أسرع الفارس الخطى، وجد فى المسير، حتى وصل من شرق الدولة إلى غربها، هذا الفارس هو رسول الخليفة العباسى إلى زيادة الله الأغالبى صاحب دولة الأغالبة بالمغرب، وكانت الرسالة طلب من الخليفة بزيادة ما يدفعه زيادة الله للدولة العباسية فى مقابل أن يحكم باسمها فى هذا الإقليم، فجمع له زيادة الله من أموال تلك الدول التى انشقت واستقلت عن الدولة العباسية، وأصبحت قوة ضاربة تهدد سيادة الدولة العباسية نفسها، فلما رأى الخليفة العباسى هذه الأموال، فطن إلى ما يرمى إليه الأغالبى، وأنه يدفع عنه هؤلاء، فأمسك الخليفة عن طلبه.
هذا ما يقوله التاريخ، وما زال يردده، ففى الآونة الأخيرة، وبالتحديد فيما قبل انتخابات مجلس الشعب 2005م ضغطت منظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية والولايات المتحدة الأمريكية على النظام المصرى؛ لإجراء انتخابات حرة نزيهة، ولعل الولايات المتحدة كانت تريد معرفة الحجم الحقيقى للإخوان، وتواجدهم فى الشارع المصرى، فلما حقق الإخوان نتائج مذهلة فى المرحلتين الأولى والثانية التى أفرزتا أكثر من 65 نائبًا، فطنت الولايات المتحدة إلى ما قصده النظام المصرى، وأنه يدفع عنها هؤلاء، ويحافظ على مصالح النخبة والقلة، ويحرص على علاقات الود والصداقة مع الولايات المتحدة، ويحمى مصالحها، فغابت دعوات الشفافية والنزاهة، وهو ما ترجم جليًا فى حركات العنف والبلطجة فى المرحلة الثالثة، فالليث يكون أشد افتراسًا حين يعلم بقرب انتزاع اللقمة من بين شدقيه.
إذن فقد خدم هذا الضغط الإخوان كثيرًا، ولكن لا ينبغى أن نغمطهم حقهم؛ فهم الأكثر تحركًا وتأثيرًا وتواجدًا فى الشارع على المستويين الشعبى والسياسى، وفى هذه الحالة توافقت كل الظروف تقريبًا لخدمة الإخوان فحصلوا على 88 مقعدًا فى البرلمان. صحيح أنها ليست التجربة الأولى، ولكنها فريدة من نوعها، تضع على عاتقهم تبعات جسام وتحديات أعظم. وفى المقابل ماذا فعل الإخوان بهذه الأغلبية؟ هل نقول: إنهم نجحوا فعلاً فى خلق جو من الديمقراطية فى البرلمان، وكانوا وراء استصدار بعض القرارات التى عادت بالنفع على الشعب المصرى، وكانوا صداعًا فى رأس النظام باستجواباتهم وطلبات إحاطتهم؟ أم نقول: إن ذلك لم يكن على المستوى المطلوب، وأنهم أضفوا شرعية على ما يحدث فى البرلمان من فساد ومهاترات، وأنه ليس لهم وزن بجانب الأغلبية الميكانيكية، وأنهم يحدثون ضجة على لا شىء؟
لقد نجح الرسول –صلى الله عليه وسلم- فى بناء الدولة الإسلامية بعد ثلاثة وعشرين عامًا من الدعوة، ونجحت حماس فى انتخابات حرة نزيهة فى مدة تقارب ذلك، فلم لم ينجح الإخوان بعد مرور ثمانين عامًا على إنشائها؟ وهل حقًا أن عمر الإخوان ثمانون عامًا؟ أم يحسب عمرها من بداية عهد السادات بعد النكبات التى تعرضت لها فى العهد الناصرى، وأصابت الهيكل الأساسى لها؟ أم يصعب تحديد عمرها نظرًا لترضها المستمر لمثل هذه النكبات؟ هل حقًا استأنس النظامُ الإخوان المسلمين؟ يلعب بهم أنى وكيف شاء؟ أم أن هذه أيدلوجية الجماعة وسياستها؟ بين هذا وذاك مذاهب وأفكار، ومعارك واتجاهات، ولكن تبقى الحقيقة التى لا مراء فيها، إنهم الأكثر نشاطًا وتواجدًا وتأثيرًا. مهما كابر الإنسان، وحاد عن جادة الصواب، فإنه –إذا جد به الأمر- لن يتمسك إلا بما يراه قادرًا على إنقاذه، وهو ما عبرت عنه جموع الناخبين المصريين رغم اختلافهم البيّن مع الإخوان المسلمين. إن فلسفة النعامة ومحاولات حجب الشمس لا شك تبوء بالفشل؛ فالواقع أن الإخوان هم الأقدر على إحداث تغيير منتظر فى مصر، ولديهم الإمكانات المادية والكوادر القيادية لتحقيق ذلك، وسيثبت الوقت إن كانوا جديرين بهذه المنزلة.
أقول ذلك ونحن على أعتاب انتخابات جديدة، والإخوان تعانى تحديات جسام؛ فالمرشد الحالى أعلن تنحيه بعد هذه الفترة -وهو ما يترتب عليه تغيير فى الهيكل الإدارى للجماعة- وما كاد الإخوان يخرجون من كابوس المحاكمات العسكرية ومصادرة أموالهم حتى دخلوا فى نوبة اعتقالات جديدة، فهل ننتظر أن تتمخض هذه التحديات عن بطل يقود دفة الأمور كما يقول هيجل وهربرت سبنسر؟ أم أن النظام من جهته لن يسمح بذلك، وقواعد ولائحة الإخوان لن تخرج مثل هذا البطل فجأة؟
