محمد حمدى

مصر التى كانت!

الإثنين، 31 أغسطس 2009 07:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى عام 1977 وفى عزبة داوود يوسف التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا تبرع المواطن المصرى المسلم عبد الجواد سليمان بمائة متر من أرض يملكها لأهالى العزبة من المسيحيين ليقيموا بها صلاواتهم، وظلت هذه الأرض فى حوزة مسيحيى القرية حتى عام 2006 حينما طلب عبد الجواد سليمان نجل صاحب الأرض استعادة أرضه التى تبرع بها والده من قبل لجيرانه المسيحيين.

وفى عام 2009 توترت العلاقة فى القرية بين الملسمين والمسيحيين ورفض بعض السكان قيام القس إسطفانوس شحاته نجيب الكاهن بمُطرانية سمالوط بتحويل جزء من بيته إلى دار مناسبات لمسيحيى القرية يقيمون فيها جنازاتهم ويؤدون فيها شعائرهم.

وبين الحدثين 22 عاما بالتمام والكمال تغيرت فيها مصر، لدرجة يمكننا القول معها إن حالة التسامح والتعايش التى كانت تميز المصريين قد تراجعت كثيرا ليحل محلها مناخ من الاحتقان الطائفى، ليس خافيا على أحد، ولم يعد ممكنا حله بطرق أمنية، أو عبر مصافحات فى المناسبات بين رجال الدين من الجانبين.

لأكثر من خمسة آلاف عام تميزت مصر عن غيرها من الدول والأمم بأنها تفتح ذراعيها لكل وافد جديد سواء كان هذا الوافد دينا أم حضارة، أو حتى مواطنا أجنبيا يريد الإقامة بها، وقديما قال المؤرخ اليونانى هيرودوت إن مصر هبة النيل لكن الحقيقة أن مصر لم تكن هبة النيل فقط، وإنما هبة التسامح الذى ميز أبناءها على مدار التاريخ.

وفى التاريخ القديم تعرضت مصر للعديد من الهجمات والغزوات، وهى طوال عمرها مطمع للقوى العظمى والإقليمية، لكنها حتى فى سنوات القهر والاحتلال تغلبت على محتليها وطبعتهم بطابع مصرى خالص.

ويذكرنا التاريخ بأن كليوباترا الملكة الأجنبية التى حكمت مصر، صلت لآلهة مصر القديمة، وحرصت على أن يتوجها الكهنة المصريون، ورغم أنها ليست مصرية لكنها أصبحت ملكة لمصر وتتحدث باعتبارها مصرية.

وحين ثار المصريون على فساد الوالى العثمانى واختاروا الضابط الألبانى محمد على حاكما عليهم، وأسس الدولة العلوية التى ظلت تحكم مصر حتى عام 1952، سعى محمد على لإقامة دولة حديثة، ورغم أنه ألبانى وليس مصريا وحرص على تأكيد مصريته وإقامة دولة مصرية حتى أنه يوصف بأنه بانى مصر الحديثة.

وفى مصر الحديثة أيضا عشرات الآلاف من الأمثلة ليونانيين وإيطاليين وأوروبيين ومواطنين من كل الجنسيات جاءوا إلى مصر وأسهموا فى نهضتها المعمارية والتجارية والاقتصادية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولا يزال العديد من أحفادهم من اليونانيين والأرمن والأتراك وغيرهم يعيشون فى مصر ويحملون الجنسية المصرية بعد أن مصرتهم مصر.. وصهرتهم فيها.

هكذا كانت مصر وطنا يتسع للجميع، حتى بعض من احتلها شرب من نيلها وارتبط بأرضها وصار أكثر مصرية، لكن هذا ليس دعوة للترحيب بأى محتل، ولكنه إشارة إلى أن سماحة مصر وانفتاحها على الآخر احتوى الآخرين فى داخلها وصهرهم فى البوتقة المصرية.

وحين تغير المصريون اختفت السماحة وغاب التعايش.. اختلفت مصر ولم تعد وطنا مفضلا للكثيرين الذين يبحثون عن أوطان أخرى قد تذكرنا بما كانت عليه بلدنا.. ولم يعد أبناء البلد الواحد مرحبا بهم فى بلدهم.. ولم تعد مصر كما كانت!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة