د. بليغ حمدى

حينما يتكلم شباب الفيس بوك فى الدين

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009 10:17 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمكن اعتبار الشك الصحى المنهجى من أهم مظاهر اليقظة العقلية، ويأتى فى أعقاب النضج العقلى، وتتفتح ملكة النقد، ويكون الشباب أكثر قابلية للشك فى الأمور الدينية، ولاسيما المتعلقة بالتوحيد، ووجود الله، والثواب والعقاب، والشك لدى المراهق أو الشاب يختلف باختلاف مزاجه وذكائه ومعارفه وظروفه الخاصة، فيتراوح بين الاهتمام النقدى العابر، والارتياب الحاد فى عقيدة من العقائد.

وفى ظل اجتياح ثورة الفيس بوك يميل الشاب فى هذه المرحلة فى أن يستقل برأيه، فنتيجة لنضجه العقلى أو الجسمى يشعر المراهق بأنه وصل إلى مرحلة يستطيع أن يتخذ فيها قراراته بنفسه، ويصبح أقل اعتماداً على آراء الكبار من حوله، وبقدر نفوره ومحاولته التخلص من آراء الكبار من حوله بقدر ما يرغب فى أن يكون عضواً فى جماعة من عمره الزمنى، وتختلف نظرته برأى الجماعة عن نظرته لآراء الكبار، حيث نراه يلتزم ويخضع لرأى الجماعة لأجل الحصول على قبول ورضى تلك الجماعة وبالتالى يكتسب سلوك الجماعة سواء فى اللبس أو الحديث، أو الأفكار.

وتسهم الصداقة فى نمو الإحساس بالهوية أو الكينونة، خاصة الصداقة ذات العلاقات الوثيقة، أو ما يعرف بالأصدقاء المفضلين، وعندما يصل المراهق إلى إحساسه بالهوية مستوى معينا من القوة والتماسك، فإنه يشعر بنوع من الدفء والألفة مع الأصدقاء، وتساعد هذه الألفة إلى تكوين هوية منفصلة عن الأسرة.

وتظهر الاتجاهات الدينية لدى الشاب بصورة واضحة فى هذه المرحلة، لأن الاتجاهات ذات طابع اجتماعى، فهو يميل إلى مسايرة الجماعة التى ينتمى إليها ويفضل المناقشة معها فى أمور تتصل بحياته وأفكاره وأحلامه، كما تتضح اتجاهاته إلى النقد والرغبة فى الإصلاح، وميله إلى الزعامة.

وتتميز فترة المراهقة- التى ينتمى القسط الأكبر منها إلى ثورة الفيس بوك- بأنها فترة يقظة دينية توضع فيها المعتقدات الدينية التى قد كونها المراهق فى طفولته موضع الفحص والمناقشة، وتتعرض للتعديل حتى تتفق مع حاجاته الجديدة الأكثر نضجاً، ولذلك فإن مرحلة المراهقة يصبغها الاتجاه الدينى والاهتمام الدينى.

ويزيد من اهتمام الشاب بالمسائل الدينية أنه مطالب بممارسة العبادات بشكل أكثر جدية مما كان عليه الحال فى الطفولة، بالإضافة إلى أن مناقشاته مع أصدقائه يغلب على موضوعاتها الأمور والمشكلات الدينية، وكما أن بعض الحوادث التى تقع له كموت صديق أو قريب، أو الصعوبات التى يواجهها تجعله يزداد تركيزاً على الدين وأموره، وتتميز هذه الفترة بظهور الاتجاهات المختلفة لدى المراهق، أبرزها الاتجاه الدينى وهو يتكون عنده عن طريق المرور بخبرة معينة، ولا يتكون من موقف واحد بعينة، ولكنه ناتج عن مجموعة مواقف يتعرض لها المراهق، وتساعد هذه الاتجاهات الدينية فى إشباع حاجاته ودوافعه، وتحقيق أهدافه التى رسمها لنفسه.

وإذا قمنا باستقراء اتجاهات الشباب الدينية من خلال الفيس بوك يمكن تصنيفها فى أربع فئات؛ فئة تلتزم بقواعد الدين كما انتقل إليهم من البيئة التى نشأتهم دون ميل ظاهر إلى مناقشتها أو معارضتها أو حتى أخذها مأخذها تظهر فيه شخصيتهم، وفئة تأخذ الدين مأخذاً أكثر جدية، تتبدى فيها محاولة المراهق محاولة شخصية دعم الدين وتبريره وتسويده على اتجاه مضاد، وفئة ثالثة لا تقف مع الدين موقف الاستسلام السلبى، وتتفق مع الثانية فى إبراز شخصيتها إزاء الدين ولكن فى اتجاه نقدى، وهذه الفئة تنتمى إلى المتشككين.

أما الفئة الرابعة والأخيرة: فهى فئة المنكرين لله إنكاراً واضحاً، وموقف هؤلاء يختلف عن موقف الفئة الأولى فى تحررهم من الاستسلام والسلبية، وتتفق مع الثانية فى الحسم، ولكنه حسم مضاد.

والتوجه الدينى عند المراهق يأخذ إحدى صورتين؛ الأولى هى توجه دينى ظاهرى، وصاحبه غير ناضج انفعالياً، وغير متزن انفعالياً، حيث إن دوافعه الأولية تتحكم فى سلوكه، كما أنه غير ملتزم بتعاليم دينية ومعتقداته، وفى هذا يعتبر عدم صدق النية، وعدم إخلاص الفرد فى عمله وقوله لله عز وجل، تديناً ظاهرياً، ومثل ذلك الشخص الذى ينفق ماله فى وجوه الخير ويتصدق به على الفقراء دون أن يقصد به وجه الله وبداخله حب الثناء والتقدير من الآخرين، والصورة الثانية هى التوجه الدينى الجوهرى، وصاحبه هو الذى يعيش دينه ويعده الغاية، ويعمل طبقاً لتعاليم دينه ويطبق ما أمر الله به، والإيمان بالعقيدة هو الدافع للحياة، أما الحاجات الأخرى فهى ذات أهمية ثانوية، ويمكن تكييف هذه الحاجات وتطويرها لكى تخدم الدين وتعاليمه.

والكثير من الشباب يرى فى الفيس بوك مخرجاً لهم يبوحون من خلاله بانتماءاتهم الدينية التى ربما تحمل بعض مشاعر الاحتقان والتهميش للآخر، وربما يجدون فيه بوابة سحرية للتعبير بل والجهر بآرائهم التى ربما لا تحمل قدراً كبيراً من الصواب والاتزان الدينى، ناهيك عن كم وكيف الفتاوى التى يصدرونها دون وعى أو روية أو دراية، والأدهش أنهم يحملون على عاتقهم مسئولية حوار الأديان، وربما شعارهم الأثير فى هذا: حدث ولا حرج.

* دكتوراه الفلسفة فى التربية






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة