شريف حافظ

إنها العنصرية وليس الدين!

الخميس، 20 أغسطس 2009 09:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أليكس دبليو، ولد فى روسيا عام 1980. كان طفلاً انعزالياً. ولكن عندما يكون مع أقرانه، كانوا يخافون منه، لأنه كان يضربهم ويحصل على أى شىء يريده منهم بالعنف.

هاجر أليكس مع والدته وأخته عام 2003 إلى ألمانيا (أى أنه عاش أغلب حياته (23 سنة) فى روسيا). وفى ألمانيا، كانت نظرة الناس له كما كانت فى روسيا. فلم يكن له أصدقاء وكان الناس يشجبون أسلوبه المُعادى للآخرين. وكان أليكس يرى فى أى شخص مختلف عنه، فى اللون أو العرق أو الدين، عدوا، أو على أقل تقدير، ينظر إليه نظرة دونية. إن عدد من يقطنون ألمانيا من عينة فكر أليكس، تُعد قليلة نسبياً، لأن تجارب ألمانيا التاريخية، علمت مواطنيها، التعايش مع الآخرين. فهزيمتان فى الحربين العالميتين، بسبب نزعة عدوانية متعالية، مثل نزعة أليكس، كانت كفيلة بتغيير نمط حياة الألمان، حتى لا تتكرر تجارب الهزيمة الساحقة، التى مات فيها الملايين ودمرت فيها مدن بأكملها.

وهنا فى مصر، ورغم هزيمة 1967، فإننا لم نهزم يوماً هزيمة مثل هزيمة ألمانيا فى الحربين العالميتين، ولكن مستغلى الدين يأخذوننا بالتأكيد على هذا الطريق. لماذا؟ إنهم يرون فى كل من يختلف عنهم فى الدين، عدوا، تماماً مثل عينة أليكس دبليو، قاتل مروة الشربينى! التحريض والعنف أسلوبهم، فى حالة أنهم لم يأخذوا شيئا بالحوار، الذى يصعب القيام به، لانعزالهم عن بقية المجتمع. طالما المرء مسلم علمانى أو قبطى أو بهائى، فهو بالنسبة لهم، خارج عنهم. إنهم مشاريع "إرهابيين" مازالت فى التكوين، تماماً مثلما عاش أليكس فى روسيا وألمانيا، لا يعرف الحوار ولكن الصوت العالى. وما لا يأخذه بالصوت العالى والسب، يأخذه بقوة ساعديه.

كان أليكس يؤمن، بأن كل من هو ليس مسيحياً، كأن يكون يهودياً أو مسلماً أوبهائياً أو بوذياً، شر! وياللهول! إنه نفس منطق مستغلى الدين فى مصر! (ويرى المجتمع الألمانى أو المجتمعات المتحضرة بصفة عامة، فى الدفاع عن اليهودى، كأقلية، دفاع عن المسلم والبوذى كأقلية، لأن الدفاع عن الأقليات فى مجملها، هو دفاع، عن كل فرد فى المجتمع ضد لا منطق العنف من قبل الأغلبية فى المطلق أو الأقلية العنصرية على وجه الخصوص)

ذهب أليكس مُصاحباً ابنة أخته لمكان المراجيح القريب منه فى مدينة دريسدن، كى تلعب، وكانت مروة الشربينى هناك مع ابنها الصغير مصطفى البالغ من العمر 3 سنوات. اختلفت مروة وأليكس على أى الطفلين له الحق أن يمتطى "المُرجيحة". فسبها أليكس، سبابا خادش للحياء، بالإضافة إلى سباب عنصرى، من قبيل "يا إرهابية" و"يا إسلامية"، وهو سباب يُعاقب عليه القانون فى ألمانيا. وكان الخلاف وجهاً لوجه، فى منطقة ألعاب الأطفال.

وفى مقارنة سريعة بالوضع لدينا فى مصر، فان الكثير من مستغلى الدين، يتصورون أنفسهم يُدافعون عن دين الله، عندما يتعرضون لمن هم مختلفون عنهم. فيتعرض مجموعة من الشباب فى الشارع مثلاً لامرأة غير محجبة، بالسباب. ويتعرضون للبهائيين، بحرق منازلهم فى الشورانية، لأنهم بهائيون!! ويتعرضون لمن يكتب ما يختلفون عليه، بدلاً من مناقشته، بالتكفير والسباب، وأتساءل، لو أنى أكتب ما يختلفون معى عليه، وأننا تقابلنا، هل سيكون مصيرى مصير مروة أو أشد؟

امتعضت مروة بشدة، مما فعله المدعو أليكس، الروسى المتجنس بالجنسية الألمانية، ورفعت عليه قضية للتعويض عما أصابها من آثار نفسية. وهذا النوع من القضايا كان أكثر فى الماضى، وتراجع اليوم، حيث قلت حدة العنصرية (كنت فى ألمانيا فى سبتمبر – أكتوبر 2008، وكانت مدنها آمنة للغاية، وكنت أمشى فى الشارع فى عاصمتها فى أوقات متأخرة، ولم يكلمنى أحد، رغم هيئتى المختلفة). وقد حكمت لها المحكمة بتعويض قدره 750 يورو (حوالى 6000 جنيه، أو أقل). ولكن المبلغ زاد، لأن أليكس، وأثناء المحاكمة، قال إن مروة لا تشعر بالإهانة، لأن "الناس من فصيلتها ليسو بشرا حقيقيين، وبالتالى لا يمكن بالفعل أن يكونوا قد أُهينوا" وهى بالفعل تعبيرات غاية فى العنصرية لا يمكن لمجتمع متحضر كالمجتمع الألمانى أن يسكت عليها!

وفى مصر، حيث مُستغلى الدين، عبارات كثيرة عنصرية حول الأقباط، سمعتها بأذنى. مثل أنهم قذرون وأن تلك ليست بلدهم وأنهم كفار. ولا نسمع كثيراً عن محاكمات عنصرية كمحاكمات أليكس فى ألمانيا عما بدر منه حيال مروة الشربينى فى البداية!! ناهيك عن العبارات التى تُستخدم لوصف البهائيين واليهود!! ويقرأ العالم ما ننشر ويعرف جيداً أننا عنصريون، فى الأغلب، أكثر من أليكس، قاتل مروة الشربينى!! ولينظر القارئ العزيز فى التعليقات على أى مقال يكتبه كاتب يختلف معه، مستغلو الدين هنا! إنها تعليقات غاية فى العنصرية، ودليل حى على كم الكُره وعدم القدرة على الحوار والتفنيد. ونرى المعلقين فى الخارج على المقالات، فيما عدا البعض، يرون الجوانب الجيدة فى المقال والجوانب السيئة، بموضوعية! ولكن هنا، ترى هجمة شرسة من المعلقين مستغلى الدين، لا يرون ولو نقطة ضوء فى المقال كله، وهو ما يعطى انطباعا واضحا بشخصنة المواضيع!!

ونعود إلى مروة، حيث طعن أليكس مروة 18 مرة فى 8 دقائق، فى قاعة محكمة، وعندما ظن الشرطى فى المحكمة أن زوج مروة، الذى كان قادماً لنجدتها، علوى على عكاز، كان قادما لمعاونة أليكس ضربه بالنار. وماتت مروة فى قاعة المحكمة. ومكان الاعتداء هو ما يصعب تصديقه، رغم أنه قد وقع بالفعل. فغريب أن يقتل شخص فى قاعة محكمة، سواءً كانت المحكمة فى ألمانيا أو مصر أو جمهورية الموز (صفة تطلق على الدول الفوضوية). وبالنسبة لكم الوقت الذى ارتكبت به الجريمة، فانه مُريب حقاً، ويجب أن تُركز عليه التحقيقات.

كانت ردود فعل مقتل مروة الشربينى فى مصر، وما حولها، مُبالغا فيها، ومُتخذاً شعاراً دينياً، بأن أليكس، قتل مروة فى إطار "الحرب على الإسلام". وهو شعار أُخذ بعيداً عن عنصرية القاتل أليكس المُتأصلة فيه منذ نعومة أظفاره. ونادى البعض بمقاطعة ألمانيا، ورُفعت شعارات كثيرة، لخدمة تيارات معينة وكأنها تدافع عن الإسلام، الذى لم يُمس فى تلك الواقعة على الإطلاق!! وكأن التيار المستغل للدين ينتظر تلك الوقائع، ليتكلم عنها، رغم أن لديه الكثير فى أماكن أخرى ليدافع عن المسلمين، مثل الذين يقتلون فى دول آسيوية أو الذين يقتلون من حكامهم العرب أو الفرس. ولكنه يصمت، وكأنه اعترف بغزو هولاكو لبغداد ولم يغفر أبداً لريتشارد قلب الأسد تقهقره، وهو وصف مجازى للتعبير عن الحال العنصرى، حتى فى تناول قضايا ما يدعيه هؤلاء، فى مسألة الاعتداء على المسلمين!

إن الألمان والفرنسيين والإيطاليين والأمريكيين وغيرهم ممن قتلوا هنا على أرض مصر، حيث كانوا يزورون بلادنا بهدف السياحة، لا يجدون الناس تهلل وتطالب بموت المصريين فى بلادهم، رغم أن هؤلاء القتلى، تخطوا العشرين وليس فقط الشخص الواحد. لقد قتلوا هنا، من إرهابيين مسلمين، مستغلين لدين الله، تحت مسمى أنهم كفار. وقتلت مروة تحت مسمى أنها ترتدى حجاباً. الشعب الألمانى فى أغلبه، يستهجن أليكس وأمثاله، ولكن لم يستغل أى تيار ألمانى، الحادث، ضد الحكومة الألمانية، ليكسب نقاطا. فالموت له احترامه، ولا يُشكل لعبة سياسية، والقانون يأخذ مجراه، وسيعاقب أليكس فى النهاية!! ولكن هناك الكثيرين من مستغلى الدين، منا نحن، الذين يرون أن بن لادن بطل فيما يُمكن أن يكون قد قام به فى 11 سبتمبر بالولايات المتحدة، وهو شعور يُعبر عن عنصرية طاغية، ضد من لم يعتد على المسلمين ومات فى البرجين، دون أى ذنب اقترفه!!

الحقيقة التى يجب وأن نواجهها وبصراحة، هى أن من ثاروا على مقتل مروة الشربينى، يشبهون أليكس دبليو إلى حد كبير. فلو أن الفرصة سنحت لهم، سيقومون بما قام به أليكس وأكثر، لكل من يخالفهم فى الرأى. أنهم عنصريون، يكرهون المسلمين المعتدلين والأقباط والبهائيين. إنهم لا يرون منطق إلا فى الجهاد ضد من يخالفهم، لأنهم يرون فى أنفسهم، الحق المطلق، ويرون فى غيرهم الشر كله. إنه إنذار لمن لا يرى. إن تشريح فكر قاتل مروة الشربينى، يثبت أنه متشابه إلى حد بعيد مع مستغلى الدين، إن لم يكونوا هم أكثر عنصرية منه! إن هؤلاء، يأخذوننا على الطريق نحو حروب مع العالم، ستُلحق بنا هزائم مثل ما مُنيت به ألمانيا فى الحربين العالميتين وأكثر!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة