أكرم القصاص - علا الشافعي

خالد صلاح

وزراء فى الحكومة وقيادات فى أمانات الحزب ينسبون أنفسهم للرئيس زورا

مؤسسة الرئاسة يجب أن تبقى على الحياد

الجمعة، 28 أغسطس 2009 10:37 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتستر الوزراء بأخطائهم أحياناً حين يرفعون فى وجوهنا شعارات من عينة (نحن نطبق سياسة الرئيس) أو من فصيلة (نحن ننفذ بناء على تعليمات السيد الرئيس)، هذه الكلمات التى يطلقها الوزراء آناء الليل وأطراف النهار تمثل جداراً من الصلب الواقى يحميهم من الهجمات ويعلو بهم فوق النقد ويصم آذانهم عن الاستماع للرأى الآخر إذ إنهم يلفون أنفسهم بشرعية الرئيس، ويتحصنون بمكانته الرئاسية بهيبتها وتقديرها فى الشارع وباحترامها لدى المؤسسات الصحفية ودوائر الرأى العام.

ويتستر بعض أعضاء الحزب الوطنى أحيانا بالشرعية نفسها، وبالمهابة عينها، حين يصورون أمام الناس أن كل صغيرة وكبيرة تجرى فى الحزب، صوابا كانت أم خطأ، تجرى تحت عين الرئيس وبرعايته وبإشرافه المباشر على كل الأنشطة الحزبية والقوانين الصادرة عن الحزب وأماناته المختلفة، وانتخابات الحزب القاعدية بحلوها ومرها.

اسم الرئيس وحده يكفى أن يمنح من يستخدمه داخل الحزب أو الحكومة حصانة خاصة، إذ يكبر على أصحاب الرؤية النقدية أو الأفكار المعارضة أن يتشككوا فى نوايا الرئيس أو فى تقديراته السياسية أو فى إصراره على الإنجاز السياسى أو التنموى، ويكبر عليهم أيضا أن يطلقوا فى مواجهته حملات ساخنة فى المحاسبة، أو تعبيرات غاضبة فى التقييم، فالرئيس قطعاً يتمتع بثقة أكبر لدى قطاعات كبيرة من الناس وبمكانة أكثر رقياً بالنظر إلى تاريخه العسكرى كقائد مقاتل فى جيش مصر، وشرعيته المؤسسة على انتخابات مباشرة، وبالنظر أيضاً إلى تجربته الطويلة فى الحكم والإدارة والتى أظهر فيها أداءً وطنيا مهما اختلفنا فى درجات التقييم والمعارضة.

على أن ما يتمتع به الرئيس من مكانة لا ينسحب بالضرورة على وزراء فى الحكومة، أو قيادات فى الجهاز التنفيذى للدولة، أو على القيادات الوسيطة أو الأسماء البارزة داخل الحزب الوطنى، ومن ثم فإن حالة التستر وراء اسم الرئيس تشكل حيلة ماكرة يلتفون بها على النقد والمحاسبة، ويجرون بها مؤسسة الرئاسة إلى ساحة التراشق الشعبى والإعلامى، فيربحون دعماً من صحف الحكومة بمجرد الإشارة إلى الكلمة الساحرة (بناء على تعليمات السيد الرئيس) فتلتزم هذه الصحف صمتا ودعما على غير هدى، ثم ينعمون أيضاً بمعارضة وديعة تخشى من أن تنال من الرئيس نفسه حين تعرى قراراً بالياً اتخذه وزير فى السلطة، أو مشروعا ساذجا تحمس له عن غير وعى نخبة من قيادات الحزب دون عرضه مباشرة على السيد الرئيس.

وكلما ظل الرئيس ومؤسسة الرئاسة جزءا من هذه المعادلة، استعصى النقد ولانت الأقلام وتأدبت الحملات احتراماً للرئيس ولمؤسسة الرئاسة، وكلما تمادى الوزراء والمسئولون وقيادات الحزب فى استخدام اسم الرئيس بالحق والباطل، منحوا أنفسهم مهابة رئاسية جامعة مانعة إلى الحد الذى يمكن أن يؤدى إلى تعطيل الحوار الديمقراطى سواء داخل هذه المؤسسات، أو بين هذه المؤسسات وتيارات المعارضة أو أصحاب الرؤى النقدية فى الأحزاب والصحف المستقلة وصحف الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى.

الرئيس يجب ألا يجرى إقحامه عمدا فى هذا الحوار المجتمعى، ومؤسسة الرئاسة بالكامل يجب أن تبقى خارج هذه الساحة من التراشق، فلا تمنح حماية لأحد، ولا تسبغ قداسة على قرار أحد، وربما كانت هذه الحالة من التستر خلف الرئيس هى السبب الأساسى الذى دفع قيادات المعارضة فى منتصف التسعينيات إلى تصعيد مطالبهم بضرورة تخلى الرئيس عن رئاسة الحزب الوطنى الديمقراطى أملا فى ألا يفسر كل نقد للحزب باعتباره نقدا للرئيس شخصياً، أو كل حملة على وزير فى الحكومة أو على رئيس الوزراء شخصياً باعتبارها طعنا فى السياسات العليا للدولة، فالفرق شاسع بين معارضة قرارات تنفيذية يتخذها رئيس الوزراء وبين معارضة توجهات استراتيجية يصنعها الرئيس نفسه وتتبناها الدوائر العليا القائمة على الحكم فى البلاد، ومن هنا ليس من حق أى وزير أو أى قيادة حزبية أن تسبغ على أفكارها قداسة (السياسات العليا) وتمنح -زورا- لقراراتها أبعاداً استراتيجية أو تربطها بالأمن القومى أو الأمن العام أو باستراتيجيات الرئاسة فى حين لا تخرج هذه القرارات محل النقد عن كونها اجتهادات متواضعة لرجال يصيبون ويخطئون ضمن الاستراتيجية القومية للبلاد.

حياد مؤسسة الرئاسة هنا يحقق مميزات هائلة ونقلات نوعية فى مستويات الحوار الديمقراطى فى البلاد، فهذا الحياد يرفع عن الحزب الوطنى الهيبة الرئاسية، ويتيح حتى للصحف المملوكة للدولة أن تتعامل مع الحوار الداخلى فى الحزب بانفتاح أكبر وبحرية أوسع، دون خوف من أن تصطدم بتعليمات عليا أو توجيهات رئاسية، وحياد مؤسسات الرئاسة يفتح الباب أيضا لتكون هذه المؤسسة الأكثر مهابة وتقديرا، هى الحكم الأخير بين الآراء والأفكار فى المجتمع، كما يحميها أيضا من بعض المتنطعين فى هذه الكيانات الحزبية أو التنفيذية الذين يصورون أنفسهم أمام الناس، وكأنهم يجالسون الرئيس فى مكتبه الخاص، ويستلهمون قراراتهم بتعليمات مباشرة من الرئيس، ويعملون تحت إشرافه الشخصى، فى حين أن كثيراً منهم لا يلتقون الرئيس إلا عرضا، ولا يجالسونه إلا فى مؤخرة الصفوف، ولا يصافحونه إلا فى احتفالات عامة أو فى مناسبات قومية.

وحياد مؤسسة الرئاسة يفتح الباب واسعا للتمييز بين قضايا الاتفاق وقضايا الاختلاف الوطنى فى المجتمع، وفى الساحة السياسية والحزبية، دون خلط يثير الارتباك أو يضعف من التأييد الوطنى للرئيس أو لإدارته لملفات الأمن القومى المصرى، فكثير من المؤسسات الحزبية والتيارات المعارضة تتفق مع الخط العام لمؤسسة الرئاسة فى عدد هائل من ملفات القضايا الخارجية أو فى الملفات الأمنية وتعلم أن هذه الملفات تحظى بإشراف الرئيس شخصياً، وهى ملفات مدعومة جماهيرياً وحزبياً دون شك، لكن هذه التيارات نفسها تختلف مع سياسات السلطة التنفيذية ممثلة فى الحكومة، أو الأفكار الصادرة عن بعض الوزراء أو بعض قيادات الحزب الوطنى، ومن الخطورة أن تتأثر ملفات التوافق الجماهيرى مع مؤسسة الرئاسة، بقضايا الخلاف الجماهيرى أيضا مع الكيانات الحزبية والحكومية الأخرى، خاصة أنه لا يجوز الزعم أبدا أن الرئيس يستعرض كل قرار، أو كل مشروع، أو كل فكرة لوزير، أو لجهاز تنفيذى، أو لقيادة حزبية قبل إعلانه مباشرة، هذا ليس من المنطق كما أنه ليس من واجبه الدستورى أيضاً أن يكون هو صانع كل القرارات، وهو المسئول عن كل القرارات بصوابها وبخطئها.

هذه الحيلة -التستر خلف الرئيس- تخالف حقيقة ما يجرى فعلا فى مصر، سواء داخل الحكومة أو داخل الحزب، ومن ثم.. فإن حياد هذه المؤسسة الكبيرة يقود إلى اتساع أكبر فى الحوار المجتمعى، وحرية أكبر فى عرض الرأى والرأى الآخر، وقدرة أعظم على النقد البناء دون الاصطدام بتعليمات رئاسية، لها مكانتها وهيبتها، ودون التراشق مع توجيهات عليا، لها احترامها على المستوى الشعبى العام. دعوا ما للرئيس للرئيس، وما للحكومة للحكومة، وما للحزب للحزب، ولا يجوز هنا بأى حال أن يكون الرئيس هو درعكم الذى تحتمون به من النقد، ولا ينبغى على الإطلاق أن يكون هو صك الغفران الذى تغتسلون به من خطاياكم إن وقعت، ومن إخفاقكم إن فشلتم، ولا يجب على الإطلاق أن تفسر قيادة الرئيس للسلطة التنفيذية دستوريا، بأنه سيكون هو المسئول دائماً وأبداً عن خطط تنفيذية فاشلة أو عن قرارات حكومية لم تحظ بالدراسة الكافية، ففى النهاية الرئيس يكلف خبراء ومختصين بإدارة هذه الملفات، وما يتوقعه منهم هو النجاح لا الفشل، فإن فشلتم فاعترفوا بالحقيقة دون خداع الناس وإرهابهم بشعار (التوجيهات الرئاسية)، وإن نجحتم فسيكون النجاح لكم أيضاً وليس للتعليمات الرئاسية وحدها.

التعليمات الرئاسية لا تتحقق بقدرات سحرية غامضة، لكن لها رجالها الذين يستحقون عليها الشكر إن نجحوا، ويستحقون عليها النقد إن أخفقوا، وهنا جوهر هذا الحياد الإيجابى المطلوب من مؤسسة الرئاسة، وهنا جوهر هذه الفضيلة التى لا يتبعها مطلقا وزراء الحكومة أو قيادات الحزب.
لا تجعلوا من خصومكم ومعارضيكم خصوماً للرئيس، ولا تجعلوا من أنصاركم أنصارا للرئيس، أنتم تعلمون أن لكل منكم حساباته وطموحاته ومصالحه ونجاحاته وإخفاقاته، فتحملوا ضريبة عملكم العام بشرف، وتوقفوا عن هذا الرعب المبكر الذى تصدرونه للناس بعنوان (التعليمات الرئاسية)!.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة