أنا متأكد أن نصف الشعب المصرى مصاب بأنفلونزا الخنازير والنصف الآخر بأنفلونزا الطيور.. وإذا أفلت البعض منهما سيأخذون نصيبهم من فيروسات الكبد والفشل الكلوى وأنواع غامضة من الأمراض وأخرى عائدة مثل السل والتيفود.
لماذا هذه النظرة التشاؤمية ونحن نحصى مع الصحف يوميا الزيادات المضافة على المصابين بأنفلونزا الخنازير التى خطفت الأنظار من أنفلونزا الطيور رغم أن الأخيرة أكثر استقرارا واستيطانا فى بلدنا المصاب.. والنظرة التشاؤمية منبعها أن مصر دولة مزدحمة فى كل شىء.. مزدحمة فى الكثافة السكانية لأن الناس تعيش فى أقل مساحة كما لو كانت تحب أن تقترب من بعضها خوفا من مجهول، والكثافة السكانية أفضل أرض خصبة لانتشار أى وباء معد، ولذلك تظل مصر مرشحة دائما لأن تكون فى مقدمة الدول المستوطنة للأمراض وإذا أردت أن تتأكد من ذلك اخطف رجلك إلى منطقة شعبية وامشى فى مناكبها وحواريها وسوف تتعجب كيف أن هؤلاء الناس المتكدسين مازالوا على قيد الحياة.
ومصر مزدحمة بالكذابين والمضللين.. ويعتقد مسئولوها أن إخفاء الحقيقة نوع من أنواع المقاومة للأمراض.. فلا يعرف أحد من أبناء الشعب حقائق أى ظاهرة كبيرة أو خطيرة.. فكل شىء فى الصحف على ما يرام، بينما الناس يعرفون أنهم ليسوا على ما يرام ومن فرط الإلحاح عليهم دون أن يشعروا صدقوا وهتفوا للحكومة.
وعلى سبيل المثال كان تنظيم بطولة كأس العالم لشباب اليد فاشلاً والناس عرفوا أخبار الشكوى من الصراصير فى غرف الفنادق والحرائق فى بعض الملاعب.. لكن هناك زحمة من المضللين الذين ينتفعون من هذه البطولات ويهمهم أن يرتفع صوتهم بالتضليل لتختفى أصوات أخرى تريد أن تقول الحقيقة ليس تقليلاً من شأن مصر، بل رغبة فى الاستفادة من الدروس ومقاومة العجز الدائم والتاريخى عن تنظيم بطولة مكتملة بلا سلبيات.
وبعد أقل من شهر سوف نتصدى لتنظيم كأس العالم للشباب لكرة القدم.. وترى زحمة فى الحركة ويصاحبها زحمة فى الغموض والتصريحات التى لا تحمل ولا تقدم شيئا محددا، ليخلق ذلك أجواء من الشكوك وعدم الثقة لدى الناس الذين هم فى الأصل سيحددون مدى نجاح أو فشل البطولة تنظيميا.. فإذا سألت عن آخر مراحل تطوير وإصلاح الملاعب تأتى الإجابة عامة لا تهتم بتفاصيل أو حقائق، وهى الأشياء التى تهم الأجانب والاتحاد الدولى، وإذا سألت عن وضع المنتخب المصرى والخوف عليه من خلال مشاهدته فى مباريات ودية لا يرتقى فيها إلى مستوى الطموحات، لا تجد سوى جملة واحدة عن الطموح الذى نملكه فى المنافسة على اللقب، ثم يسمع الناس عن خلافات حول الجهاز الفنى ورغبات متصادمة فى الجبلاية مع وضد التغيير، وإذا سأل أحد تأتى الإجابة بلا «نعم» وبلا «لا» ويتشتت ذهنك أكثر عندما تسمع الجملة التاريخية المأثورة أن المدير الفنى هو المسئول الأول والأخير، رغم أن الحقيقة غير ذلك باستثناء حالات نادرة.
عندنا زحمة فى أى شىء يخص نشاطا عاما، وكلما زاد هذا النشاط جماهيرية زادت زحمته لأن كل وجه يريد أن يظهر فى الصورة، ولا توجد قوة فى الدنيا تستطيع أن تفكر فى الزحمة والجلبة والأصوات العالية، ولذلك نحن لا نفكر ولا نملك القدرة على التحكم فى أفكارنا ووضعها فى أجندة أوداخل منظومة.. ولا تنتشر الأشياء السيئة إلا فى الزحمة كما حدث من انتشار «الألتراس» بين جماهير الكرة الطبيعية التى أحبت اللعبة لكنها سمحت بانتشار من يحب الشغب أكثر، وكما حدث من انتشار الأمراض الجسدية والروحية والعقائدية، ولو أن مناطقنا السكنية مثل مناطق السكن فى أوروبا لانتظر الناس دعوة للقاء يسبقها تنظيم وتفكير واتخاذ قرار فى موضوع أو قضية، وسوف تجد الفيروسات مسافات طويلة تقطعها لنقل العدوى من إنسان لآخر، لكن عندنا اللقاء جاهز ولا يحتاج لدعوة، يكفى أن تقف فى أى مكان وتقول شيئا سوف تسمعه المئات وينقلونه إلى الآلاف وحتى آخر النهار يكون خبرا فى النشرة، ولا يهم إذا كان حقيقيا أم خياليا، يمكن أن «يعطس» مصاب بأى أنفلونزا فى ميدان رمسيس لينقل عدواه مع الأوتوبيسات والميكروباصات المنطلقة إلى كل مناطق القاهرة والأقاليم.
فعلا.. زحمة يا مصر زحمة.. زحمة وماعدش رحمة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة