الخوف من انتشار أنفلونزا الخنازير اضطر الدولة لإلغاء الموالد هذا العام .. وتسبب هذا الإلغاء فى إثارة مشاعر ملايين المريدين الذين يتعاملون مع هذه الظاهرة، ليس فقط باعتبارها مناسبات روحية لتذكر أولياء الله الصالحين التى تقام هذه الموالد لإحياء ذكراهم، ولكن باعتبارها فرصة للترويح عن النفس، وكسر روتين الحياة اليومية، والالتقاء بناس مختلفين، وممارسة طقوس الذكر والزار، الذى أطلق عليه البعض "الديسكو" الشعبى، حيث يتمايلون ويتراقصون على أصوات الدفوف والطبول، فى حركات هيستيرية، تحقق لهم نوعاً من الانسجام أو الخلاص أو التنويم المغناطيسى.. فضلاً عن استفادة آلاف التجار والباعة الصغار وعشرات المهن التى تنتعش فى أماكن إقامة هذه الموالد، وتمثل بيزنس بالملايين، ينعش الحالة الاقتصادية لقطاع كبير من المنسيين والمهمشين الذين ينتظرون هذه الموالد لتحقيق بعض الأرباح التى تعينهم على مواجهة أعباء الحياة فى أيام الركود والإفلاس..
وبعيداً عن نظرية المؤامرة التى تشكك فى سكوت الدولة عن كثير من الممارسات غير المشروعة خلال أيام الموالد، وانتشار اللصوص والمجرمين وتجار المخدرات والممنوعات، فضلاً عن الممارسات الأخلاقية غير المنضبطة تحت ستار هذه الموالد، وتشجيع الحكومات المتعاقبة لأنشطة الطرق الصوفية، باعتبارها نوعاً من تغييب الوعى العام وإلهاء الناس عن مشاكلهم الحقيقية، مدللين على ذلك (أقصد أصحاب نظرية المؤامرة) بالاهتمام الرسمى بالتدخل فى انتخابات شيخ مشايخ الطرق الصوفية، وتأييد أحد طرفى الصراع على هذا الموقع، والدعم الذى تقدمه الدولة لهذه الطرق.. لتأكيد نظريتهم، والتدليل على الرضا الرسمى عن استمرار الصوفية وطرقها وموالدها..
بعيداً عن كل تلك الشكوك، فقد كان الخوف من أنفلونزا الخنازير مناسبة جديدة لإعادة النظر فى هذه التجمعات العشوائية والسلوكيات الغريبة التى تتم من خلالها، ليس فقط من الناحية الدينية، والمعروف أن هناك قطاعا كبيرا من المتدينين يرفض هذه الموالد، ويتحفظ على كثير من الأفكار الصوفية، وخاصة ما يتعلق منها بالتقرب بالأولياء، وزيارة الأضرحة، وجمع الأموال وإضاءة الشموع فى المقابر، والاختلاط بين الجنسين فى ليالى الموالد.. ولكن أيضاً من الناحية النفسية والاجتماعية، فالأمر يحتاج إلى دراسات جادة ومتعمقة لعقلية ونفسية المترددين على الموالد، وعلاقتهم بالمجتمع، ورؤيتهم للحياة، وموقفهم من السلطة، وقدرتهم على التفاعل مع الأحداث والهموم العامة..
وإذا تذكرنا أن عدد هؤلاء بالملايين، وأنهم يمثلون نسبة كبيرة من الشعب المصرى، فسنعرف إلى أى حد، يمكن أن تدلنا دراسة سلوك هؤلاء الناس على طبيعة قطاع كبير من المصريين وطريقة تفكيرهم ونظرتهم للحياة.. ومدى استعدادهم للتفاعل مع أحداث الوطن والرغبة فى التغيير!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة