عندما كان التنافس محتدما على شباك التذاكر وعلى صفحات الجرائد بين عادل إمام وبين أحمد زكى قبل ظهور ظاهرة النجوم الشباب والموجة الكوميدية مع هنيدى وسعد وحلمى، كان كلا منهما ينظر بشغف نحو ما يحققه الأخر. فقد كان عادل إمام ينظر إلى التألق اللافت لأحمد زكى وعبقرية التمثيل التى كان يتمتع بها ويقرأ النقد الذى يوجه إلى زكى والحديث عن التألق غير العادى والموضوعات الرائعة التى يطرقها والتوحد بينه وبين الشخصية التى يمثلها. بينما كان أحمد زكى ينظر بنفس الطريقة لإيرادات أفلام عادل إمام والزحام الذى يحيط دور العرض التى تقوم بعرض أفلامه. وهذه التبادلية فى الرؤى موجودة عند الحزب الوطنى الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين. فالحزب الوطنى ينظر بحسد لهذه الشعبية التى يتمتع بها هذا الفصيل فى قطاعات عريضة من الشعب المصرى رغم كل محاولات الدولة وعلى مدار عقود من الاحتواء بل والصدام فى لحظات تاريخية معينة. بينما ينظر الإخوان للشرعية القانونية المحجوبة عنهم والتى تضع الكثير من العوائق أمام مسيرتهم من أجل كسب مزيد من التأييد الشعبى والقدرة على خوض جميع الانتخابات وتنظر بقدر كبير من الغيرة لهذه الشرعية القانونية التى يمثلها الحزب الوطنى الحاكم وقدرته على التواصل مع الجماهير فى إطار قانونى، بل وتمكنه من إقرار التغييرات التى يراها مُنظروه على القانون من خلال التشريع فى مجلس الشعب. ولكن ليس هذا كل شىء، فهناك الكثير من المسائل الشائكة فى هذه العلاقة الجدلية بين الحزب الوطنى وبين جماعة الإخوان المسلمين.
لقد سعى الحزب الوطنى على الدوام من أجل عزل الإخوان عن النسيج السياسى المصرى من خلال نزع الشرعية القانونية عنهم وهو الأمر الذى يصطدم به أى قرار إخوانى للتواصل مع الناس من خلال أى انتخابات تجرى فى مصر، سواء أكانت انتخابات برلمانية أم نقابية أم عمالية، وعلى الرغم من زعم الإخوان بأن الشرعية تستمد من الشعب وليس من النظام – وهو كلام لا بأس به نظريا – لكن الواقع الحى يؤكد وجود صعوبات جمة فى وجه الإخوان بسبب هذا الحظر. وعلى الرغم من أن العلاقة بين النظام الحاكم فى مصر وبين الإخوان لا تسير على وتيرة واحدة طول الوقت، وهناك لحظات يتم فيها التعامل بمرونة ما مع الإخوان إلا أن صبغ جماعة الإخوان بالصبغة الشرعية القانونية كانت دائما خطا أحمر لدى النظام.
وعلى الرغم من هذا الحظر الحكومى المعلن من جانب النظام للجماعة فإن الجماعة تسعى فى كل مناسبة إلى مد الجسور مع الحزب الوطنى الحاكم، خصوصا فى القضايا ذات الصبغة الوطنية العامة. فمثلا وقف الإخوان موقفا حازما ضد محاولة اغتيال الرئيس مبارك فى أديس بابا عام 1995 وأعلنوا فى بيانات واضحة لا لبس فيها إدانتهم الكاملة لهذه المحاولة الآثمة للنيل من الرئيس المصرى. كما وقف الإخوان ولعقود طويلة ضد جماعات العنف بشكل مباشر لا لبس فيه بل كانت أدبياتهم تدعو المجتمع إلى نبذ الغلو والتطرف، وهو الأمر الذى جعل الإخوان هدفا لهذه الجماعات ولو على سبيل التراشق الكلامى والتشكيك العقدى. كما أن الجماعة لها مواقف واضحة فيما يمس أمن النظام والبلاد ولا تنفك تؤكد أنها جماعة سلمية تسعى للتغيير من خلال العمل السلمى وليس أى سبيل آخر. ولعل موقف الجماعة من التصعيد السياسى الأخير بين النظام وبين حزب الله كان مناسبة جديدة لطرح هذه الفكرة واضحة من خلال مطالبة الجماعة لحزب الله بتقديم اعتذار عن التحريض العلنى ضد النظام المصرى، رغم أن الجماعة كثيرا ما كانت تؤيد كفاح حزب الله فى حربه ضد إسرائيل، ناهيك عن موقف الجماعة ورموزها فى تقديم واجب العزاء فى وفاة حفيد السيد الرئيس.
والواضح أن الجماعة تريد أن تكون جزءا من النظام رغم عدم رضائها عنه – مثل باقى الأحزاب السياسية المعارضة – وتريد أن تكون رقما فاعلا بشكل قانونى دون قيود حتى لو تم ذلك من خلال المشاركة الجزئية، وهو الأمر الذى يفسر التوافق بين الجماعة وبين النظام عندما يطلب منها النظام المشاركة لا المغالبة وهو ما حدا بالجماعة فى انتخابات 2005 لتقديم عدد مرشحين فقط 161 مرشحا، وهو ما يعنى فى حالة فوزهم جميعا أنهم لن يمثلوا أكثر من ثلث أعضاء المجلس، وهى رسالة تطمين من الجماعة للنظام لكن النظام ربما يخاف من الخطوة التالية بل ويتشكك فى مصداقية الجماعة فى هذا الشأن.
إن العلاقة بين النظام والإخوان أشبه بشعرة معاوية التى لا يريد أحد من الطرفين قطعها فلا النظام يريد أن يطيح بالإخوان تماما من الخريطة السياسية ولا الإخوان يطرحون فكرة المقاطعة الشاملة للنظام، ولعل هذا ما يمثل توافق غير معلن بين النظام والجماعة ففى الوقت الذى يصر فيه النظام على كون الجماعة محظورة فهو يسمح لمرشد الإخوان ورموزها بالظهور العلنى ولو على القنوات "المستقلة"، كما أن مقر مكتب الإرشاد فى المنيل يستقبل الكثير من زوار مصر من كافة التوجهات ويسمح النظام للإخوان بالمشاركة ولو بشكل رمزى أحيانا فى الانتخابات. فنحن أمام وضع لا يريد أى من الطرفين تطويره أو قطعه، وكثير ما تتم الاتصالات ولو من خلال أطراف خفية للتوافق على مواقف معينة ورغم الحملات التى يقوم بها النظام ضد الجماعة من آن لآخر والمحاكمات العسكرية لبعض رموزها، فإن ذلك لا يزيد على كونه محاولات من النظام للضغط على الجماعة وإرباكها ماديا وتنظيميا، لكن دون التفكير فى القضاء عليها تماما وحتى التعديلات الدستورية التى أصدرها مجلس الشعب عام 2007 تعد ورقة فى يد النظام ليس لاجتثاث الإخوان - كما يظنوا هم – ولكنها محاولة لتطويق الوضع تحسبا للحظات حاسمة فى مرحلة التغيير القادمة.
لم يمهل القدر ولا الظروف عادل إمام وأحمد زكى فى أن يقدما عملا فنيا مشتركا يحققا فيه المعادلة التى تجمع بين شباك التذاكر وبين الإتقان والعبقرية، فهل نأمل نحن فى عمل سياسى مشترك بين النظام والإخوان يكون الهدف منه هو مصلحة هذا الشعب وليس أى من الفصيلين المتنافسين؟؟!!!
عصام على يكتب: الوطنى والإخوان بين عادل إمام وأحمد زكى
الخميس، 20 أغسطس 2009 11:32 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة