محمد حمدى

مصر الجديدة

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009 10:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يختلف اثنان فى هذا البلد على أنها تغيرت، لدرجة أننا نعيش فى مصر أخرى يراها من عايشوها فى السبعينات والثمانينات من القرن الماضى مثلى مختلفة إلى حد يدفع البعض للقول "هذه ليست مصر التى عشنا فيها وعليها من قبل".

مصر تغيرت، لكن هل كان تغييرها إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟.. وما الذى غيرها كل هذا التغيير؟.. أو حتى لماذا يبدو لبعض أنها تغيرت فجأة؟

منذ سنوات أتأمل الحالة المصرية باهتمام بالغ، ليس على طريقة المسح العريض الذى أجراه الدكتور جلال أمين فى كتابه ماذا جرى للمصريين، ولكن عبر تأمل حال الناس، وما يعتريهم من تغيير تلحظه العين العادية وليست الخبيرة.

وقد خلصت إن ما ألم بمصر راجع فى الجانب الأكبر منه إلى غياب القانون، وليس صحيحا أن القانون فى هذا البلد لا يسرى على الغلبان أو الصغير أو من ليس له ظهر، لكن الحقيقى أن القانون لم يعد يسرى على أحد، فصنع كل منا قانونه الخاص الذى يسيره ويحكم معاملاته وتصرفاته مع الدولة والناس.

نحن على سبيل المثال نتحدث كثيرا عن العشوائيات باعتبارها أماكن غير مناسبة لإسكان الآدميين، والبعض من علماء الاجتماع تعرض لها باعتبارها ظاهرة اجتماعية لها تأثيرات كبيرة على الشخصية التى تسكن تلك المناطق، واصطلحوا على تسميتها بالشخصية العشوائية.. وهذا صحيح فى جانب كبير منه، لكن المشكلة ليست فى فقط فى حالة المساكن، وإنما فى غياب القانون عن هذه المناطق التى أصبحت تشكل معظم المناطق السكنية فى مصر.

وفى الكثير من هذه المناطق العشوائية لا توجد نقطة شرطة، بل إن معظم شوارعها لا يمكن دخول السيارات فيها، الأمر الذى غيب سلطة القانون وجعل هذه السلطة فى أيدى عدد محدود من البلطجية، يفرضون قانونهم الخاص على الجميع.

خذ مثلا موضوع عداد التاكسى، فقد توقفت الحكومة عن وضع تعريفة لركوب الناس، تتناسب مع زيادة أسعار البنزين والسيارات وقطع الغيار منذ نحو عشرين عاما، وبالتالى لم تعد العلاقة اليومية بين المواطنين وسائقى التاكسيات يحمكها قانون واحد، وإنما أصبحت تخضع للعلاقة التفاوضية بين الراكب والسائق، يحالول كل منهما أن يفرض قانونه الخاص.

وهناك عشرات من الأمثلة الأخرى منها أن فى الجهاز الإدارى للدولة ستة ملايين موظف، تجمدت رواتبهم لسنوات عديدة، ولم تعد تكفى حتى لثمن المواصلات للذهاب للعمل والعودة، وبالتالى فقدت الوظيفة الحكومية أهميتها وهيبتها، وبحث الناس عن طرق أخرى حتى تستمر الحياة، سواء بالعمل فى أكثر من وظيفة، أو حتى بتحويل العمل الحكومى إلى وسيلة للدخل غير المشروع.
هذه هى مصر الجديدة التى نعيشها، دولة تخلت فيها الحكومة عن دورها، وبالتالى لم يكن فى استطاعتها تطبيق القانون الذى غاب أو تم تغييبه عن عمد، وتحولت مصر إلى دولة بلا قانون واحد، لأن كل مواطن صنع لنفسه قانونه الخاص.. وأصبحنا أقرب إلى الغابة منها إلى الدولة الحقيقية التى تتكون من حكومة ومجتمع مدنى ومواطنين وقانون يسرى على الجميع ويحكم بين الناس بالعدل.


mhamdy12@yahoo.com









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة