خالد العزب يكتب: إعادة اكتشاف امرئ القيس

الجمعة، 21 أغسطس 2009 10:15 ص
خالد العزب يكتب: إعادة اكتشاف امرئ القيس خالد عزب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يزال شعر امرئ القيس خالدا فى أعماقنا، نابضاً فى قلوبنا، حاملاً عبق التاريخ والتراث، وروح الحياة الفياضة، يحمل أسراراً غامضة، وسحراً خاصا، يثير فى وجدانناً أحلاماً، تذهب بنا بعيداً فى عالم الصحراء، وما ينساب على رمالها من حياة وهجير وما يدب فى ظلماتها من آمال وأحلام.

ظل ديوان امرئ القيس فى ذاكرة الرواة يناشدونه ويحفظونه ويصونونه من الضياع، وجاء العلماء والنقاد فاحتفلوا به وتدارسوه، وشرحوه شروحاً كثيرة، ضاع أكثرها، وطوتها يد الزمان وعادياته.

ومؤخرا أعيد اكتشاف شعر امرئ القيس، هذا الاكتشاف أعاد الشاعر إلى الأذهان بقوة، فكأن العصر الذهبى للشعر يطل علينا من جديد مرة أخرى فى زمن تلاشت فيه القصيدة المنظومة أمام قصيدة النثر. قدم هذا الاكتشاف كل من الدكتور أنور أبو سويلم ودكتور محمد الشوابكة الذين عكفا ثلاث سنوات على ديوان امرئ القيس وملحقاته بشرح أبى سعيد السكرى المتوفى 275 هجرية.

تعود أهمية شرح أبى سعيد السكرى لشعر امرئ القيس إلى جمع السكرى لروايات العلماء فى مرحلة الأصالة فى القرنين الثانى والثالث الهجريين، وهو أهم شرح لديوان امرئ القيس، سعة وشمولاً، دقة وعناية، يكشف ما يكتنف معانى الديوان من غموض، ويلقى أضواء على الظلمات التى نسجتها القرون المتطاولة أستاراً كثيفة على شعر شاعر العرب الأول: امرؤ القيس. ظل هذا الشرح بعيداً عن متناول القارئ العربى، وظن كثيرون أنه ضائع لا محالة، حتى قام المحققان باكتشافه وقام مركز زايد للتراث بطبعه فى ثلاثة مجلدات فاخرة – لقد كان غياب شرح السكرى لديوان امرئ القيس يسبب الكثير من التساؤلات أمام الباحثين فى مجالات الأدب؟

إن أروع ما فى الشرح هو جمعه لروايات العلماء من أمثال، أبى عمرو بن العلاء 154 هجرية، ويونس بن حبيب 182 هجرية، وابن الكلبى العالم الشهير بالأنساب وأخبار العرب وأيامها ومثالبها ووقائعها، وله مؤلف هام (ما فى شعر امرئ القيس من أسماء الرجال والنساء وأنسابهم وأسماء الأرضين والجبال والمياه)، ويؤكد أن كتاب السكرى أنه استعان فى شرحه بابن الكلبى حتى تتزاحم نقوله عنه، وتصل فى مجموعها إلى ثمانية وعشرين شرحاً أو رواية أو تفسير نسب أو تعريف بمكان أو حادثة. إن أروع ما قدم فى هذا العمل هو الكشف عن أبيات بلغت مائتى بيت من أشعار امرئ القيس كانت مجهولة، مما يعد إعادة اكتشاف لشعر هذا الشاعر الأسطورة.

امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن معاوية وهو من كندة، رجح الدكتور شوقى ضيف أنه ولد فى أوائل القرن السادس الميلادى، أقام جده ملكاً فى قبائل نجد فى أواخر القرن الخامس، وامتد ملكه إلى الحيرة، وعندما تفاسدت قبائل نزار أتاه أشرافهم وشكوا إليه ما نزل بهم، ففرق أولاده فى قبائل العرب، فملك حجراً والد امرئ القيس الشاعر على أسد وغطفان وملك ابنه شرحبيل على بكر بن وائل بأسرها، وملك ابنه معد يكرب المسمى بغلفاء على بنى تغلب.. إلخ، وبقوا على ذلك إلى أن مات أبوهم، فتداعت القبائل وتحزبت وثارت على ملوكها، ووقعت حرب بين شرحبيل وأصحابه من جهة، وأخيه سلمه بن الحارث وأصحابه من جهة ثانية بالكلاب، فقتل شرحبيل وانهزم أصحابه، وفيهم يقول امرؤ القيس:
كما لاقى أبى حجر وجدى ولا أنسى قتيلاً بالكلاب

يغلب على أخبار امرئ القيس الأساطير، ومن ذلك ما رواه هشام الكلبى، زعم أن أباه طرده، فكان امرؤ القيس يسير فى أحياء العرب، ومعه أخلاط من شذاذ القبائل، فإذا صادف غديراً أو روضة أقام فذبح راحلته لمن معه، وشرب الخمر، وخرج إلى الصيد حتى ينفد ماء الغدير، ثم ينتقل إلى غيره.

وقيل إن خبر مقتل أبيه أتاه بدمون من أرض اليمن، فقال: ضيعنى صغيراً، وحملنى دمه كبيراً، لا صحو اليوم، ولا سكر عنا، اليوم خمر، وغداً أمر، ثم شرب سبعاً، ثم آلى ألا يأكل لحماً ولا يشرب خمراً ولا يدهن بدهن، ولا يقرب النساء، حتى يدرك ثأره. ويرجح الدكتور شوقى ضيف وفاته بين سنتى 530 ميلادية و540 ميلادية.

تعود أهمية شعر امرؤ القيس أن قصائده ظلت تبعث على التقليد والاتباع، وانبهر بقصائده عدد كبير من شعراء العربية فى مختلف العصور، ورأوا فيها الصورة والأنموذج لبناء القصيدة الفنى والموضوعى وشعره يمثل مرحلة مبكرة من الأسلوب الخاص فى عرض العواطف والأفكار والقضايا وتشكيلها على نحو مؤثر، وكثيراً ما كان امرؤ القيس يرتد إلى أعماق التجربة الإنسانية فيتمثلها ويشكلها تشكيلاً فنياً يضفى على الوجود معنى وروحاً ونظاماً.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة