إن ارتفاع مستوى التلوث فى مصر رغم حزمة القوانين التى تتضمن عقوبات مغلظة؛ يعكس جهلا بيئيا يحتاج إلى مراجعة شاملة لقوانين البيئة ونشر الوعى البيئى بدرجة تتناسب وخطورة التلوث. ففى مجال صحة الإنسان كانت التحذيرات والنصائح لا تجد صدى لدى أغلب المواطنين فكم هى أعداد المواطنين الذين يدخنون فى الأماكن العامة وكم مرة شاهدت فيها الخبز والحلوى والأغذية التى تباع على الأرصفة وتلاحقها جيوش من الذباب وما هى درجات الوعى بين المواطنين لمواجهة أنفلونزا الخنازير التى تستعد للهجوم الشرس فى الشتاء القادم وكم هى أعداد المرضى فى مصر الذين أصيبوا بالفشل الكلوى أو الكبد نتيجة التلوث وقد وصل الحال من اللامبالاة بخطورة التلوث أن أصبح المعنى لدى الشباب عندما يوصمون شخصا بالسوقية والتخلف هو أن يصفوه بأنه "بيئة" وفى مطلع شبابى ومن خلال عملى كمحام قمت بمواجهة بعض شركات المياة الغازية التى لا تعتنى بنظافة المنتج وتم ضبط عدد من الزجاجات المغلقة التى يترسب بها صرصارا وفى أخرى خنفساء وفى الثالثة ورقة بسكويت قديمة وغيرها..
عندما بدأت محاكمة هذه الشركات تلاحظ لى قيامهم بتفويض عامل لدى الشركة بتحمل المسئولية أمام النيابة على أنه المدير المسئول عن الإنتاج والمثول للمحاكمة الجنائية وانتهت المحكمة فى أغلب القضايا إلى القضاء بالغرامة!! وهو ما شجع هذه الشركات على خرق القانون، وزاد من جرأة هذا العامل الذى ينتحل صفة المدير المسئول عن الإنتاج واستمراره فى غيه ولاسيما وأن هذه الشركات تحرص على منحه مقابل موافقته على قبول دوره كبش فداء، وأذكر أن إحدى هذه الشركات كانت تقدم هدايا عبارة عن تلفزيونات للمواطنين وقرأت فى الصحف من ضمن الفائزين عامل الشركة الذى يمثل الشركة أمام النيابة والقضاء. وعودة إلى قانون البيئة الحالى.
وقد قرأت العديد من الكتب الرائعة التى تؤصل مفهوم الوعى البيئى وترصد من الحقائق المخيفة لأوضاعنا البيئية ما يستأهل فرض قانون الطوارئ!! ولك أن تتصور النزاع على الأخذ بالثأر بين عائلتين وهم فى غمرة النزاع بدأ المبنى الذى يتشاجرون فيه فى التداعى والانهيار؟ ماذا يفعلون؟ لاشك أنهم سيتدافعون هربا من الموت تحت الأنقاض وسوف يتناسون ما بينهم من عداء.. هكذا الحال عندما تكشر البيئة الملوثة عن أنيابها وتتمكن من الهواء الذى نتنفسه ومن التربة التى نزرعها ومن الشمس التى قد يمثل شروقها رعبا وفزعاً.
إن الأمر جد خطير وغياب الوعى البيئى بات أمرا واقعا والكل فى غفلة فمتى نفيق؟!
* محام بالنقض
