تجتاج أوروبا هذه الأيام حالة من الهوس السياسى والإعلامى أشبه بالفوبيا من زيادة عدد المسلمين فيها، وأصبحت بعض الصحف الأوروبية المحافظة تتعامل مع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن على أساس أنها تمهيد لاحتلال إسلامى للقارة.
مجلة الإيكونومست البريطانية نشرت تقريراً عن كتاب جديد يحمل عنوان "انعكاسات على الثورة فى أوروبا: الهجرة والإسلام والغرب"، يتحدث عن المخاوف المتزايدة من هجرة المسلمين إلى أوروبا، واستعرضت أهم النقاط التى تحدث عنها كاتبه وهو كريستوفر كالدويل صحفى أمريكى يكتب فى صحيفتى فاينانشيال تايمز وويكلى ستاندرد، والذى أمضى العقد الماضى يدرس الهجرة إلى أوروبا، وسافر كثيراً وقرأ المزيد عن هذا الشأن بلغات مختلفة، حتى أصدر كتابه الذى يحذر فيه من الهجرة إلى أوروبا وخاصة هجرة المسلمين إليها.
ويرى كالدويل أن أوروبا الغربية أصبحت مجتمعا متعدد الأعراق بشكل جنونى، فالسياسيون الأوروبيون جلبوا أناسا من الخارج لملء الفراغ فى بعض الوظائف. إلا أن أعداد المهاجرين ظلت فى ازدياد حتى اختفت هذه الوظائف. وزاد عدد المقيمين الأجانب فى ألمانيا من 3 مليون عام 1971 إلى 7.5 مليون فى عام 2000 على الرغم من أن عدد الأجانب فى القوى العاملة لم يزدد بنفس النسبة. والآن يمثل المهاجرون نسبة 10% من سكان أغلب الدول الأوروبية الغربية، وتزداد هذه النسبة لتصل إلى 30% فى بعض الدول الكبرى فى أوروبا.
وكان السياسيون الأوروبيون مخطئين بشأن الثقافة أكثر من خطأهم بشأن الأرقام. فهم افترضوا أن المهاجرين سيتبنون بسرعة أخلاقيات المجتمعات التى يعملون بها، لكن عددا كبيرا من المهاجرين أثبتوا عدم مرونتهم للتغير المواكب لمجتمعاتهم الجديدة.
ويشير الصحفى الأمريكى إلى أن السبب الذى جعل الكثير من المهاجرين يفشلون فى التواؤم مع مجتمعاتهم الجديدة يتلخص فى كلمة واحدة وهى "الإسلام". ففى منتصف القرن العشرين لم يكن هناك مسلمين تقريباً فى أوروبا، أما الآن فهناك ما بين 1.5 و1.7 مليون ويمثلون بذلك نصف كل القادمين الجدد إلى القارة الأوروبية.
وقد تراجعت معظم الدول الأوروبية لاستيعاب حساسيات القادمين الجدد، فقد سمحت إحدى المحاكم الفرنسية لرجل مسلم بفسخ عقد زواجه على أساس أن زوجته لم تكن عذراء فى ليلة الزفاف.
لكن الرأى العام فى أوروبا بدأ يمل من مثل هذه الإجراءات، فقد أظهر استطلاع للرأى كما يقول كالدويل أن 19% فقط من الأوروبيين يعتقدون أن الهجرة أمر جيد لصالح بلدهم، فى حين أن 57% يعتقدون أن بلدهم يوجد بها عدد أكبر من اللازم من الأجانب، وقد أجبرت هذه الأرقام السياسيين مؤخراً على التعديل من سياستهم.
فقد اتجه الكثير من الدول إلى فرض القيود على القوانين الخاصة بالهجرة لديها، وانتقلت من نظام الهجرة المعتمد على المهارات واختبارات المواطنة إلى نظام إمكانية الهجرة إليها. ومنعت فرنسا الفتيات من ارتداء الحجاب فى المدارس، وانتقد بعض السياسيين البريطانيين مثل تونى بلير وجاك سترو الحجاب واعتبروه رمز الانفصال. وبدا أن الترحيب الذى كان يحدث فيما مضى قد حل محله شعار "أحبها أو اتركها".
ويرى كالدويل أن هذا الأمر قد تأخر كثيراً، حيث إن أوروبا تتحول إلى قارة مسنة بتجاوز أكثر من ربع سكانها لسن الـ60. والمهاجرون لديهم عائلات كبيرة، بالإضافة إلى ذلك، فإن أوروبا ليست ملائمة للثقة بالنفس الإسلامية على حد تعبيره.
وترى الإيكونومست أن التشاؤم الحاد الذى أعرب عنه الصحفى الأمريكى فى كتابه الجديد بشأن زيادة عدد المسلمين فى أوروبا يثير تساؤلات كثيرة منها؛ هل الأوروبيون فى حالة ضعف فعلا كما يقول؟ لقد اكتشفوا أن هناك بعض المبادئ غير القابلة للتفاوض مع الإسلام خاصة ما يتعلق بحقوق المرأة. وهل الإسلام فعلاً "واثق من نفسه"، فرغبة كثير من المسلمين لشن هجوم على رسومات كاريكاتورية أو على رواية قد يكون إشارة على غضب ثقافى عميق.
وانتقدت المجلة البريطانية النظرة الانتقائية المقلقة لكالدويل فى استخدامه للبرهان. فقد تجاهل الأمثلة المتعددة على مسلمين نجحوا فى الاندماج فى مجتمعاتهم وتعايشوا مع نجاح نسائهن دون أن ينزعجوا بالتساؤل كثيراً عن أسباب نجاحهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة