بادئ ذى بدء، إن ما يسمى بالمشروع السياسى للحركات الإسلامية، هو مشروع يحمل فى طياته أسباب فشله منذ البداية ولن تقوم له قائمة، لأسباب دينية وتاريخية، والأسباب الدينية فى الحقيقة تستند إلى المعنى القرآنى العظيم المتمثل فى ما معناه "أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ونظراً لأن الحركات الإسلامية انحرفت عن مسارها الشرعى منذ أن بدأ الصراع على السيطرة على الحكم فى مصر، بين الرئيس السابق جمال عبد الناصر وبعض زعماء جماعة الإخوان المسلمين الذين منذ ذلك الوقت يفترضون من وحى أفكارهم الخاصة أنهم هم "وحدهم" ورثة الله فى الأرض وأنهم يمثلون الدين الإسلامى على الأرض، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدعِ أنه المسئول الأول والوصى الأول على الإسلام.
وقبل عصر جمال عبد الناصر كانت جماعة الإخوان المسلمين أكثر تعقلاً وأكثر التزاما بالخط الإسلامى مع الخط الدينى فى مقاومة الاحتلال ومحاربة الاستعمار الأجنبى، ولكن اندفاع بعض قادتها حول الأمر إلى صراع على السلطة حتى فى عهد ما قبل الثورة، وازدادت جذوة نار الانتقام عند بعض قادتها عندما بدأ جمال عبد الناصر ومن معه فى استخدام العنف والتعذيب ضدهم وهو ما أجج نار الرغبة فى الانتقام، وغريزة الحقد التى أصبحت مثل كرة الثلج التى تكبر كل يوم فى حجمها، ورفع من وطأة وقعها تشجيع الاستعمار الغربى لهؤلاء القادة عندما قدموا لهم فى الماضى الدعم المعنوى أحيانا والمادى والعسكرى أحيانا أخرى حسب احتياجات الخطط الخبيثة للدول الغربية وفقا لرؤيتهم ومصالحهم فى المنطقة.
ومن الأسباب السياسية أنه ترتب على نجاح الدول الغربية وأمريكا فى استقطاب بعض القادة المتأسلمين فى مواجهة عبد الناصر سابقاً وفى مواجهة الاستقرار القاتل للشعوب العربية حالياً، حسب وجهة نظر تلك الدول، وهو ما جعل بعض قادة ما يسمى بالحركات الإسلامية التى فى واقع الأمر ليست إلا أداة فى يد الاستعمار لإشاعة عدم الاستقرار فى المنطقة وتكبيل حرية شعوبها بقيود الصراع الوهمى بين النظم الحاكمة المدعومة من الدول الغربية ولقيادات الإسلامية الوهمية المدعومة أيضاً من تلك الدول، تلك السياسة الشيطانية أدت إلى بث الغرور فى نفوس بعض قادة المتأسلمين، وساهمت فى خلق سراب يراه هؤلاء القادة، يتصورون منه أن سيطرتهم على مقاليد الحكم فى الدولة قاب قوسين أو أدنى منهم.
ويأتى أهم أسباب ضعف المسلمين والإسلام السياسى فى كارثة الدعوة إلى أسلمة كل شىء بمعنى استعداء باقى الأديان على المسلمين، مع أن المسلمين يمثلون فقط حوالى 1300 مليون نسمة فى العالم أجمع، يجمعهم فقط أداء الطقوس الدينية من صلاة وصوم وحج.. وخلافه، ولا يجمعهم هدف سياسى واحد لأن القرار السياسى العالمى فى يد الدول الغربية التى تبث روح الفرقة والتعصب والجهل بين زعماء الدول المسماة بالإسلامية وزعماء الحركات الإسلامية، وتقوم تلك الدول بواجباتها بكفاءة علمية متناهية الدقة.
ووسائل الدول الغربية فى أنشطتها الناجحة ضد الدول الإسلامية تنبع من مبادئ غير اخلاقية مثل الميكيافلية "وهى الغاية تبرر الوسيلة"، وأيضا مبدأ فرق تسد, بالإضافة إلى تطبيق الدراسات العلمية المتقدمة فى كيفية السيطرة على العالم الإسلامى المتخلف.
أما زعماء الحركات الإسلامية فى العالم العربى فلا توجههم غير بعض الأغراض الشخصية التى تعلمها جيدا الدول الغربية وتستخدمها لتأجيج نار الفرقة، ومنها التصريحات الميكروفونية فى الإيحاء بعنصرية الدين الإسلامى وتشدده ورفضه للآخر، وجميع تلك الانطباعات بعيدة تماماً كلها عن الدعوة الإسلامية والدين الإسلامى منها براء.
لكل ما سبق فإن الزمن ليس فى صالح الإسلام السياسى، حيث إن المبادئ الإسلامية تتبرأ من أساليب السياسة الدولية فى الوقت الحالى والمبنية على الميكافيلية ومبدأ فرّق تسد، وهى مبادئ لا يستطيع الإسلام السياسى التعامل معها، خاصة أن العالم أصبح قرية صغيرة بسبب وسائل الميديا العالمية المختلفة.
والنتيجة النهائية هى استمرار تخلف المنطقة العربية وضياع أعمار الأجيال الحالية هباء فى اللهث وراء سراب يسمى بالإسلام السياسي، فى الوقت الذى يتقدم فيه العالم أجمع شرقه وغربه وتستيقظ الأجيال القادمة على خيبة وفشل هذا الجيل الغارق فى تفاهات الإسلام السياسى والصراعات القائمة على الاستئثار بالثروة لبعض اللصوص والسيطرة على النظم الحاكمة فى المنطقة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة