لقد أظلنا شهر كريم تتنزل فيه رحمات الله، وتتفتح فيه أبواب السماء، ويُمتع الرب تبارك وتعالى عباده بجوده ومغفرته، ويسود المسلمين حالة من رقة القلب والافتقار الكامل لله، بل يأتى رمضان بنور ربانى يُضىء الكون ويشعر الجميع بالأمن والإيمان، وأكثر ما يؤثر فى التذلل بالدعاء فى قنوت القيام، وتساقط عبرات الشباب والشيوخ متقربين لله بهذه الدمعات المتلألئة على الوجوه لعفو وكرم الله.
وفى هذا الجو الإيمانى الذى أستشعر أنه يجعل قساة القلوب يلينون، وضعاف النفوس يستقون بربهم، وجدت أن من واجبى أن أرسل لإخوانى العلمانيين خاصة المعتدلين منهم، رسالة محبة أؤكد فيها أن معركتنا ليست معهم كأشخاص، ولكن مع فكر منحرف قام على محاربة دين عظيم سوى بين الجميع، ورفع راية المحبة لكل البشر، حتى المخالفين له فى العقيدة، بل معركتنا مع فكر استهدف قيما وأخلاقيات لو ضاعت لضاعت الدنيا كلها، كما أنه أراد محو تاريخ أمة أنقذت العالم من أوحال الشر، وترفعت بالبشر عن طين الشهوانية والمادية المفرطة، متمنيا من الله أن يردهم للحق ويرزقهم توبة عن الطعن فى الإسلام وشرائعه.
ولا أنكر أن ما دفعنى لكتابة هذه الرسالة اللقاء الذى جمعنى بالكاتبين سعيد شعيب وشريف حافظ، فعندما تقابلنا جميعا تصور الصحفيون بجريدتنا اليوم السابع أنهم سيرون معركة شديدة الوطيس، لكن لا أخفيكم سرا أننى حرصت من الوهلة الأولى على أن يكون اللقاء حميمى حتى يكون النقاش على أرضية هادئة، ويكون الصوت العالى للحجة والمنطق، لا للغضب والانفعال، وقد توصلنا لنتائج أريد أن يعرفها جميع العلمانيين ومنها ما يلى:
*أن هناك بالفعل من العلمانيين من يستهدف هدم الدين الإسلامى، ويحلم بزوال هذه الأمة، وينشر سمومه من أجل تضليل الرأى العام، وإفساد القيم الأخلاقية، وأنا أرى أن على رأس هؤلاء سيد القمنى ونصر أبو زيد ونجيب جبرائيل وغيرهم من أمثال نوال السعداوى.
* كما اتفقنا على أن العصمة للأنبياء والرسل، وأن الخلفاء الراشدين والصحابة فى أعلى عليين، لكن أى تجربة إنسانية، ليست منزهة، وأن ليس هناك إنسان يستطيع أن يدعى أنه متحدث باسم الله، ومن حق الجميع أن يتعرض لأى فكر بالنقد إذا طرح نفسه على الرأى العام.
*وقد أسعدنى كثيرا ما قاله شعيب عن احترامه للقيم الدينية والإسلامية وأن رمضان له خصوصية لديه، كما أسعدنى كلمات شريف حافظ التى أكد لى فيها أن الصوم يشعره بالراحة النفسية وأن زوجته المحجبة خير عون له فى هذا الشهر، وأنه تعرض لبعض العلمانيين عندما حاولوا التهكم على شهر رمضان الكريم، وهذا جعلنى أتأكد أن هناك مساحات من الممكن أن تجمع بين مختلف الأفكار، وتذكرت كلمات للإمام حسن البنا، لو وعاها الكثير لاختلفت الأوضاع الفكرية والسياسية فى مصر، وهذه الكلمات هى*نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه*.
* كما لا أستطيع أن أنكر مساحات الخلاف الكبيرة بين رؤية الإسلاميين، ورؤية المعتدلين العلمانيين، فقضية فصل الدين عن الدنيا، والاستخفاف ببعض التشريعات الإسلامية، والحرية المطلقة التى لا تراعى قيما ولا حراما ولا حلالا، والمطالبة بفصل السياسة عن الدين كلها قضايا خلافية جوهرية، نتمنى أن يلهم الله العلمانيين رشدهم وأن يردهم فيها للصواب.
وأختتم كلماتى هذه بمجموعة من الحقائق التى أؤكد عليها؛ ومنها: أن الدين الإسلامى دين شامل لكل مناحى الحياة، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم جاء بمنظومة تشريعية نظمت حياة الإنسانية على أكمل وجه، فقد رسخ لدينا الحلال والحرام، وعلمنا أن الدين لله والوطن لله والدنيا والآخرة لله، وأن المساواة فى الحقوق والوجبات حق لكل البشر وليس للمسلمين فقط، كما جاءت آيات القرآن لتضع نظاما اقتصاديا يترفع بالإنسانية عن الربا الذى حرمته كل الأديان، ونظاما سياسيا وعسكريا كتب لامتنا المجد على مدار 14 قرنا.
كما أنه راعى الآخر حتى فى وقت الحرب فهاهو نبينا يحرم على جنوده قتل النساء والأطفال والشيوخ والعابدين فى صوامعهم من أهل الكتاب، بل طالبهم بالرفق بالحيوان والنبات.
إنها الشريعة الخاتمة التى أُرسلت للأرض ليعيش البشر فى أمان وسلام وأخوة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة