لم نفرح بانتصار حقيقى منذ زمن طويل!
ويحكى أيضا أن ذوى اللحى الشقراء ظهروا فى واقع مشابه تماما مع بداية القرن الخامس عشر للهجرة ليصنعوا فرحة عمت أرجاء العالم الإسلامى بعد سنوات من الحزن المصاحب للهوان والانكسار.
ولن نجد صعوبة تذكر فى بيان أوجه الشبه؛ حيث انقلاب الأوضاع وفقدان الهيبة الإسلامية وانتقال القيادة إلى الأعداء وفقدان المسلمين لدورهم الريادى.. سادت حالة من الذهول فى الأمة التى دهمها الصليبيون برا وبحرا وشرقا وغرباً.. وغاب المسلمون عن الوعى وانقطعت الصلة التى كانت تربطهم بماضيهم وأمجادهم، وفقدوا الحماسة وأصابهم الفتور والخمول ويئسوا من النهوض والخلاص واستسلموا لأعدائهم، ليفعلوا بهم ما يحلوا لهم.
ضرب الصليبيون بكل قوة فى عمق العالم الإسلامى وأخرجوا المسلمين من الأندلس وأذاقوهم الهوان الحقيقى، وعرف المسلمون معنى الألم النابع من جرح اليأس من الخلاص والتحرر، عندما يحيط بهم العدو من كل جانب ويحكم قبضته عليهم ولا صريخ ولا منقذ ولا قوة ذاتية تعين على انتفاضة تنتشلهم من ذل امتهان الدين والكرامة والعرض.
فى مثل هذا الواقع المرير تعرف الأمة جيدا مذاق فرحة الخلاص والانعتاق عندما يأتى على أيدى رجال، وهبوا أنفسهم لله ولنصرة دينه، ومن هؤلاء كان ذوو اللحى الشقراء( Barberousse باربروس ) كما أطلق عليهم الفرنسيون.
عائلة اشتهرت باللحى الحمراء أو الشقراء نشأوا فى جزيرة مدلى من بحر الأرخبيل لأب تركى اسمه يعقوب بن يوسف وأم أندلسية وأربعة أبناء: اسحق وعروج وخسرف – الذى عرف فيما بعد بخير الدين – ومحمد والياس.
الأخوان عروج وخير الدين أو الأخوان باربروس أو ذوا اللحى الشقراء ظهرا فى ذلك الزمن البعيد الذى تألبت فيه القوى الصليبية ضد المسلمين فى الأندلس المسلمة، وفى الأندلس المسلمة ذاق المسلمون الهوان بأطعمته المتنوعة ومرارته القاسية حيث شددوا عليهم الحصار وطردوهم من ديارهم وسفكوا دماءهم وأحرقوهم أحياء وهتكوا أعراضهم واستولوا على ثرواتهم وممتلكاتهم ودمروا مساجدهم، وخيروهم بين اثنين لا ثالث لهما: إما العذاب الأليم والموت أو التنصر!
فوهب الأخوان باربروس نفسيهما لله وانطلقا فى البحار يناديان: خرجنا لنصرة دين الله ولإنقاذ المسلمين، فسطرا أعظم البطولات وأروع الملاحم وحققا أعظم الانتصارات التى شهدها البحر وعرفها تاريخ حروبه ومواجهاته.
مثل الأخوان باربروس كابوسا مفزعا مرعبا لأوربا سنوات طويلة وأرقا ملوك وأمراء وبابوات النصرانية الذين اتحدوا وهجموا على الإسلام ودياره وأهله هجمتهم الشرسة البغيضة متمنين القضاء على الإسلام وإبادة المسلمين؛ فمد الأخوان عروج وخير الدين بابروس أيديهما لانقاذ إخوانهم فى الدين فأغارا بسفنهما على سواحل الأقاليم النصرانية، ونصرا الإسلام وأهله وعملا على إنقاذ اللاجئين الأندلسيين إلى العدوة المغربية، وأمعنا فى أساطيل الأعداء قتلا وأسرا بعد أن دخلا فى مواجهات دامية معها فى عرض البحر، وقطعا الطرق فى وجه عبور السفن المسيحية مياه البحر الأبيض المتوسط ، وهددا الممتلكات الأسبانية فى أفريقيا ثأرا لأخوانهم، ونشرا الرعب بعد أن أعلنا الجهاد الإسلامى بطول البحر وعرضه.
هكذا أدخل ذوو اللحى الشقراء الفرحة فى قلوب المسلمين بعد عقود من الحزن والألم بانتصاراتهما الباهرة .
ولكن ما علاقة ذوو اللحى الشقراء أو الأخوان باربروس ببحارة عزبة البرج والبرلس والمطرية دقهلية ؟
وأين الرابط بين تاريخ انتصارات المسلمين البحرية وبين ما حدث للصيادين المصريين على يد القراصنة الصوماليين، وما حدث للقراصنة الصوماليين على يد الصيادين المصريين؟
لا أقول أن بحارتنا الأبطال صنعوا معجزات باربروس ، ولكن هؤلاء ( المساكين الذين يعملون فى البحر) ذكرونا بشئ كنا قد نسيناه اسمه (المبادرة الذاتية)، نسيناه لطول جلوسنا مستسلمين، فى انتظار حدوث معجزة تخلصنا وتحررنا ، أو فى انتظار وصول الدعم أو الفدية، أو فى انتظار الموت على يد أعدائنا ليخلصونا هم من الهوان والمهانة التى ألصقوها بنا!
ولا تقولوا لى أن ما حدث من انقلاب االبحارة المخطوفين على خاطفيهم وعودتهم مظفرين إلى أرض الوطن بثمانية قراصنة رهائن، عمل يستطيعه أى أحد ولا يستدعى تشبيههم بذوى اللحى الشقراء!
فذوو اللحى الشقراء لم يولدوا قادة وأبطال ولم يبدأوا مجاهدين فى سبيل الله والمستضعفين؛ فقد كانوا مجرد ملاحين بسطاء على المجاديف ، ثم مدفعية ، ثم ملاك سفن وأساطيل، ثم باعثى للرعب والفزع فى قلوب الأعداء .
وعروج الذى بدأ الجهاد ضد الصليبيين فى البحر وافتتح المجال أمام إخوته ، ركب البحر ولم يتجاوز العاشرة من عمره ، وجهز فى هذا العمر الصغير مركبا تولى قيادته بنفسه ، ثم بعد ذلك تعرض للأسر وعمل فى المجاديف والقيد فى رجله مدة سنتين .
لكنه تمكن من الفرار فى البحر على مقربة من سواحل مصر ، وهذه هى البداية وتلك هى نقطة الانعتاق والخلاص والتحرر ثم الانطلاق .
صيادو عزبة البرج والبرلس والمطرية ليسوا ذوى اللحى الشقراء وتاريخهم مختلف تماما ، وما فعلوه لم يكن لنصرة اخواننا فى العراق أو أفغانستان أو فلسطين ، لم يكن إلا لإنقاذ أرواحهم من القتل على أيدى القراصنة الصوماليين!
ولكن تلك الفرحة التى أحسست بها وأنا أتابع ما فعلوه ذكرتنى بتلك الفرحة التى عمت أرجاء العالم الاسلامى بعد أن ثأر الأخوان باربروسا لإخوانهم المسلمين فى الأندلس.
دعونا نفرح قليلاً، فلم نذق طعم الفرحة الحقيقية من زمن بعيد.
وما يدرينا، لعل الله يخرج من أصلاب الصيادين المصريين الرجال من يعيد أمجاد ذوى اللحى الشقراء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة