أنا أكره الخمور والسكرانين ونشأت فى قرية متمدينة فى صعيد مصر تكره الخمور والسكرانين ولكنها تقر بقية المكيفات وخاصة الأفيون أما الحشيش، فكان الكيف المفضل للأعيان وكبار التجار ولأنهم أعيان فكانوا يحششون بعيدا عن أعين الناس إما فى غرز – جمع غرزة أى مقهى صغير- فى أطراف القرية أو وسط الزراعات أو فى حجرة مغلقة ومنفصلة عن بيوتهم تفتح من جهتين: البيت والشارع ويسمونها (المندرة).
وكنا ونحن صغار إذا ما وجدنا سكراناً يترنح فى طريق أو شارع أو حارة فإنه يلقى منا كل أنواع الأذى من دفع وبصق وضرب بالنعال وكانت أحذيتنا فى تلك الحقبة تشترى من شركة باتا المشهورة ولا يوجد غيرها فهى الأرخص وبينما أبناء الأعيان فأحذيتهم تفصل لهم تفصيلاً وتسمى أحذية باتا (كاوتش) وكانت فعلاً كاوتش، ولذلك كانت ضرباتها موجعة ومؤلمة وسرعان ما تسمع الحريم صياحنا.. السكران.. السكران فسرعان ما تحضر كل منهن صفيحتها أو تستعد ببستلتها (صفيحة مستديرة) أو طشتها الملىء بماء الغسيل أو أى ماء قذر وكلما ترنح وتلوى السكران وجاء حظه العاثر فى مرمى إحداهن صبته على رأسه.
ولما كبرنا وأصبحنا من مرتادى دور السينما وانبهرنا بفريد شوقى ومحمود المليجى ورشدى أباظة وكمال الشناوى وجدنا أن الخمور هى القاسم المشترك لكل الأفلام ولا يوجد فيلم من الأفلام لا يوجد فيه خمور والبطل لكى يبقى بطلا لابد أن يكون خمورجى وهيا نراجع الأفلام المصرية حتى 2009 فهناك عبارة تكررت ملايين المرات ولا يغفل عنها كاتب سيناريو: تاخد كاس، بالصودا ولا سك ثم يتناول الملقاط وكأسين طويلين ويضع بعض مكعبات من الثلج ثم يتناول زجاجة بها سائل أصفر، ويصب فيهما ويشرب البطل و صديق البطل بعد أن يخبطا الكأسين فى بعضهما ويتبادلا تحية الخمور المعتادة "فى صحتك" فيرد عليه "فى صحتك" وهذه اللقطة السينمائية أو التليفزيونية لا تفيد القصة ولا الموضوع ولا الحبكة الدرامية، ولما كبر أولادى وكان لدينا فيديو ومجموعات من شرائط الأفلام هذه.. فقمت بطريقة بدائية وباستخدام لاصق نفاذ الرائحة يسمى (أمير) بقص تلك المشاهد وغيرها من المشاهد التى تفسد الذوق العام وشاهدت الأفلام فكانت مكتملة المعانى وواضحة الهدف وجيدة المضمون.
وقد وجدت أن تليفزيون المملكة العربية السعودية عندما كان يذيع بعض الأفلام المصرية كان يفعل نفس الشىء ولا أدرى هل لا يزال يذيع أفلام مصرية أم لا، والسينما المصرية منذ تقديم أول عرض سينمائى فى الإسكندرية فى مقهى (زوانى) فى يناير عام 1896م وتبعه عرض فى القاهرة فى سينما سانتى فى نفس الشهر عام 1896م ومنذ ظهور أول فيلمين روائيين عام 1917م أنتجتهما شركة السينما الإيطالية– المصرية: الشرف البدوى والأزهار القاتلة أو الميتة والذين عرضا فى الأسكندرية عام 1918م وعلى مدى مائة عاماً أنتجت السينما المصرى أكثر من 4000 فيلم وكلها لا تعكس واقع المصريين ولكنها تؤكد أن كل مصرى عنده فى شقته الواسعة أو فيلته الأنيقة بار صغير مكتظ بكل أنواع الخمور و إناء معدنى يشبه ( الشفشق ) معبأ بمكعبات الثلج وملقاط والخمور أسهل وأكثر من مية الحنفية وزى ما حضرتك لما تيجى من شغلك وأنت بتلقف من الحر وزحمة المواصلات وتدخل على القلة أو الزير زمان أو تدخل على الثلاجة الآن وتشرب شوية مية ساقعة فتتحول تلك اللقطة فى السينما المصرية درامياً إلى مكعبات ثلج فى كاس وشوية خمرة وتاخدها على بق واحد.
بالله عليكم كام بيت فى مصر فيه بار 1000 بيت، 2000 قصر، 3000 فيللا، 4000 شاليه، 5000 منتجع فهل السينما المصرية تخصص.. أم تعمم الحالات والأوضاع وكان من الأولى أن تصف لنا حال الـ 780000 (سبعمائة وثمانون ألف ) بيت وشقة وعشة وكشك ومركب صيد صغير فى النيل ورصيف وحديقة عامة والتى يعيش فيها من بناة الأهرام حتى مخترعى علاج السرطان بالذهب.
وأتساءل هل إظهار الخمور تعنى الدعاية للشعب المصرى بأنه شعب بتاع حظ وفرفشة ونعنشة ويحب يعمر الطاسة بكاسين بعد ما يضربلو صحن كشرى أو سندوتشين فول وطعمية أو فطيرة بالقشطة من محل الحاج بدوى الفطاطرى وطز فى الـ7000 سنة حضارة وطز فى القيم والأخلاق العربية والإسلامية ويا راجل نفض ودانك ومش حأقول إنها حرام بكتاب الله وسنة رسوله وتوجب الحد بضرب من يشربها بالجريد والنعال– كما كنا نفعل فى صغرنا سابقاً– أربعين وقيل ثمانين جلدة فهى مقرونة فى كتاب الله بالميسر (كسب المال على وجه المغامرة) وكذلك بالأنصاب (الأوثان) وبالأزلام (استقسام أهل الجاهلية قبل الإسلام وأبدله الله بصلاة الاستخارة المعروفة) واوعى حد يفتكر أنى أصولى ولا سلفى وإن كنت فى الحقيقة تسلفى وأحب السلف يعنى من فقرى أحب أستلف.
وأتساءل هل إصرار صناع السينما على حشر الخمور فى الأفلام فيها مصلحة من شركات الخمور الفرنسية أو اليونانية أو الإيطالية ومصلحة.. يعنى "سبوبة" بمعنى أنهم بياخدوا حاجة من شركات الخمور وأؤكد لكم تماما التأكيد أنه ما بياخدوش ولا مليما ولكنها دعاية مجانية لوجه الله تعالى ولا يرجون منهم جزاء ولا شكورا.
ممكن يا أباطرة صناعة السينما تعملوا لنا فيلم من غير خمور وخلوها مية معدنية أو بالكتير شويبس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة