عبد الناصر عبد الرحيم أحمد يكتب: ملاحظات أولية

الأحد، 23 أغسطس 2009 12:47 م
عبد الناصر عبد الرحيم أحمد يكتب: ملاحظات أولية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
امتدادا لمقال سابق لى على موقع اليوم السابع وكان تحت عنوان فن الشعر أقول الآن: إن بعض القصائد المنشورة على الموقع تشكو من ضعف لغتها بالإضافة إلى الافتقار إلى عمل الخيال أعنى خيال كاتب القصيدة ذاته؛ فالقصائد يكتبها الشاعر وكأنه يرتجل، دون أن يتأمل طبيعة العبارات التى تزخر بها هذه القصائد؛ عبارات شائعة.. حساسيتها فقيرة.. حيويتها شاحبة.. لا تؤثر ولم نعد نحتاج أن نكررها فى قصائدنا؛ ففى اللغة زوايا نظر، متعددة، وفى اللغة طواعية كبيرة تعين الكاتب أن يصل إلى الأشياء والموضوعات بتركيب جديد؛ فاللغة الشعرية تحتاج إلى الخيال أن يتدخل ويعمل فيها لأن الخيال لا يمكنه أن يستخدم عبارات وصفية جاهزة لتعريف الأشياء والموضوعات، أو التعبير عن خبرة حياتية أو تصيد لحظات غنية بالانفعالات، فما الفائدة حين نصف مشهدا خارجيا كما يحدث بالخارج؟! فاللغة الشعرية الشائعة هنا تستخدمنا لتعرف الحدث أو تفسر الخبرة– بينما نريد أن نستخدم اللغة، نريد أن نقول من خلال اللغة لا أن تقول اللغة من خلالنا- فاللغة عامة ذات منظومات وأنساق وعبارات جاهزة ومعدة سلفا لكل شئ؛ وبذلك نفقد كينونتنا، وكياننا، كأفراد شعراء حينما ندخل فى زوبعة اللغة وهى تدلف إلى الأشياء وتعينها من دون أن نمتلك سطوة ما على إرادتها؛ لذلك ينبغى أن نتأمل العبارات التى نكتبها ونفكر فيها، ونعيد صياغتها مرات ومرات لنصل بها إلى ذروة تألقها وسحرها وشفافيتها، بمعنى آخر أننا نروضها وندجنها بواسطة الصياغات الكثيرة، بالحذف، والشطب، والإضافة، والمزج، وبذلك يؤسس كاتب الشعر مكانا صغيرا– تقف عليه كينونته داخل زوبعة اللغة، متحكما بقدر يسير فى إرادتها– حينئذ سيرى أن كلامه أصبح كلاما ساحرا ضاجا بالانفعال، ممتلئا بشحنات إنسانية نادرا ما توجد، وسيجد الأشياء الخارجية التى تحيطه وقد دخل إليها– إلى جوهرها- وأصبحت أليفة قريبة منه، واضحة الكيان أمامه.. هكذا تنفتح اللغة الشعرية، حينما ننتقيها انتقاء، فالذى يؤخر الشاعر، ويعطل إمكاناته، ويعطب موهبته هو هذا التسامح والاستسلام للعبارات الشائعة المبذولة، فى رسائل الحب التجارى، وفى تلك العفوية الفطرية، وفى أماكن القبولات حيث تنتعش لغة العواطف الملفقة فالقصائد التى قرأتها لبعض شعراء موقع اليوم السابع أباح لى بهذه النمطية والتكرار والتجاوز فانفعال الشاعر تمتصه الكلمات المعادة وتفرغ حيويته وتتلبسه، وتطفئه فكنت مع انفعالاتهم النبيلة، ولكن اللغة الشائعة أفقدتها قوتها فلم أعثر إلا على رماد وهو فى توهجه الأخير.

إن هؤلاء الشعراء بعيدا عن ذكر الأسماء يختارون موضوعات لا يجدون القدرة الكافية على تكييفها شعريا وبذلك فإنهم يدخلون إشكالية أخرى تتعلق هذه المرة بالبناء الذى يجىء هو الآخر بناء هشا غير متماسك يبدو فيه الشاعر وكأنه غير قادر على خلق صلة حية مع المتلقى لكى يتواصل مع القصيدة أو يحس بحركتها وتحولاتها.

لقد بدت هذه القصائد تراكما لغويا على صعيد التركيب الذى يجعل طاقة المفردة ضعيفة جدا فى المساهمة فى توصيل الحالة الشعرية لأنه ليس للمفردة طاقة خارج دلالتها القاموسية، كما يجعل قدرة الشاعر ضعيفة على خلق وتكوين الصورة الشعرية الموحية؛ لأن هدفه تركيب مفردات مع بعضها وبذلك فإن القصيدة لا تتنامى بل تنشطر يمينا وشمالا ويبدو لى أن السبب فى ذلك يعود إلى ضعف الإحساس بالمفردة، الأمر الذى يعنى عدم القدرة على تجسيدها فى صورة شعرية لذلك جاءت الصور تراكمية أو هى محض شظايا تقذف فى سماء الله.

ومن الملاحظ أن بعض من ينشرون أعمالهم على الموقع يعتقدون أنهم حصلوا على المعرفة الشعرية فيتحدثون فى ردودهم أو فى تعليقاتهم كما يتحدث شاعر راسخ فى الشعر العربى، ونحن إذ نقول هذا الكلام فليس بقصد التجريح ولكن لأقول:- إن أعظم الشعراء قد بدأ بدايات بسيطة وإن تعبه وحصوله على الثقافات الواسعة هو الذى جعله شاعرا كبيرا.

أتمنى أن تكون هذه الملاحظات حافزا جديا للنظر إلى الشعر من جديد، ننظر إليه بقداسة وهيبة، لأنه الممر الأصيل لعواطفنا وانفعالاتنا.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة