من منكم لم يحلم يوما بأن تزوره الملائكة فى منامه، من منكم لم يتمنى يوما أن يرى ملاكا حقيقة لينظر نوره وجماله، ويشبع رغبات نفسه برؤية أحد أسرار الغيب.. حتى إن كان منكم لم يحلم أو يتمنى ذلك، فقد روادته الفكرة نفسها فى ليلة ما عانى فيها من كوابيس لا ترحم.
كلنا نريد ذلك.. نريد أن نرى هذا النور الملائكى الذى حدثتنا عنه آيات القرآن، ورغم أن الفرصة فى أيدينا، ورغم أن لكل منا فرصة أكيدة لملاقاة ملاك هبط من السماء فإن أغلبنا لا يتمنى هذا اللقاء، نحن الذين نتحدث عن حلمنا برؤية الملائكة وأنوارها، نرتعش إذا ذكرنا أحدهم بلقاء هذا الملاك.. ملك الموت، ربما لأننا نعلم يقينا أننا لا نستطيع أن نحكى لأحبائنا عن طبيعة اللقاء بالملائكة، أو ربما وهذا هو الأغلب نعلم من داخل قرارة قلوبنا أننا لم نستعد جيدا لذلك اللقاء، لم نستعد بشكل كاف لتلك القبضة القوية التى تعيد الروح إلى بارئها، نخاف لقاءه لأننا لم نقف أمام المرآة ونحاسب أنفسنا على نوع التسريحة أو جودة القميص ومدى توافقه مع الكرافت مثلما نفعل قبل لقاء السيد المدير.
أو ربما نخاف لأنه يملك حق تحديد الموعد والمكان، يداهمنا فجأة ودون استعداد، نعم لهذا نخاف لقاءه، لأن لقاءه يذكرنا دوما بأن نكون دائما على استعداد للرحيل ونحن لا نعشق أبدا أن نكون جاهزين، نحن نميل أكثر إلى تحضير أنفسنا فى اللحظات الأخيرة وهذا كلام لا ينفع مع ملك الموت، ففرحة اللقاء به لا تتم إلا بهذا الاستعداد، أما كل من انتظر للحظات الأخيرة، كل من عبث وتكبر، كل من فسد وطغى وظلم فهو لن يفرح بلقاء عزرائيل، أو ملاك الموت إن لم يكن هذا اسمه، فحتى الآن لم يعرف له أحد اسما سوى ملك الموت، كلمة عزرائيل هذه لم ترد فى القرآن والسنة وأغلب الظن أنها من الإسرائيليات كما تقول كتب الحديث ولكن البعض مثل ابن كثير فى «البداية والنهاية» لا يرى غضاضة فى استعمال هذا الاسم طالما لم يثبت بشأنه إثبات أو نفى وهو على عكس رأى شيوخ السلف الذين يرفضون بتشدد كعادتهم استخدام اسم عزرائيل طالما أنه لم يرد فى الكتاب والسنة.
وعلى الرغم من أن ملك الموت أو عزرائيل هو الملاك الذى لا نتمنى لقاءه أو ذكره فإن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أكد فى حديث رواه أنس رضى الله عنه أن لذكر ملك الموت فوائد ومكاسب حينما قال (أكثروا من ذكر الموت فإنه يُمحِص الذنوب و يُزهد فى الدنيا)، كما أن هذا الملاك الذى ترغب فى رؤياه هو الوحيد من بين الملائكة الذى نجح فى أن ينفذ أمر ربه ويقبض قبضة من طين الأرض ليخلق الله منها جنس البشر ولهذا يصبح من الطبيعى جدا أن يعود الأمر إلى أصحابه وأن تصبح مهمة ملك الموت هى قبض تلك الأرواح بنفس القبضة الذى جاء بها بالطين الذى خلقت منه.
هو الخوف من الموت وفراق الحياة إذن الذى خلق تلك الحالة من الرفض وعدم الرغبة فى لقاء ملك الموت، تلك الحالة التى كونت صورة قبيحة لملك الموت فى أذهان المسلمين على الرغم من أن الأمر كله يتعلق بالأعمال، فإن صلحت أعمال العبد جاءه ملك الموت فى أبهى صورة وإن فسدت أعماله جاءه على الهيئة التى يستحقها مثلما روى ابن عباس رضى الله عنه قائلا: (إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ملك الموت أن يريه كيف يقبض روح المؤمن فقال له: اصرف وجهك عنى فصرف، ثم نظر فرآه فى صورة شاب حسن الصورة حسن الثياب طيب الرائحة حسن البشر فقال له: والله لو لم يلق المؤمن من السرور من شيئاً سوى وجهك كفاه ثم قال له: اصرف وجهك عنى فصرف وجهه عنه، ثم نظر إليه فإذا صورة إنسان أسود رجلاه فى الأرض و رأسه فى السماء كأقبح ما أنت راءٍ من الصور تحت كل شعرة من جسده لهيب نار فقال له: والله لو لم يلق الكافر سوى نظرة إلى شخصك لكفاه).
فانظر إلى نفسك أى صنع تصنع على وجه الأرض، راجع دفتر ذكرياتك وقارن بين تلك الصفحات التى تضم أسماء من ظلمت أو سرقت أو عبست فى وجهه، راجع تلك الصفحات التى تدون كيف سخرت من عباد الله وكيف خضت فى أعراضهم وقارنها بتلك الصفحات البيضاء.. قارنها بصفحات صدقاتك وزكاتك ومعاملتك الحسنة وسوف تعرف وقتها على أى صورة سيكون ملك الموت حين يلقاك، وستعرف وقتها إن كنت ستسعد بلقائه أو ستتمنى ألا يأتى موعد زيارته إلا بعد أن تشطب ما فى صفحاتك من سواد!
موضوعات متعلقة:-
هل تحب الملائكة أهل مصر المحروسة أكثر من بقية شعوب الأرض؟
الرضوان.. الملاك خازن الجنة الذى نتمنى أن نلقاه!
جبريل.. سفير الله.. رفيق الأنبياء ورئيس الملائكة
هل تشارك الملائكة فى الحروب حقا؟
المستعد فقط يفرح بلقائه.. وكل من طغى وتكبر يرتعش إذا ذكر اسمه
عزرائيل.. ملاك اللقاء الإجبارى!
الخميس، 27 أغسطس 2009 10:09 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة