أكدت منظمة هيومان رايتس ووتش فى تقرير لها، أن اجتماع الرئيس حسنى مبارك بنظيره الأمريكى باراك أوباما، يعتبر فرصة سانحة للدعوة للإصلاحات بمجال حقوق الإنسان فى مصر، حيث تحتجز السلطات المصرية المدونين والناشطين ورموز المعارضة تعسفاً، وتصدر ضدهم أحكاماً غير منصفة، كما أنها تنتهك حقوق اللاجئين والمهاجرين، بما فى ذلك إطلاق النار على المهاجرين الذين يحاولون العبور إلى خارج الحدود المصرية.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذى لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى هيومان رايتس ووتش: "يجب على الرئيس أوباما أن ينقل رسالة واضحة مفادها، أن حقوق الإنسان فى مصر هى من الاهتمامات الأساسية لإدارته"، وتابع "أن مصر على أعتاب مرحلة انتقالية والطريق مفتوح أمامها لإجراء إصلاحات حقيقية".
وهذه هى زيارة مبارك الأولى لواشنطن منذ خمس سنوات، بعد فترة من البرود اعترت العلاقات الأمريكية المصرية. وحاولت الولايات المتحدة بمختلف الطرق تعزيز حقوق الإنسان فى مصر، وفى بعض الأحيان كان انتقادها للأوضاع الحقوقية فى مصر صريحاً، وفى أحيان أخرى فضّلت ألا تُغضب النظام المصرى خشية تعريض مجالات التعاون المشتركة الأخرى للخطر.
وفى كلمة ألقاها أوباما من القاهرة فى الرابع من يونيو الماضى، والذى أوضح مبادئ أساسية للسياسة الأمريكية إزاء العالم الإسلامى، قال للحضور المصريين، إنه "لدى اعتقاد راسخ بأن جميع الشعوب تأمل فى أشياء محددة: قدرة المرء أن يعبر عمّا يجول فى خاطره جهراً، وأن يدلى برأيه فى كيفية حُكمه، وأن يثق فى سيادة القانون وإدارة العدالة بشكل ينطوى على المساواة".
وقالت هيومان رايتس ووتش، إن زيارة مبارك تُعد بمثابة لحظة فاصلة يجب أن تعرض فيها الولايات المتحدة موقفها من انتهاكات حقوق الإنسان، لاسيما على ضوء سجل مصر الحقوقى المُنتقد على نطاق واسع. وأشار جو ستورك إلى أن "الرئيس أوباما عليه أن يدعو إلى الإفراج عن جميع السجناء السياسيين"، وأضاف "وعليه أن يدعو الرئيس مبارك إلى وضع حد لحالة الطوارئ، وإلى احترام حقوق المهاجرين". كما أن قانون الطوارئ المصرى المعمول به منذ 28 عاماً، يسمح للسلطات باحتجاز الأفراد تعسفاً ومحاكمتهم فى محاكم أمنية استثنائية، لا تفى بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة. وقد جددت الحكومة قانون الطوارئ (قانون رقم 162 لسنة 1958) فى مايو 2008 لمدة عامين، ليستمر فى كونه السند وراء الاحتجاز التعسفى والمحاكمات غير العادلة، وهذا رغم وعود متكررة من مبارك وآخرين من كبار المسئولين بعدم التجديد.
وثمة مشروع قانون لمكافحة الإرهاب يجرى إعداده حالياً، وفى حال تبنيه، فسوف يقنن بعض السلطات الموسعة التى يمنحها قانون الطوارئ للسلطة التنفيذية، مما يجعل هذه السلطات الموسعة دائمة، فيما كانت من قبل إجراءات مؤقتة ممنوحة فى سياق حالة الطوارئ. وتقوم السلطات المصرية باحتجاز الأفراد جراء تعبيرهم عن آرائهم سلمياً. وسبق أن تم اعتقال المدونين واحتجازهم ومضايقتهم من قبل قوات الأمن، كما يسمح القانون المصرى بحبس الصحفيين بتهمة إهانة المسئولين.
المدوّن كريم عامر – واسمه الحقيقى هو عبد الكريم نبيل سليمان – مُحتجز فى سجن برج العرب بالإسكندرية منذ 7 نوفمبر 2006 لكتابته عن التوترات الطائفية فى الإسكندرية ولانتقاده مبارك ومؤسسة الأزهر الدينية فى مدونته. وفى 22 فبراير 2007 حكمت عليه إحدى المحاكم بالسجن أربعة أعوام بتهمة "إهانة الرئيس"، و"نشر معلومات تمس بالنظام العام" و"التحريض على كراهية المسلمين".
هانى نظير – مدّون آخر – محتجز دون سبب، وجهت له اتهامات ومحتجز فى سجن برج العرب، بموجب قانون الطوارئ، وهو محروم من الزيارات. وقام مسئولو أمن الدولة بالقبض عليه من منزله فى نجع حمادى بمحافظة قنا، فى 3 أكتوبر 2008. وكان نظير قد عبّر عن آراء تنتقد المسيحية والإسلام فى مدونته. مسعد أبو فجر، الروائى والناشط الحقوقى الذى كان ينتقد انتهاكات حقوق بدو سيناء، ما زال رهن الاحتجاز بموجب أمر صادر بموجب قانون الطوارئ، رغم أحكام متكررة من المحاكم بالإفراج عنه. وفى 17 يوليو نقله المسئولون الأمنيون إلى سجن برج العرب بموجب الأمر رقم 13 من قانون الطوارئ، آمرين بتمديد احتجازه.
واعتقلت السلطات المصرية العديد من قيادات الإخوان المسلمين على مدار الشهور الماضية، واحتجزتهم بسند من قانون الطوارئ، وأحدهم – عبد المنعم أبو الفتوح – محتجز فى مستشفى قصر العينى تحت الحراسة بموجب قانون الطوارئ، ونُسب إليه الاتهام بالعضوية فى تنظيم محظور. وقبضت عليه قوات الأمن صباح 28 يونيو برفقة بعض كبار الأعضاء فى الإخوان المسلمين، وأغلبهم من الأطباء، وجدد ادعاء أمن الدولة أمر الاحتجاز فى 9 أغسطس الجارى. وأبو الفتوح، الأمين العام للاتحاد العربى للأطباء، هو عضو فى المكتب التنفيذى بالجماعة. ويُقال إن صحته تدهورت أثناء احتجازه، وقد دعت المنظمات الحقوقية المصرية إلى الإفراج عنه لأسباب إنسانية.
ويسمح قانون الطوارئ للسلطات بمحاكمة المدنيين فى محاكم عسكرية وفى محاكم أمن الدولة، فى خرق للقانون الدولى. وفى 26 يوليو أحال المدعى العام المصرى قضايا 26 رجلاً مُتهمين بالتخطيط لهجمات لصالح حزب الله، إلى محكمة أمن دولة. وفى قضية سابقة، بتاريخ 15 إبريل 2008، أدانت محكمة عسكرية خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ثانى أهم شخصية فى الجماعة، برفقة 24 مدنياً آخرين، وحكمت على الشاطر بالسجن سبع سنوات إثر محاكمة لا تتفق مع المعايير الدولية لإجراءات التقاضى السليمة. وكان قد سبق تبرئة 17 شخصاً من المدعى عليهم الآخرين فى تلك القضية أمام محكمة مدنية، فى القاهرة فى يناير 2007، لكن الشرطة عاودت اعتقالهم بعد لحظات من النطق بالحُكم.
وفى الشهر التالي، أحال الرئيس مبارك قضاياهم - بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة - إلى المحكمة العسكرية التى أدانتهم فى نهاية المطاف، ويحظر القانون الدولى لحقوق الإنسان محاكمة أو معاقبة أى شخص مجدداً على جريمة سبق تبرئته منها.
وفيما يخص انتهاكات حقوق المهاجرين، أطلقت قوات حرس الحدود المصرية النار على سبعة مهاجرين، مما أسفر عن مقتلهم، منذ مايو 2009، وكانوا يحاولون دخول إسرائيل من الحدود المصرية، كما احتجزت الكثيرين غيرهم. وفى تقرير هيومان رايتس ووتش بعنوان "مخاطر سيناء: الأخطار التى تواجه المهاجرين واللاجئين وملتمسى اللجوء"، دعت المنظمة السلطات المصرية إلى التحقيق فى إطلاق الرصاص على الأفراد مما أدى لمقتلهم، وإلى وقف استخدام القوة المميتة بحق عابرى الحدود. وتحتجز السلطات المصرية تعسفاً المهاجرين واللاجئين الذين يتم القبض عليهم فى سيناء وتحاكمهم فى محاكم عسكرية بتهمة الدخول غير القانونى إلى البلاد. وتحرم مصر هؤلاء المهاجرين واللاجئين من حقهم فى التماس اللجوء قِبَل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
يذكر أن مصر شهدت استحداث بعض الإصلاحات الإيجابية فى السنوات الأخيرة، ففى عام 2008 أصدرت الحكومة تشريعاً يحظر ختان الإناث، وفى عام 2009 صدر تشريع جديد ينص على حقوق أكثر لصالح المرضى العقليين. وفى 9 مارس 2009 أصدرت وزارة الداخلية قراراً يسمح للبهائيين وأتباع الديانات الأخرى "غير المعترف بها"، بالحصول على أوراق هوية دون أن يُذكر فى بطاقاتهم أنهم مسيحيون أو مسلمون.
وقال جو ستورك: "مع تحضير السلطات المصرية للانتخابات البرلمانية فى عام 2010 والانتخابات الرئاسية فى العام التالى، فمن الواجب أن تُركّز على تحسين سجل مصر الحقوقى"، وأضاف: "فاعتقال معارضى النظام لن يُثمر إلا انتخابات منزوعة المصداقية، مرة أخرى".
بمناسبة زيارة مبارك لأمريكا..
هيومان رايتس ووتش تنتقد حبس المدونين .. وتدعو أوباما للاهتمام بحقوق الإنسان فى مصر
الأربعاء، 19 أغسطس 2009 12:20 م