يسرى فودة

حق العودة = حق المصادرة

الخميس، 27 أغسطس 2009 09:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سيكون لدى الإسرائيليين استعداد «للتنازل» قليلاً فيما يخص موضوع القدس (بعد عمر طويل) ولن يكون لديهم استعداد «للتنازل» قدر أنملة فيما يخص موضوع عودة اللاجئين على الإطلاق. إنهم يدركون أن غير ذلك يعنى بالمرة التوقيع بأيديهم على نهاية دولة إسرائيل عملياً على أرض الواقع.

فرص استمرار الدولة العبرية إذن مرهونة رهن الأبد باستمرار العنصرية، وشواهد هذا كثيرة أحدثها تركيز نتنياهو اللافت للنظر على «يهودية» إسرائيل واشتراطه فى رده على خطاب أوباما التصالحى فى القاهرة أن يعترف الفلسطينيون بذلك قبل الانتقال إلى مناقشة أى شىء ذى معنى، وهو يعلم أنهم يعلمون أنه يعلم جيداً ما يقصد إليه. ومن شواهده أيضاً ارتفاع كاحل اليمين المتطرف فى إسرائيل وفى بؤرة أجندته محو الجنس العربى من إسرائيل، إما بترحيلهم إلى الضفة أو بإجبارهم على «التهَوُّد» السياسى عسى أن يقود هذا إلى «تأَسْرُل» وطنى. ونحن هنا نتحدث عن هؤلاء الفلسطينيين الذين ولدوا داخل إسرائيل واضطروا إلى العيش فى ظل قوانينها وثقافتها ومناخها العنصرى المتطرف، فما بالك بالنسبة لهؤلاء الذين اضطروا إلى الرحيل عن ديارهم منذ عام 1948 وفى مراحل لاحقة؟

يلتقط «خبير التجميل السياسى» الأمريكى، الدكتور فرانك لونتز، عصب الموضوع من وجهة نظر إسرائيل فيقول إنه فى كل مرة تثار قضية حق العودة ينبغى علينا (أى على إسرائيل) أن نرد فوراً: «كلا! إنكم تتحدثون عن حق المصادرة، فالأمر هنا لا يتعلق فى الواقع بالعودة وإنما بالأخذ (من الإسرائيليين)، ولن نقبل هذا». يوجه لونتز حديثه إلى «هؤلاء المرابطين على خطوط المواجهة، الذين يخوضون الحرب الإعلامية دفاعاً عن إسرائيل وعن اليهود فى مختلف أنحاء العالم»، ضمن «قاموس لغوى» على هيئة «قل ولا تقل» ألفه لحساب مؤسسة «مشروع إسرائيل» الصهيونية. وتعتمد حجته المغلوطة فيما يخص موضوع حق العودة على دعامتين: «أولاً، أنه ببساطة غير قابل للتنفيذ عملياً على أرض الواقع، وثانياً أن اليهود أيضاً فقدوا مساكنهم.. فى اليمن ومصر والمغرب وسوريا والعراق وإيران منذ إعلان دولة إسرائيل».

ولأن الهدف الأساسى من وراء هذا «القاموس» هو مساعدة المسئولين فى إسرائيل والمتحدثين باسمها والمدافعين عن مصالحها على تنقيح رسالتهم بما تستريح له الأذن الأمريكية من مدرجات الجامعات إلى صالات الكونجرس إلى أروقة البيت الأبيض، فإن المؤلف ينصحهم بتجنب استخدام عبارات من مثل «منفصلون ولكن متساوون» التى انتشرت بين دعاة الفصل العنصرى فى أمريكا فى الخمسينيات ودعاة التفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا فى الثمانينيات. الأمريكيون، كما يقول، لا يحبون ذلك ولا يؤمنون به ولا يقبلونه. وبدلاً من ذلك، يقترح «خبير التجميل السياسى» هذه القواعد عند التصدى لمفهوم حق العودة:
قم بتصوير حق العودة على أنه «مطلب» من جانب الفلسطينيين، فالأمريكيون لا يحبون الجانب الذى «يطالب». ثم قل: «إن الفلسطينيين غير قانعين بأن تكون لهم دولة، بل إنهم يسعون أيضاً إلى الحصول على أراض داخل إسرائيل».

أضف إلى ذلك أن ممن يطالبون بهذا الحق هؤلاء الذين لم يعيشوا يوماً ما داخل حدود إسرائيل، فالأمريكيون لن يقتنعوا أبداً بحجة هؤلاء.

ركز على هلامية مفهوم العودة وعلى حقيقة أنه لا يوجد تاريخ للبدء أو تاريخ للانتهاء أو نتيجة حتمية أو تسوية نهائية، فمن شأن هذا تقويض الحجة الفلسطينية.

ركز أيضاً على أن الأمر لا يتعلق بالأرض، بل فى الواقع بدولة إسرائيل نفسها، وذلك حتى لا يختلط الأمر فى أذهان الأمريكيين فيظنون أن تسوية نهائية لا بد أن تتضمن هذا الموضوع.
بفضل أحداث الحادى عشر من سبتمبر والتهديدات الإرهابية المستمرة حتى الآن، يخشى الأمريكيون بوجه خاص من الهجرات الجماعية إلى بلادهم. ومن ثم قم بمقارنة التحديات التى يواجهها الأمريكيون فى تعاملهم مع الهجرة غير المقننة بتلك التى يمكن أن يتعرض لها موقف إسرائيل.

احتج بأن موضوعاً كموضوع حق العودة يقوض الجهود الرامية إلى إنجاح عملية السلام، وهذه أقوى حجة فى جعبتك، إذ إن الأمريكيين يعتقدون أنه لا ينبغى لأى مطلب مهما بلغت أهميته أن يحول جهود السلام عن مسارها الصحيح.

ثم ينتقل «خبير التجميل السياسى» إلى تخيل سؤال صعب يمكن أن يتعرض له المدافعون عن إسرائيل فيما يخص قضية عودة اللاجئين السياسيين: «هل يمكن أن تشرح لمن لا يعلمون ماذا يعنى حق العودة بالنسبة للفلسطينيين؟» ويتطوع بتقديم ما يصفه بـ«إجابة كافية» على هذا النحو: «إنه يعنى أساساً أن الفلسطينيين يطالبون بأن من حق الفلسطينيين جميعاً، ليس فقط هؤلاء الفلسطينيون الذين عاشوا هنا تاريخياً، بل أيضاً أبناؤهم وأحفادهم، أن يتمكنوا فى وقت ما فى المستقبل من إغراق إسرائيل بوابل من الهجرة الفلسطينية على نطاق واسع. وبالنسبة لنا فإن عدم استعداد الفلسطينيين للتخلى عن هذا المطلب يمثل مصدراً للقلق، لأن ذلك يعنى فى الوقت الذى نحاول فيه التوصل إلى سلام مبنى على مبدأ دولتين لشعبين أن الفلسطينيين لن يكونوا قانعين بدولة واحدة. إن الفلسطينيين يقولون من البداية إنهم يرغبون فى إقامة دولة فلسطينية للشعب الفلسطينى، وهو ما نقبله، ولكنهم فى الوقت نفسه يطالبون بأراض داخل ما يعترف الجميع بأنه دولة إسرائيل، وهو ما لا نقبله».

وأخيراً، نجد من الضرورى أن نذكّر القارئ الكريم، خاصةً الذين يجدون أنفسهم مضطرين أحياناً إلى شرح موقف عربى أو إحساس عام أو سياسة معينة، بأننا قد عمدنا إلى وضح حجج واقتراحات وقواعد «خبير التجميل السياسى» الأمريكى كما وضعها هو لمن يصفهم بالمرابطين على خطوط المواجهة الذين يخوضون حرب إسرائيل لكسب العقول والأفئدة فى الولايات المتحدة الأمريكية. فبغض النظر عن آرائنا الشخصية فيها، لدينا نحن أيضاً فرصة متساوية للاستفادة منها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة