، يثير علامات استفهام كبيرة، فالطلاق فى الديانة المسيحية الأرثوذكسية مثل فى السنوات الأخيرة أحد أهم أسباب التنقل بين الطوائف، أو تغيير الدين بأكمله والانتقال إلى دين آخر، والقصة لسيدة مصرية من أسرة مسيحية هاجرت إلى الولايات المتحدة منذ الستينيات، إلا أن الأسرة كانت حريصة على أن تزوج كل بناتها لمصريين من العائلة، ومن بينهم «ميرى.ب» التى تزوجت من قريب لها انتقل للعيش بالولايات المتحدة، وقضت معه تسع سنوات كاملة دون أن تشعر بالرغبة فى استمرار الزواج، وفى النهاية قررت العودة إلى مصر بحجة البحث والدراسة، لتتلقفها مجموعة من خريجات الجامعة الأمريكية اللاتى يعملن فى إحدى الجمعيات الإسلامية الخيرية، وبعد عام من التقرب إليها، قررت الفتاة التحول إلى الإسلام، لينتهى زواجها أوتوماتيكاً، وتتزوج هى من مصرى مسلم بعد فترة قصيرة. ميرى تقول إنها لا تمارس الفروض الدينية الإسلامية، وإنها لازالت تذهب إلى الكنيسة فى بعض الأحيان للاعتراف.
ولا تختلف قصة زينب عبدالعزيز كثيراً، فالفتاة نشأت فى أسرة متشددة أجبرتها على ارتداء النقاب منذ صغرها، وعندما التحقت بكلية الآداب جامعة حلوان وبالتحديد فى الصف الثالث أوقعتها المصادفة فى أحد المنتديات الإلكترونية، «إسلام دوت كوم» الذى اكتشفت بعد فترة قصيرة أنه موقع مخصص للتنصير، وهناك التقت زينب بعدد كبير من المتنصرين، ومن بينهم ناهد متولى، وفى طريقها أيضاً وقعت فى غرام متنصر مصرى يدعى أحمد أباظة، لتفاجئ الفتاة والديها بالهروب، تاركة لهم رسالة قصيرة، تخبرهم فيها أنها ستذهب فى منحة دراسية إلى كندا. فهل هربت زينب من الإسلام إلى المسيحية، أم من نيران أسرتها المتشددة إلى المجهول، لا أحد يجيب على السؤال، ولكن ذلك لا يمنع من ثورة المسلمين على مؤامرات التنصير الشريرة، والمسيحيين على المسلمين الذين يكرهونهم دون سبب.
وتلك القصص وغيرها قد تقرأها فى الصحف، وعلى المواقع الإلكترونية، وقد تصادفها بنفسك فى حياتك اليومية، لكنها لا تعكس عن الدين سوى صور مشوهة وكأنه أشبه بسلاح يستخدمه البشر للصراع، وليس فضاء للحب والتسامح، أو وسيلة لفهم الكون والتعاطى معه.
الدكتور عبدالمعطى بيومى يؤكد أن هناك حالات كثيرة يكون التحول الدينى فيها عبثا بالأديان، وإثارة للفتنة، وهو يطالب الدولة بأن تعاقب هؤلاء عقابها للجواسيس، لأنهم خطر على الأمن القومى، وينكر بيومى أن يكون الأزهر شريكاً فى هذه الفتنة بسب سهولة منحه للقب «مسلم» إذ يؤكد وجود اختبارات شفهية صارمة يمر بها من يحاول اعتناق الإسلام، وأن كل عابث يرد ولا يقبل. كما يؤكد على أن الإسلام ينهى عن فتنة الآخرين فى دينهم، مشيراً إلى أن هناك فارقا بين الدعوة إلى الإسلام بشرحه وتوضيحه، وبين الإساءة إلى الأديان الأخرى.
ويدعو بيومى إلى سن قانون خاص ينظم المسألة تطبقه الدولة على الجميع، مسلمين ومسيحيين، وغيرهم، حتى لا تكون هناك فرصة لمن أسماهم بالأيدى الخفية التى تثير الفتنة. فيما يرى الأب رفيق جريش أن المشكلة الحقيقية تكمن فى عدم إتاحة حرية التحول الدينى فى مصر، وينبغى أن يمر الراغب فى التحول عن دينه بسنوات من الدراسة الجادة وأن يتم امتحانه فى الدين الجديد الذى يرغب فى اعتناقه إثباتاً للجدية.
حب وزواج وإعلام وانتقام وفقر وهجرة وحيرة وملل
8 أسباب لتغيير الدين ليس من بينها "الايمان بالله"
الأربعاء، 05 أغسطس 2009 03:15 م
محمد حجازى - تصوير محسن بيومى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة