عبد الناصر عبد الرحيم أحمد يكتب: أنا والحزن

الأحد، 02 أغسطس 2009 01:53 م
عبد الناصر عبد الرحيم أحمد يكتب: أنا والحزن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما أطبقت على نوبة هواجس حمى.. كان البرق الراعد الذى سكتت له قبائل أفكارى المحتشدة هو سؤال يكيد ضدى كيده.. فاجأنى بعنف واشتعل فى إصرار بوجهى.. لماذا هكذا دائما نحس أن ما مضى من أعمارنا أحلى من المواقيت التى نعيشها على هذه الأيام أو الآن بالتحديد؟ هل هو الواقع فعلا؟ أم أننا نتصورها كذلك.. والذكرى ناقوس يدق فى عالم النسيان.. ما زلت أذكر عبارات صبا غضة وغض كتلك.. وهى ترن فى أصقاع مخيلتى حين أسلم وجهى للحظات الحزن التى كثيرا ما أمارسها وتمارسنى بجنون ونزق حتى أننى فى أحايين كثيرة أحسب أن الحزن هو شيخ العواطف ومجمرتها الكبرى والصبغ الذى يضفى عليها البرق والكبرياء.. ما أجمل الوجوه الحزينة ما أجملها!.. هى ليست كالحة أبدا– صدقونى- إذا فضحنا تفاصيلها وتحسسنا أماكن روعتها.. والوجه المغسول بالحزن لافت وملحوظ وغيره باهت وعادى لكن تبهت الأشياء إذا حزنت الوجوه... لماذا؟ لست أدرى، ولكن ما زلت أعتقد فى هذا الوجه؛ أننى أجد نفسى أترنم بسطر واحد للشاعر أحمد صلاح فى قصيدته ما عاد يهمنى الحنين حين يقول: البسمة فى حياتى لحظة والحزن يا سيدتى سنين- فأغرق فى هذه الصورة تماما كما تغرق الأشياء حينما تغرق تماما.. هكذا الحزن سيد وجليل فالسلام عليكم أيها الحزن الجميل وبشر براريك وتقاطيعك وتقاطيع الأصدقاء كذلك بهبوط برد الحزن وسلامه عليكم.. هكذا إذا يا سيدى الحزن تزورنا نوبتين ثابتتين.. مرة عبر الذكريات الرائعات ومرة وحدك تتربص بنا فى كل الأزقة كأننا لا نحبك!! من قال لك هذا؟ وما أدراك أنك نقيض الفرح؟ فأنت ممتع مثله.. تشتجران وبينكما أكثر من سبب.. أنت تبكينا أحيانا والفرح كذلك فمن الأصيل فينا منكما؟ أظنك أنت؟ لم يكن والدانا فى الفردوس المفقود يحزنان، عرفناك فقط بعد تلك التفاحة الجميلة الحاقدة.. هبطنا على أجنحتك الزرقاء ثم ضربت خيامك فى كل القلوب.. تنام قليلا وتصحو كثيرا فينا تماما لكن لماذا لاتزورنا إلا فى الظلام والمكاره إن كنت صديقا فعلا؟ نعم لماذا لايزورنا الحزن عندما.. مثلا.. نلاقى فجأة فى المنافى أصدقاءنا ومن نحب؟ وأشهد أن هذا الحزن غريب أو أنه معقد ويظن بنفسه الظنون، لماذا تعض ذكريات الحزن شغاف القلب وتبقى ردحا ويلسعنا الفرح الواهى ويسقط كشىء ما.. أنا لا أذكر كل اللحظات التى خجل فيها وجه الحبيب من أشعارى وكانت كأسواق ورد أو رسوم أطفال أو اشطبوا كل هذه التشبيهات وألغوا دروس البلاغة فقد كانت لحظات يجن لها الجنون.. لا أذكرها جميعا ولكنى أذكر جيدا كيف كان الشجر شاحبا وكيف كانت عيونى حزينة يوم كان يغيب.. أذكر حتى تفاصيل الأشياء كل الأشياء- الشاحبة- كأن الحزن مشغوف بقلبى فساعة هجرها يجد الوصال.

هكذا علاقة الحزن بالذكريات.. ولا إخالنى أصيب غير المكمن إذا قلت إن الحزن وهج الذاكرة.. الذاكرة!! قال: اذكرونى فإن الذكرى ناقوس يدق فى عالم النسيان–هكذا كنا أشقياء نكتب على الجدران فى أعلى قمم الفصول فى مدرسة الحرية الابتدائية سابقا والآن- مدرسة الأربعين الإعدادية بنات بالسويس- تذكار من فلان فى يوم كذا من سنة كذا فاذكرونى يذكركم الله- هل كنا اقتبسناها من قاموس الشحاذين المبهرجين بالحزن- ارحمونى يرحمكم الله– أم غير ذلك لا أدرى؟.. إلا أننى أذكر كيف كنا فى نهاية سنوات الدراسة نكتب عبارات وداع ونتبادلها.. لم نكن نحفل فيها كثيرا بمرارة الفراق بقدر ما نصر على الذكرى ناقوس هذه.. أذكر هذا جيدا فها هو صهيل الناقوس يجتاح غابات نسيان تلك السنوات اليافعة كفتح مبين، أما الآن وقد صرت رب أسرة كم تملؤنى تلك الذكرى حيث كنا وكنا نحب الأشياء بشكل شرس.. حتى الحجارة فى قارعة الطريق كانت تعنى لنا اندهاشا وانتباها وإن لم نكن نعى فلسفة الأشياء ومنطقها فقد كنا نحس بنبض الحجارة وإمكانها الجمالى غير المزيف وصمودها العنيد وتشبثها بالأرض بل وإمكانها على صعيد الفعل الإنسانى، أما الآن تتقاطع فينا الطرق الراكضة لم يبق لنا إلا الحزن المفرح، فلك التحيات الزكيات يا سيدى يا حزن والقيام والاحترام.. هل عرفت الآن أنك الأصيل ابن الناس، وهل عرفت قدر نفسك؟ فلماذا لم تعد تزورنا مرتين كما كان دأبك ثم تأوى إلى خيامك فينا؟ بل أصبحت تظللنا بذلك الوهج وأقسمت على البقاء المطلق، فأصبحنا لا نتذكر ماضينا إلا فى حضرتك وأصبحت الذكريات لا تعنى إلا لتفرغ ناقوسك وتنداح الآهات.

أخيرا بلغ تحياتى وأشواقى لصديقنا الفرح وقل له السلام عليكم فسوف يفهم وشكرا.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة