فى نظام السادات-مبارك هناك وقائع كبرى لهدم القطاع العام الاقتصادى، ومن هذه الوقائع أذّكر بنموذج حاول المصريون نسيانه لكنه ظل جريمة ارتكبها السادات وأجبره الشعب على إيقافها ثم إلغائها، لكن بعد أن تحملت الدولة تعويضات للناصبين الدوليين.. الجريمة تتمثل فى موافقة السادات على تخصيص من 15 إلى 20 ألف كيلو متر مربع،4.77 مليون فدان بحق انتفاع لمدة 99 سنة قابلة للتجديد، على غرار امتياز قناة السويس الذى ألغاه الشعب بقرار تأميم القناة، والتخصيص تم لشركة ممتلكات جنوب الباسفيك ومعها محلل مصرى، هو المؤسسة المصرية العامة للسياحة، وتمتلك بمساهمتها إتاحة حق انتفاع لأربعة آلاف فدان بمنطقة الأهرام، ومائة فدان بمنطقة رأس الحكمة، وأن يزيد رأس المال إلى 20 مليون دولار بنهاية العام السادس وتكتتب المؤسسة المصرية العامة للسياحة بحصة 40% عينية من الزيادة بحق انتفاع 7000 فدان بمنطقة الأهرام. وثمانية عشر ألفا وتسعمائة فدان برأس الحكمة.
وبدأ ملعوب شركة جنوب الباسفيك ببيع حق الانتفاع الذى حصلت عليه إلى أفراد فى داخل وخارج مصر، وقدرت المبالغ التى حصل عليها النصاب الدولى بشركة جنوب الباسفيك بقيمة 75 ضعف ما حصلت عليه الشركة المصرية، بعد أن تم تثمين سعر أرض هضبة الأهرام بأربعة قروش للمتر ليحقق النصاب الدولى ملايين الملايين لمجرد بيع أراض من هضبة الأهرام على الورق.
وبرر جمال الناظر وزير الدولة للتعاون الاقتصادى، فى حكومة ممدوح سالم فى ذلك الوقت الجريمة بأن قوة مشروع هضبة الأهرام لا تقاس بمقدار رأسماله بل بالأسلوب التكنولوجى والأجهزة المستخدمة فيه والخبراء القائمين عليه، وبطريق الهروب تركزت معظم الاعتراضات على قرار السادات بتخصيص أراضى هضبة الأهرام للاستغلال السياحى، وما ترتب على ذلك من نقل حق ملكية وانتفاع مساحات من هذه الأرض سواء للمؤسسة المصرية العامة للسياحة، أو للأجانب. وحتى لو كان القرار الجمهورى بنقل الملكية إلى مؤسسة السياحة المصرية فقط. فإنه باطل لمخالفته القانون لأن أراضى هضبة الأهرام أموال عامة وليست أموالاً مملوكة للدولة ملكية خاصة، وعلى درب السادات أفتى الجهاز المركزى للمحاسبات أن شركة الباسفيك تقدمت بمشروع مبدئى متكامل الأركان والمرافق فى هضبة الأهرام، لكن حسب تعبير نائب الشعب قاضى القضاة ممتاز نصار الذى تقدم وقتها باستجواب إلى مجلس الشعب حول القضية فإن: الصورة التى قدمتها شركة الباسفيك تمثل التزاما بمرفق عام، وكان يتعين عرضها على مجلس الشعب طبقاً للمادة 123 من الدستور مع أن الهضبة لا تخضع للبيع أو التخصيص بالانتفاع.
ومع أن مدة الالتزام بالمرفق العام لا يجوز أن تزيد على 30 عاما فإن السادات أعطى دافيد جلمور(سبق اتهامه فى فضائح مالية) صلاحية الانتفاع لمدة 99 سنة، وعومل هذا النصاب الدولى معاملة مشروعات الاستثمار المعفية من الجمارك والضرائب. كل ذلك مقابل 2 مليون و40 ألف جنيه.
وفجرت الفضيحة الكاتبة الكبيرة نعمات أحمد فؤاد، كاشفة البعد الحضارى الذى يمكن أن يقود تنفيذه إلى أكبر كارثة حضارية فى تاريخ مصر والبشرية، فلا يعقل أن يكون تراث مصر الحضارى مرتعاً للملاهى والمقاهى والمجارى التى تقام فوق هضبة الأهرام، وأنه ليس صحيحاً ما يقال بأنه لا توجد فى المنطقة آثار، موضحة أن الهدف من المشروع تهريب الآثار للخارج، ونقل التحالف الوطنى معركته إلى مجلس الشعب فى استجواب ممتاز نصار بخصوص الجريمة، وانتهى الاستجواب بلعبة الانتقال لجدول الأعمال، والأعضاء الذين خذلوا قاضى القضاة فى دفاعه عن تاريخ مصر وحضاراتها هم الذين صفقوا طويلاً عندما باغتهم السادات بأنه سيذهب مستسلماً إلى العدو الصهيونى، لكن الأمر لم ينته حيث تحالفت القوى الوطنية من أحزاب ونقابات، وفى مقدمتها نقابة المحامين، وأدت الصحافة دوراً إيجابياً، ونتج عن ذلك تكوين لجان عديدة من المسئولين والخبراء لبحث المشروع الكارثة، واضطر مجلس الشعب من جديد إلى تكوين لجنة برلمانية متخصصة لبحث الموضوعات المتعلقة بهضبة الأهرام من جوانبها الاقتصادية والقانونية والحضارية، وفى إطار تراجع السادات أمام الفضيحة أصدرت اللجنة تقريرها 13/6/1978 مؤكدة بطلان عقد تأسيس الشركة المصرية لتنمية السياحية، ونظامها الأساسى والقرار الوزارى المرخص بتأسيسها، وأن على الحكومة سحب قرار الترخيص، ووقف الدكتور الدكرورى الذى سبق أن دافع عن الجريمة بحرارة ليعلن أنها كارثة، وطلب السادات مخرجاً للتراجع فطلب تشكيل لجنة وزارية لإعادة دراسة المشروع على ضوء تلاقى المشاعر الشعبية بالنسبة للحفاظ على الطابع التاريخى الحضارى، والأوضاع الأثرية والمكانة القومية التى تتمتع بها هذه هضبة الأهرام، ثم أسرعت وزارة الثقافة بإصدار قرار باعتبار هضبة الأهرام من المناطق الأثرية، كما لو أن الأهرامات وأبو الهول ومراكب الشمس وما حولها كانت فى حاجة لقرار يعتبرها أثرية، وفى معسكر المقاومة.
بجانب د.نعمات فؤاد، ونائب الشعب ممتاز نصار ونواب المعارضة أقامت نقابة المحامين ندوتها عن هضبة الأهرام، وتقدم د. حلمى مراد، ود. نعمات فؤاد بدعوى للقضاء الإدارى لإلغاء قرار رئيس الجمهورية، وأعد وزير الاقتصاد والتعاون الدولى د. حامد السايح تقريرا ضد المشروع، وفعل مثله السيد محب ستينو وزير السياحة، وبادر مجلس محلى الجيزة بالإعلان عن بطلان مشروع هضبة الأهرام، وتراجعت الحكومة، وأحالت المشروع إلى هيئة الاستثمار التى سبق أن أيدت وأقرت المشروع، فعقدت اجتماعا طارئا لإسقاط موافقتها السابقة، تلاها تقرير لجنة الخبراء التى شكلها مجلس الشعب ليعلن بطلان كل القرارات التى بنيت عليها الجريمة بعد أن أسقط استجواب ممتاز، وأمام دوى الفضيحة مصرياً وعربياً وعالمياً، أصدر السادات قراره بتاريخ 28/5/1978 بإيقاف العمل فوراً فى المشروع الجريمة الذى سبق أن وافق عليه.
نفس الجريمة تتكرر فى سيناء بجانب حدودنا مع فلسطين، تباع أرض تكونت من دماء وعظام المصريين منذ الفراعنة حتى الآن لذلك المصرى المتفرنج المدعو وجيه سياج.
وأمام الكارثة تضطر الحكومة للتراجع ويحكم عليها بالتعويض مئات الملايين من الجنيهات، لكن عميد «البياعين» د. عبيد يُكافأ برئاسة مجلس إدارة المصرف العربى الدولى. والمصرف فى حد ذاته كارثة تتطلب تكاتف المصريين لإلغائه.
لمعلوماتك...
◄5 سنوات فترة عاطف عبيد فى رئاسة وزراء مصر من عام 1999 حتى عام 2004
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة