عندما يدخل المال والسلطة عش الزوجية يختلط الصالح العام بالصالح الخاص وتظل القوانين تائهة بين إرضاء الحاكم والمحكوم.. وأزمة حقوق البث الفضائى كانت أصدق مرآة رأينا فيها أنفسنا بلا رتوش أو مكياج أو عمليات تجميل، حتى احترنا مع مواقف وزير الإعلام الذى دافع فى آن واحد عن حق الدولة ومواطنيها وتليفزيونها الحكومى وحق فضائيات خاصة لم تتأسس لكى تقدم خدمة، وإلا كان أصحابها من أولياء الله الصالحين.. بل تأسست ليربح أصحابها أدبيا وماليا، بل أحيانا ما يصاحب تأسيسها حديث هامس أو زاعق عن أصل الأموال ومن أى مصادر جاءت.. من البنوك أم من تجارة بشقيها الحلال أو الحرام. وعن الصراع الشرس للدفاع عن المصالح.. وجدت كل الأسئلة إجابات عنها إلا سؤال واحد فقط هو: لماذا تضامن وزير الإعلام مع القنوات الخاصة؟ ولماذا جاء رأيه مخالفا لرأى مسئول كبير تنفيذى متخصص وفاهم لطبيعة السوق واحتياج الشاشات الحكومية للحماية من خطر الشاشات الخاصة وهو المهندس أسامة الشيخ رئيس قطاع القنوات المتخصصة؟
ولأن موقف الوزير كان غامضا حتى لو برره بأنه يساند إعلاما خاصا ناشئا مع العلم بأنه لم يعد ناشئا، وحجم أعماله بالملايين فى سوق أجور منتعشة يناقض الحالة الاقتصادية التى نعيشها، فإن سوق الشائعات أيضا انتعشت دون الفصل فى حدود مصداقيته.. وكان أبرز ما راج من أقاويل أن وليد دعبس صاحب قناة مودرن الفضائية حظى مثل قلة من المحظوظين بقناة اتصال، ربما ترتقى لعلاقة ودية مع جمال مبارك أمين السياسات بالحزب الوطنى..
وأثمرت هذه العلاقة عن تقارب مصالح سياسية مع وزير الإعلام الذى يهمه بالطبع إرضاء السياسات العليا قبل أن يفكر لحظة فى رأى المتخصصين الذين يعتبرون الفضائيات الخاصة عبئًا ماليًا وتنافسيًا مع قنوات التليفزيون الحكومى، وأنها حرمت الأخير من 50 مليون جنيه أرباح إعلانات وتسببت فى ارتفاع تكلفة الإنتاج.. وحتى لو كان رأى الوزير صحيحا بأنه يتعاطف مع استثمار الفضائيات الخاصة، فإنه من باب أولى كصاحب منصب سياسى فى وزارة بالغة الأهمية مرتبطة مباشرة بالنظام السياسى أن يتعاطف مع أندية هى فى الحقيقة تمثل شعبا كاملاً يريد لها البقاء والاستمرار وتجنب مخاطر الاندثار..
وهناك أسرار وخفايا كثيرة فى مواقف أطراف الأزمة.. والمؤكد أن الأندية فقط هى التى طلبت حقوقًا ليس وراءها أى دافع للاستثمار، بينما التليفزيون والفضائيات وحتى اتحاد الكرة ينظرون إلى الحقوق نظرة استثمارية.. ولم تكن هناك شفافية إلا من الأندية فقط وشعرنا من تصرفات مسئولى وزارة الإعلام والتليفزيون المصرى برغبة فى أن تطول المشكلة لكى تستأثر البرامج الحكومية وحدها بالبث الحصرى بما يدره من عائدات مالية كبيرة.. ولم يفهم الآخرون ذلك مثلما لم يفهموا أن دهاء الأهلى ساعده على تمرير قضيته القديمة التى أثارت جدلا فى أن يذيع مبارياته على الهواء مباشرة.. ففى ظل القضية الحديثة التى تأزمت حصل على ما لا يجب أن تحصل عليه قناة ناد.. ثم جاء دور الفضائيات الخاصة فى انتهاز الفرص، وعبر عنها ناطقها الرسمى د. وليد دعبس الذى تهكم على ما أسماه دعاوى الأندية فى الاستثمار الفاشل، بينما هو لم ينظر لنفسه ولا لقناته التى تأزمت ماليا بسبب فكره الاستثمارى المراهق.. وانتهز مع زملائه فى الفضائيات الأخرى العلاقة الطارئة مع وزير الإعلام لكى يخلق موقفا ضاغطا يستغلون فيه جميعا السلطة والمال فى القضاء على حركة تصحيح عادلة قامت بها الأندية.. وقد كنت صاحب فكرة ألا تطول فترة التعاقد عن سنة واحدة وتحدثت مع سمير زاهر عن ضرورة أن يزيد التعاقد سنويا بنسبة مئوية إذا كانت اللجنة السباعية مجبرة على الرضوخ للضغوط.
وفى حقيقة الأمر.. عندما زادت الأزمة تعقيدا زادت الضغوط على زاهر لدرجة أنه اضطر اضطرارا إلى ترك نفسه للرياح والأمواج تقذفه فى أى اتجاه، ووصل به الأمر إلى أن تمنى أن يبيع الحقوق بـ70 مليون جنيه للتليفزيون لإرضاء وزير الإعلام، وفى الوقت نفسه كان يريد أن يتشفى فى الوزير بأن يجعل الأندية قوة معارضة تحرجه، وكان لآخر الوقت مؤيدا ومحرضا لكى يتم البيع دفعة واحدة بهذا السعر لكنه كان قد فقد إدارته لفكر الأندية والسيطرة عليها وترك لها ساحة المواجهة حتى لا يفقد موقعه داخل النظام السياسى.
ووصلت الأزمة إلى حالة غير مسبوقة من التوحش فى البجاحة لدرجة أن مسئولين كبارا نسوا فى غمرة البحث عن مصالح ضيقة أن للدولة قانونا ونظاما.. فوجدنا قناة مودرن تنقل عن المهندس أسامة الشيخ قوله: الأندية تقول ما تشاء ونحن نفعل ما نشاء.. وكان تعليق رؤوف جاسر نائب رئيس نادى الزمالك غاية فى الشجاعة والتعبير الصادق عن حالة التوحش التى افترست القانون والنظام بقوله: إن هذا الرأى «تجبر» وعلى البلد السلام.. ويشاء الله ألا يطول الخداع وتضليل الرأى العام.. عندما لم يكتف التليفزيون الحكومى بالبث أرضيا وفضائيا عبر المصرية الفضائية بل امتد الفضاء إلى قناة النيل ليعبر عن مصلحة خاصة مباشرة تحولت إلى أزمة وحيدة بقت عالقة، كانت نوعا من «الفتونة» المحسوبة بحسابات السلطة والنفوذ.. ولأن الأندية لا تخشى على شىء تخسره، فإنها تجرأت واحتفظت بجرأتها حتى آخر لحظة.. فعندما دارت المفاوضات وعرض التليفزيون زيادة المقابل المالى من 26 إلى 30 مليونا بشرط البث فضائيا فى النيل للرياضة.. وارتاح سمير زاهر معتقدا أن الأندية سوف توافق لكنه فوجئ بموقف متشدد من ممدوح عباس رئيس الزمالك الذى ذهب خصيصا لحضور اجتماع السباعية بدعوة خاصة من حسن حمدى وهدد بانفصال الزمالك عن الاتفاق إذا لم تدفع النيل للرياضة نفس ما تدفعه الفضائيات.. ورفع زاهر سماعة التليفون وتحدث مع الوزير لمزيد من التفاوض، لكن الوزير قال له بحسم: «ماحدش يلوى ذراعى».. وكانت إيذانا بتحرك اللجنة السباعية لمنع الكاميرات من دخول الملاعب فكانت ليلة ساخنة ومثيرة وغريبة مثل غرابة شقاوة أطفال تجمعوا للعب فى مفاعل نووى.. فكانت مباريات الأسبوع الثانى ساخنة فى الملاعب ومباريات أطراف البث ملتهبة فى المكاتب.. والاشتباك العنيف «أرضى» على منتج فضائى، على غير عادة وطبيعة منافساتنا الرياضية التى تنتج فيها الفرق عملا على أرض الملاعب تتحول إلى اشتباك فضائى فى القنوات التليفزيونية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة