إذا كانت الأرقام تجسد الأمور بشكل أكثر دقة وواقعية؛ فحرى بنا أن ننظر بعين الاعتبار إلى أسلوبنا فى التعامل مع الوقت. ففى دراسة طريفة حول أعمارنا وكيف نقضيها بالشكل الغالب، فقد أكد الباحث أن الإنسان يقضى ثلث عمره فى النوم (20 سنة)، وينبسط بجسده أمام التليفزيون (10 سنوات)، بينما السعى وكسب الرزق يستغرق (9 سنوات) وتناول الطعام (4 سنوات) وشهر واحد فى محلات الحلاقة وستة أشهر فى الحمام!! وبدلا من الاسترسال فى عرض هذه الدراسة؛ فإننا نطرح تساؤلاً مهماً: هل تضع لنفسك برنامجاً دقيقاً تدير من خلاله دفة الوقت؟ وما هى الأولويات التى تضعها لنفسك؟ والحقيقة التى لا مناص منها.
إن هناك إهداراً كبيراً ومخيفاً فى أوقات الأفراد داخل المجتمع، ونادراً ما تجد من بين هؤلاء من يجيد فن إدارة واستغلال الوقت، حتى الإنسان الذى يصل للستين من عمره غالباً ما يشعر أنها لا تبدو زمناً طويلاً!! ولو نظرت إلى الملايين التى تجلس على المقاهى وأمعنت النظر واسترقت السمع لما يقولون أو يفعلون، فلن تجد شيئاً نافعاً يضيف إلى حياتهم، ولذلك فإننا أصبحنا فى حاجة ماسة إلى حملة قومية تدعو إلى محاربة إهدار الوقت، كما نطالب دائماً بالدعوة إلى مقاومة الفساد وإهدار المال العام وترشيد استهلاك المياه.
وقبل أن يبادر البعض بالتهكم والتحجج بالبطالة أو النكد فى المنزل أو الهروب من طلبات الأولاد التى لا تنقطع أو ما شابه أقول لكل هؤلاء: أنت فى نفسك قيمة وتملك بلا شك خبرات معينة فى مجال عملك ولو كنت عاطلاً فتملك صحتك وفى القليل فأنت تملك معرفة القراءة والكتابة ولو كنت أمياً وعاطلاً، فإن الأولى بك أن تقضى وقتك فى تعلم القراءة والكتابة لمحو أميتك.
ماذا لو خصصنا وقتاً مناسباً للعطاء المجانى من علمنا وخبراتنا للآخرين؟ بحيث لا نبخل بعلمنا لمن أعوزتهم الحاجة أو طلبوا يد العون ويمكن أن تلعب الحكومة دوراً بارزاً فى هذا المجال؛ فلو بادر أحد العاطلين بمحو أمية عشرين شخصاً من أهل بلده يجب أن نكافئه بالتعيين، لأن هذا الشخص سوف يكون بلا شك مخلصاً فى عمله، ولكن يجب إيجاد آلية لربط هذه الأمور بما نستبعد معه هؤلاء الذين يفعلون لمجرد الحصول على وظيفة!! وهكذا يجب أن نربط الأفراد فى المجتمع بدور إيجابى بحيث يسود الاعتقاد الصحيح، أن البقاء لمن يخلص فى عمله ويجب أن نخفف من الانطباع السائد بأن الموظف فى مكان ما لا يمكن إبعاده حتى ولو تهاون وتكاسل فى عمله، بل يجب قياس عدد ساعات العمل وجودته بكل من يؤدى عملاً فى وظيفة ما لأن الجملة السخيفة التى نسمعها أحياناً من بعض الموظفين من منعدمى الضمير، أنه سواء أدى ببراعة أو لم يعمل، فهو أصبح موظفاً ولن يستطع أحد أن يلغى وظيفته، ولذلك فالأمر بالنسبة له سواء. إن أغرب تصريح يمكن أن تسمعه من المسئولين هو أن تعيين فرد فى الحكومة يكلف الدولة مئات الآلاف من الجنيهات، وسبب الغرابة هو أن جميع دول العالم تربط الشخص الذى ينضم إلى الدولاب الحكومى لا شك أنه سيتحول إلى أداة للإنتاج فى مجاله الذى تم تعيينه فيه ولن يكون أبداً لزيادة الأعداد دون أن يتحقق من وراء عمله عائد يفيد نفسه ومجتمعه! إن حسن تدبير الوقت فيما يفيد وتطبيع النفوس على ذلك يحتاج إلى نشر الوعى والثقافة بقيمة أنفسنا حتى ولو كان أحدنا كناساً أو سباكاً أو شيالاً، وإننى أدعو لطرح هذه القضية للمناقشة من خلال فكر حضاراتكم وخبراتكم لنتفق جميعاً كيف نبدأ ومتى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة