سافرت أربعة أيام إلى الساحل الشمالى هربا من جحيم القاهرة الذى نعيشه على مدار العام فى خيمة من الحر والتلوث والضوضاء والازدحام والاحتكاك اليومى ببشر طلعان روحه من الجرى وراء لقمة العيش التى أصبحت صعبة المضغ والبلع والهضم.
لأول مرة أزور هذا المجتمع الناعم.. لأول مرة أنعم بساعتين لا أكثر فى جنة مارينا القريبة الشبه بأوربا فى زيارة خاطفة اكتشفت أن أهل القرى السياحية الأخرى حريصين عليها وكأنهم يؤدون عمرة أو يحجون لأم القرى السياحية.. استمتعت عينى بالفرجة التى لا أملك سواها وأنا أشاهد حياة الأثرياء وعرفت أكثر لماذا يعيش هؤلاء الأثرياء فى حالة بحث دائم ومتصل عن الأموال التى بالتأكيد توفر لهم أساسيات السباق نحو تميز الإقامة فى القرى السياحية.
ولأننى رياضى بحكم المهنة فقد ذهب عقلى وخيالى طوال الوقت إلى أثرياء الرياضة الذين يتمرغون فى تراب التطوع، الكلمة السخيفة التى يدارون بها ما يصنعونه من وسائل خدمة ثرائهم، بل هم يكافحون من خلالها لتنمية ثرواتهم ويستخدمون الرياضة درعا لحماية هذه الثروات وفسرت أكثر وأكثر لماذا هم يقاتلون فى سبيل مقعد فى مجلس إدارة ناد أو اتحاد.
والفسحة القصيرة التى قضيتها زائرا لعالم الأغنياء لا منافسا لهم ولا سائرا فى ركابهم ولا طامعا فى أن أقترب من عالمهم قانعا بأن نهاية الغنى والفقير واحدة وأن السعادة نسبية بين كافة البشر.. وقد فاجأنى قبل السفر بساعات الصديق العزيز الناجح دائما المهندس هانى أبو ريدة بتقديم استقالته وكنت متأكدا من أول لحظة لتلقى الخبر أنها استقالة غضب لن تكتمل لأن بلدنا الجميل لا يجب أن يحرك أحد مياهه الراكدة ويعتبر قادته وزعماؤه أن من يشرع فى تحريك هذه المياه خارج على القانون.
وكنت قد خرجت من القاهرة وبطولة العالم لكرة اليد تجرى أحداثها وقد بدت لكثير من الناس كأنها سرية وهى فى أجوائها الأولى بدت بالفعل كما لو كانت تقام فى دولة أخرى، ويحضرها مواطنون من الجالية المصرية واندهشت أن يتأخر إحساس الناس بها لهذه الدرجة إلى أن وجدت وأنا فى الساحل الشمالى جمهورا غفيرا يحضر مباراة مصر وفرنسا وأدركت أن الشارع اختشى على دمه وأحس بالبطولة، لكن سرعان ما فطنت إلى أن الملاعب فى مصر لا تشهد حدثا كرويا مهما هذه الأيام ولذلك لم يكن باقيا أمام الناس إلا الالتفات إلى كرة اليد وكان الدكتور حسن مصطفى رئيس الاتحاد الدولى آسفا وهو يقول لى لو أن لاعب كرة قدم دخل الحمام تجد خبر دخوله الحمام مفرودا فى الصحف فوق بطولة العالم لكرة اليد.. وأيضا كان سمير زاهر شديد الاندهاش وهو يحكى لى عن مسئول رياضى عربى يتصل به تليفونيا ويقول له «هو انتو ما عندكوش غير كرة القدم، كل مشاكلكم كورة فى كورة؟!».
ورغم ما أظهره منتخب اليد من براعة إلا إننى انزعجت من وجود 12 ملاحظة سلبية على التنظيم فى حوزة الاتحاد الدولى، ومنها ما هو مضحك ومخجل مثل شكوى بعثة أجنبية من الصراصير التى تمشى على الوجوه فى الغرف!!.
وكنت وأنا فى دولة الساحل الشمالى مشغولا بهموم دولة مصر القاهرية التى طلع روحها مع قضية البث وأيقنت فى النهاية أن التليفزيون المصرى كان شديد الدهاء لدرجة أنه نجح فى الضحك على أمير الدهاء سمير زاهر وجعله يتمنى لو باع له الحقوق بسعر أقل 40 مليونا دفعة واحدة أى بـ 70 مليون جنيه مقابل 110 ملايين كانت قيمة العرض الأول.
وثبت لى فى النهاية أن القضية لم تكن حقوقا ولا واجبات ولا مصالح عامة وكانت بمثابة مسابقة بين أطراف يتنافس كل منهم لكى يضحك على الآخر، فالمهم أن يكسب أى طرف ولا يهم أن تخسر معه البلد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة