الحكومة أسندت القضية إلى محامين بحثوا عن الأتعاب أولا

ثلاثة أخطاء قاتلة ارتكبها أحمد كمال أبو المجد فى قضية سياج والدولة مطالبة بتقديم المسئولين عن هذه المهزلة إلى المحاكمة

الخميس، 20 أغسطس 2009 08:46 م
ثلاثة أخطاء قاتلة ارتكبها أحمد كمال أبو المجد فى قضية سياج والدولة مطالبة بتقديم المسئولين عن هذه المهزلة إلى المحاكمة أحمد كمال ابو المجد و فى الإطار وجيه سياج
كتب الدكتور محمود رفعت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄التعامل مع التحكيم الدولى وكأنه قضاء داخلى خطأ كبير.. والخسارة الحقيقية فى تشويه سمعة مصر دوليا

بدأت المهزلة القانونية لقضية «سياج» بتاريخ 14 يناير 1989 بتوقع عقد بيع مساحة 6500 متر مربع بين ممثل الدولة السيد فؤاد سلطان وزير السياحة الأسبق وشركة الاستثمارات السياحية وإدارة الفنادق، والمملوكة لوجيه إيلاى سياج وآخرين. علما بأن هذه الأرض تبعد مسافة 6 كيلو مترات فقط من الحدود المصرية الإسرائيلية.

وفى 18 يوليو 1992 كون سياج وآخرون شركة سياج طابا على أن تملك شركة سياج السياحية 75% من سياج طابا، وزاد سياج فيما بعد من حصة ملكيته لتصل إلى 88 %، ووالدته إلى %11، ومنى سياج وثلاثة أبناء 1 %، وبتأخر سياج فى تنفيذ مشروعه المزمع إقامته على تلك الأرض، تدخلت الدولة لانتزاع الأرض ويبدو أنها كانت قد تنبهت لخطأ جسيم وقعت فيه ولكن بعد فوات الآوان.

كان تدخل الدولة منذ البداية خاطئا لأنها حاولت أن تدخل بصفتها السيادية وتحتكم لقواعد القانون العام، مع أن منشأ العلاقة القانونية بينها وبين سياج منذ البدء، هو القانون الخاص وليس القانون العام، فالدولة باعت قطعة أرض مملوكة لها، ولم تخصصها ولم تعط حقا عينيا بإشراف منها على مقادير الأمور، وحاول القضاء المصرى أن يرد الدولة إلى صوابها بأحكامه الإدارية التى أعادت لسياج ملكيته للأرض بعد كل مرة تقوم فيها الدولة بعمل عنترى من شأنه الخروج عن القانون، ولكن الحكومات المتعاقبة لم تأبه بأحكام القضاء للأسف ما جر على مصر حكما دوليا باتاً ونهائياً، لا تقف خسائره على مئات الملايين من الجنيهات، ولكن أعظم خسارة هو اسم مصر الذى يتم تداوله الآن فى المحافل الدولية ملطخا، من حيث التصقت به صبغة ضياع الحق فيه، وفى خضم تخبط الدولة فى التعامل مع قضية سياج تذرعت بأنه شارك شركة لوميير، وهى شركة إسرائيلية، وكانت هذه الذريعة فى نظرها كافية لإلغاء بيعها قطعة الأرض له، وكأن أصحاب هذه الفكرة البلهاء لم يمروا بالسنة الأولى فى كلية الحقوق، ولم يدرسوا أن الاتفاقيات التى وقعتها الدولة تأتى على قمة الترتيب الهرمى لأولويات التطبيق القانونى، فمصر وقعت مع إسرائيل اتفاقية سلام، بمقتضاها يمكن للشركات الإسرائيلية الاستثمار والعمل فوق التراب المصرى، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن سياج أسرع إلى سد هذه الذريعة، وقام بفض هذه الشراكة مع الطرف الاسرائيلى.

وهنا بدأت تظهر ملامح دوافع الدولة الشخصية فى فكرة استرداد الأرض من سياج، وذلك بتماديها فى الإصرار على استرجاع الأرض رغم عدم أحقيتها، وما زاد الطين بلة هو تمسك الدولة بحقها السيادى على الرغم من عدم انطباق شروط تدخل الدولة بصفتها السيادية فى هذا النوع من العلاقات القانونية، ولم يكن من الصعب حينئذ استيضاح أن الأرض يلهث وراءها شخص آخر وهو رجل الأعمال حسين سالم، والذى خصصت له الأرض فيما بعد، ليقيم عليها شركة شرق المتوسط بالمخالفة للقرار الجمهورى رقم 205 الصادر بتاريخ 15 يوليو 2002 بتخصيص الأرض للمنفعة العامة، وبانتهاء مطاف الأرض لقبضة حسين سالم فى 16 مارس 2003، دخلت القضية مرحلة عسيرة من المواجهة حسمها القضاء المصرى العظيم بحكم للمستشار منصور حسين، أكد فيه «أنه بموجب عقد البيع لسياج فإن الأرض خرجت من نطاق ملكية الدولة، وأن القرارين الرئاسى والحكومى، هما انتهاك للمادة رقم 5 للقانون 71 لسنة 1991»، ولكن الدولة لم تنفذ حكم المحكمة، وخصصت الأرض لشركة غاز الشرق المملوكة لحسين سالم، لتبدأ فصول أخرى من القصة التى تدل على تخبط الدولة، وجهل من قاموا بهذا العمل المشين.

كانت مقدمة هذه الفصول هى محاولة التعامل مع سياج جنائيا، ليبدأ الجزء الثانى والمأساوى من المهزلة القانونية، ويتأسس هذا الجزء المأساوى، على أنه فى 2 مارس 1982 وقعت مصر وإيطاليا على اتفاقية ترويج وحماية الاستثمارات بينهما، وتعرف هذه الاتفاقية اختصارا بـBIT، وتشرح الاتفاقية نفسها بأن الغرض منها هو: «خلق ظروف جيدة بين مصر وإيطاليا وخاصة فى الاستثمارات»، بإعطاء عدد من الضمانات والحماية للمستثمرين مثل المعاملة العادلة لهم، ومنع أى تمييز أو أفعال ضد المستثمرين من البلدين مع الحماية الكاملة للاستثمارات، ومنع أى إجراءات تحد من الملكية والتحكم والاستمتاع المباشر بالاستثمارات فضلا عن منع التأميم المباشر وغير المباشر، أو نزع الملكية والإجراءات المماثلة إلا فى حالة غرض عام يتعلق بالمصلحة الوطنية، وفى نفس الوقت لابد أن يكون التعويض مناسبا ويتم حسابه بالقيمة السوقية.

ووضعت هذه الاتفاقية آليات لفض المنازعات، التى قد تنشأ بمناسبة علاقة قانونية لاسيما استثمارية بين رعايا البلدين، أو على أرض أحد البلدين بين رعايا البلد الآخر والبلد المضيف، وآلية فض المنازعات هذه جاءت بالبند التاسع للاتفاقية، وذلك بإقرار هذا البند حق المستثمرين للجوء إلى التحكيم طبقا لاتفاقية تسوية منازعات الاستثمارات بين الدول ومواطنى الدول الأخرى المعروفة اختصارا باسم ICSID «أكسيد» والتى وقعتها إيطاليا فى 23 مارس 1972 كما وقعت عليها مصر فى 3 مايو 1972، وهذه الاتفاقية بدورها، هى محل التنفيذ فى حال نشوب نزاع قانونى طبقا لاتفاقية ترويج وحماية الاستثمارات بين مصر وإيطاليا الموقعة فى 2 مارس 1982.

واعتمد سياج على هذه الأتفاقية وذهب إلى مركز أكسيد التابع للبنك الدولى مستندا فى ذلك إلى جنسيتيه الإيطالية الحاصل عليها بتاريخ 3 مايو 1993، واللبنانية الحاصل عليها بتاريخ 19 ديسمبر 1989، وكذلك جنسية والدته السيدة كلوريندا فيدتشى «الإيطالية»، وهى أيضا شريك فى الأرض محل النزاع.

وبعد دفوع فاشلة من قبل الجانب المصرى، ممثلة فى محامين لم يعتنوا بالمهنية قدر ما اعتنوا بالأتعاب، وتم إسناد القضية لهم طبقا لمحسوبية، الأسماء ممثلة فى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد وحازم زرقانا من مكتب حلمى وحمزة وشركائه، وهو الفرع المصرى لمكتب بيكر وماكينزى الأمريكى للمحاماة، المهم أن مركز أكسيد رفض طلب الجانب المصرى بعدم انعقاد الاختصاص له فى نظر الدعوى، لتبدأ مع عملية التحكيم مظاهر الترهل فى الدفوع القانونية المقدمة من الجانب المصرى غير الكفء وتنتهى جولة بعد جولة بضربات لفريق الدفاع عن مصر.

بدأت الدفوع الفاشلة من الجانب المصرى بعدم انعقاد الاختصاص لمركز أكسيد، استنادا إلى أن سياج مصرى الجنسية، وهذا لا يوفر له إمكانية معاملة الأجنبى وعليه فيجب الاحتكام للقضاء المصرى فقط كهيئة ينعقد لها الاختصاص فى نظر مظلمته، ويتجاهل هذا الدفع جنسيتى سياج الأخريين، وكذلك جنسية والدته الإيطالية، ومن شأن هذه الأخيرة فقط عقد الاختصاص لمركز أكسيد، حتى لو أخذ المركز برأى الدفاع البالى فى تجاهل جنسيتى سياج اللبنانية والإيطالية.

وبانعقاد الاختصاص لمركز أكسيد، وكما هو معمول به فى قضايا التحكيم، فإن كلا من طرفى النزاع يقوم باختيار محكم على أن يقوم المحكمان المختاران باختيار المحكم الثالث، وهكذا بدأت المعركة القانونية على الصعيد الدولى.

تمثل الدفع الثانى من الجانب المصرى فى أن سياج تم إعلان إفلاسه سنة 1999، وذلك بسبب دين شخصى، وهذا الإفلاس يفقده الأهلية اللازمة للتحكيم، ولكن سياج استطاع أن يثبت أن الدين قد تمت تسويته، وأنه وقت التقدم لطلب التحكيم لم يكن فاقدا للأهلية اللازمة لإجراء التحكيم، مما دفع الهيئة التحكيمية إلى رد الدفع المصرى، والاستمرار فى نظر التحكيم.
حاول فريق الدفاع المصرى فى وجه ثالث من أوجه فشله إقناع هيئة التحكيم أن العقد المبرم بين مصر وسياج سنة 1989، لم يكن عقد بيع ولكنه عقد حيازة مستندا فى ذلك ببلاهة منقطعة النظير لكون الثمن تم سداده على أقساط، ولكن هيئة التحكيم ردت هذا الادعاء هو الآخر لترفع يد سياج كفائز فى هذا النزال خالصة إلى التالى:

◄ فى العموم فإن التحكيم يجد دلائل أن المستثمرين كانوا دائما محرومين من استثمار ثمين، وأن قيمة هذا الاستثمار تزيد كثيرا عن المبالغ التى تم صرفها من قبلهم.

◄ التحكيم لم يقبل كل ما تقدمت به مصر من أن المشروع كان مكتوباً له الفشل، لأنه ضخم للغاية وموقعه سيئ، وذلك فى ظل اكتشاف مشروع سياحى هو مركز الريفيرا بطابا، والذى تعود ملكيته لشركة سياحية مملوكة لمصر، ورأى التحكيم أنه مقتنع أن استثمار المدعين كان مهما للغاية وأكثر قيمة مما صورته مصر، كما رفض التحكيم ما تقدمت به مصر من أن عملية بيع أسهم سياج السياحية عام 1995 بين أعضاء سياج طابا مثلت استرشادا مفيدا لقيمة الأرض والمشروع، وقال فليت وود بيرد الخبير الدولى فى تقييم المشروعات إن الموقع مرغوب فيه وقيمة الأرض يمكن مقارنتها بمواقع أفضل المنتجعات السياحية فى شرم الشيخ والغردقة ومناطق فى سيناء والبحر الأحمر، وقيم بيرد الأرض بـ181 مليون دولار أمريكى، وبهامش خطأ نسبته 20% ليصل إلى 145 مليون دولار، ويجب الوضع فى الاعتبار أن هذه هى قيمة الأرض فى 23 مايو 1996، وأن المدعين كانت نسبتهم 95.27% من الأرض.

قام التحكيم بتخفيض القيمة التى حددها فليت وود بيرد 50 بالمائة، فصارت 72 مليوناً و540 ألف دولار، ولأغراض التعويض تم تخفيض القيمة لأن سياج ووالدته لم يكونا مالكين للأرض والمشروع بالكامل، فصارت 69 مليوناً و108 آلاف و858 دولاراً، وطلب سياج 2 مليون و50 ألف دولار تعويضاً عن تكاليف قانونية داخل مصر على مدار أكثر من 7 سنوات من التقاضى، لكن التحكيم قدر هذه القيمة بمليون دولار فقط، ولم يتردد التحكيم فى جعل الفائدة مركبة منذ تاريخ مصادرة الأرض، كما توصل التحكيم إلى أنه من المناسب أن تدفع مصر للمدعين 6 ملايين دولار كمساهمة معقولة مقابل تكاليف التحكيم لأنها الجانب الخاسر.

وفى مايو 2009 وبعد عدة جلسات عديدة استغرقت 4 سنوات، أنهت هيئة التحكيم القضية بتغريم مصر 74 مليون دولار خلال 30 يومًا من تاريخ الحكم، وتحميلها 50 % من رسوم التحكيم وحصول سياج اللبنانى الجنسية على فائدة عن كل الأضرار التى لحقت به، وعائلته بدءًا من 23 مايو 1996، وبمرور فترة الثلاثين يوما التى حددها حكم التحكيم، دون تنفيذ الحكم من الجانب المصرى الخاسر وكأنه يتعامل مع القضاء الداخلى، تمكن سياج من الحجز على الممتلكات المصرية بالخارج ممثلة فى بنك مصر فى كل من فرنسا وانجلترا، وعليه فإن الدولة الآن مطالبة بتقديم المسئولين عن هذة المهزلة لمحاكمة قضائية علنية، بدءا من وزراء السياحة المتورطين ورؤساء الوزراء الذين لم يطبقوا أحكام القضاء المصرى، فما فعلوه يمثل جرما أقله تبديد المال العام.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة