قبيل أيام من اللقاء المنتظر بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو والمبعوث الأمريكى للشرق الأوسط، فى لندن يوم 26 أغسطس، يجد نتانياهو نفسه محاصرا بين الضغوط الأمريكية بشأن تجميد المستوطنات من ناحية، وبين بداية تبلور تيار يمينى معارض داخل حكومته كشفت عنه مؤخرا مواقف نائب رئيس الحكومة موشيه يعلون المؤيد لعمليات الاستيطان.
بيد أن الجانب الإيجابى الوحيد فى هذه الأزمة، كما ذهبت صحيفة "لوموند"، يكمن فى إمكانية استخدام نتانياهو لموقف موشيه كحجة ليؤكد لأمريكا هامش المناورة المحدود الذى يملكه بشأن المستوطنات.
تستعرض الصحيفة فى البداية موقف نتانياهو المحاصر بين الضغوط الأمريكية والإسرائيلية؛ فمن ناحية ينبغى أن يجتمع مع جورج ميتشل، الذى سيذكره خلال هذا االلقاء بمطالبة الرئيس باراك أوباما بالتجميد التام فى الضفة الغربية والقدس الشرقية كشرط مسبق لإحياء عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينين.
ومن ناحية أخرى كشف موقف "يعلون"، الذى يتولى حقيبة الشئون الاستراتيجية، عن بوادر انبثاق تيار يمينى معارض لسياسة الحكومة الإسرائيلية بشأن عملية الاستيطان؛ إذ تقول الصحيفة إن يعلون، المعروف بقربه من نتانياهو، قد أثار الاستفزاز، بحضوره اجتماعا لأحد فصائل حزب الليكود اليمينى المتطرف (الذى يحاول رئيس الوزراء منذ عامين إقصائها من حزبه) لاتخاذ موقف ضد سياسة الحكومة.
كما قام يعلون بإلقاء تصريحات يؤكد فيها على اعتقاده بأن المستوطنات اليهودية التى تعتبرها الحكومة غير شرعية هى على العكس "شرعية تماما"، لأن "لليهود الحق فى العيش فى كل مكان وإلى الأبد على أرض إسرائيل".
وتضيف الصحيفة أن موشيه يعلون قد تجاوزالمدى عندما أكد أيضا أنه لا يخشى الأمريكيين، "ولكن هناك بعض أعضاء فى الحكومة يخافون من أوباما".
وأخيرا وجه يعلون انتقادات شديدة اللهجة إلى "النخبة" وأتباع اليسار الإسرائيلى فى حركة "السلام الآن"، واصفا إياها بـ"الفيروس".
كما شارك موشيه فى 17 أغسطس، يرافقه ثلاثة وزراء آخرون، فى جولة دعائية كبيرة فى العديد من المستوطنات غير الشرعية، تعبيرا عن دعمه لها، ونصح نتانياهو بعدم احترام الالتزامات التى تعهدت بها إسرائيل إلى الولايات المتحدة بشأن تفكيك ستة وعشرين مستوطنة من بينها.
نتانياهو يلعب على الجانبين
وتعلق الصحيفة على موقف نتانياهو قائلة إن المفاوضات الصعبة التى يمر بها الآن مع واشنطن، تجعله لا يستطيع أن يفتح بابا لأزمة جديدة داخل الليكود، ومن ثم فقد أكد أن تصريحات يعلون "ليست مقبولة من حيث المضمون ولا الشكل، ولا تعكس موقف الحكومة"، وقام يوم الخميس 20 أغسطس باستدعاء موشيه يعلون وحصل منه على تصريح بالحجة المعتادة بأن ما قاله "خرج عن سياقها المقصود"، بيد أن نتانياهو لم يوجه إليه أى تأنيب أو توبيخ.
ولكن، كما تشير الصحيفة، قد تقع بالفعل هذه الأزمة داخل الليكود إذا تنازل نتنياهو لواشنطن وقبل تجميد المستوطنات الذى يطالب به أوباما، لا سيما وأن التنازل البسيط بشأن إيقاف المناقصات الحكومية لمشاريع بناء المنازل فى الضفة الغربية والقدس الشرقية قد سبق وأدى بالفعل إلى إثارة الاحتجاجات.
غير أن هذه الاحتجاجات سرعان ما هدأت حيث أُعلن فى اليوم نفسه عن الإفراج عن مشروع لبناء 450 منزلا فى مستوطنة فى القدس الشرقية.
وخلال الأيام الأخيرة، تصاعدت النداءات الموجهة لنتنياهو بعدم الاستسلام لواشنطن، ومن بينها نداء ريوفين ريفلين، رئيس الكنيست الإسرائيلى، فى مقابلة له مع صحيفة "جيروساليم بوست"، أو تلك الصفحة الكاملة من الإعلانات الممولة من منظمة يهودية متشددة تدعو إلى "استعمار كل أراضى إسرائيل، حيثما توجد أى بقعة خالية".
وتخلص الصحيفة إلى أن نتنياهو يقف اليوم بين السندان والمطرقة: من ناحية الولايات المتحدة، التى لا يستطيع أن يفقد دعمها، ومن ناحية أخرى أغلبية سياسية إسرائيلية ليست على استعداد للتخلى عن المبدأ المقدس بشأن استمرار الاستيطان. وبين هذه وتلك، ما يحاول نتانياهو عمله فى المرحلة الحالية هو اللعب، بالتناوب، على الجانبين.
لوموند: نتانياهو بين سندان أمريكا ومطرقة المتطرفين
الأحد، 23 أغسطس 2009 02:30 م