منذ نشأة البث التليفزيونى و بدء إذاعة نشرات للأخبار وضعت قواعد واضحة أصبحت تقاليد تحدد شكل مقدمات هذه النوعية من البرامج، بحيث تصبح الواحدة منهن ذات مظهر أقرب إلى الجدية بملابس تشبه ملابس الرجال وشعر مصفف بطريقة حادة وأداء شديد الصرامة.
ظلت هذه المواصفات مفروضة على قارئات نشرات الأخبار وتدرس لطلبة الأكاديميات المهتمة بالإعلام فى كل العالم لسنين طويلة ، وعندما بدأ بث قنوات تختص فى الأخبار اتبع القائمون عليها ذات المنهج .
لكن مؤخراً بعدما أصبحت شاشات هذه القنوات ملأى بمشاهد الحروب والدمار والدم، ظهر من ينادى بالتخفيف من حدة هذه الأخبار الجالبة للاكتئاب مما دفع معظم القنوات الإخبارية لإذاعة أخبار خفيفة وذات طابع ترفيهى .
البعض ذهب لأبعد من هذا بأن على مذيعات الأخبار تغيير المظهر التقليدى، والبعض ذهب أبعد وأبعد فتكلم عن قناة للأخبار تظهر جميع مذيعاتها عاريات تماماً أو شبه عاريات وهن تقدمن مشاهد الدمار فى العالم ، ولا أعتقد إن قناة كهذه ظهرت للنور ولو ظهرت لما استمرت و لو استمرت لما اهتم جمهورها كثيرا بالأخبار المذاعة، لكن على أى حال ظهرت مواقع كثيرة على شبكة المعلومات العالمية تتخذ منهجاً مقارباً فتقدم موضوعات جادة جداً سياسية أو علمية أو إعلانات تحليلية لبعض المنتجات، و تقوم بتقديم هذه الموضوعات فتيات ترتدين مايوهات أو ملابس نوم أو أى نوع مثير من الملابس ، وتحرص على أن تعد المشاهد كلما فتح صفحتها بأنه سيجد هذا الموقع الجاد " غير ممل على الإطلاق " . مثل هذه المواقع تجد إقبالاً كبيراً جداً ، يكفى أن تتصفح أعداد الزائرين أو تتابع الحوارات بينهم ، و كثيراً ما تجد مجادلات جادة تتناول المواضيع المطروحة، وطبعا بعض التعليقات تتغزل فى الفتاة أو تسبها أحياناً .
إحدى قنوات الأخبار العربية دخلت هذا السباق، و لازالت تهرول فى محاولة جادة لتغيير مظهر الجدية عند مذيعاتها بدءاً بالملابس و حتى الأداء ، فأنت للمرة الأولى تجد مقدمة نشرة إخبارية و قد اتسعت فتحة صدرها لتشمل الوطن العربى كله وتشمله العيون الجائعة التى تنتظر إطلالة المذيعة الفاتنة بين الأخبار، بل سحقاً للأخبار ، فأظن كثيراً من متابعى القناة الآن يتمنون ظهور أقل قدر من التقارير والصور الإخبارية التى تعكر صفو الحضور الأنثوى الطاغى، ويبدو أن المسئولين عن القناة أدركوا هذا التغير فى طبيعة المشاهدين فأصبحوا يقللون قدر إمكانهم التغطيات لمناطق الحروب والصراعات و الأزمات و يركزون أكثر على موضوعات خفيفة كأخبار النجوم و المهرجانات وما إلى ذلك .
وأصبحوا أكثر حرصاً على شكل مذيعات الأخبار اللاتى يظهرن كما لو كن مستنسخات تبعا لقانون معين فتجد جميع المذيعات ذوات بشرات وردية اللون ، لكن مذيعات الفقرات الاقتصادية ذوات شعر أسود مسترسل و مقدمات الأحداث الجارية شعرهن مجعد لونه يتراوح بين البنى و الذهبى بينما اختصت مقدمات الفقرات الرياضية بشعر قصير بعض خصلاته ملونة .
أما من حيث الأداء ، فكثيراً ما تترك المذيعة الطاولة التقليدية لتظهر وهى تتمشى فى الاستوديو، أو تجلس فى ركن ما ، وذلك يحدث أحيانا فى معظم النشرات العالمية، ويكون له سبب منطقى كأن تظهر خريطة مثلاً فى الخلفية أو صورة معينة مرتبطة بالحدث والحديث ، وحينها تجد المذيعة ترتدى بذة ذات تصميم رجالى ببنطال طويل ، وذلك ما لن يصادفك إلا قليلاً فى قناتنا العربية هذه، فلن تجد سبباً لتمشيتها متغنجة فى الاستوديو، ولن تجد البنطال أيضاً .
أما ما ستجده فهو ثقتها العالية جداً فى نفسها وفى تقبل الجمهور لها حتى إنها لو تعثرت مثلاً و هى تتمشى ، وكان ذلك كفيلاً فيما مضى بقطع الإرسال ، ولو تذكرون كان من يقرأ النشرات فيما مضى إن ( كح ) يعتذر للجمهور . لكن المذيعة المتأنقة لن تعبر الجمهور بل ستهمله مرة أخرى للرد على المخرج أو شخص آخر يخاطبها من داخل غرفة التحكم ، ويبدو إنه وبخها قائلاً : " مش تخلى بالك يا قمر " فتجيبه محتدة : " مش تقول لهم يصلحوا أرضية الاستوديو " طبعاً فالخطأ ليس خطأ الكعب العالى الذى ترتديه بل خطأ الأرض التى تمشى تحت قدميها ، أما المشاهدون الذين تناستهم تماماً فهى غير قلقة بشأنهم ، لمعرفتها ردة فعلهم إذ تعثرت ، طبعا شهقوا شهقة رجل واحد وبعضهم وقف مندفعاً قليلاً فى اتجاه التليفزيون ، وآخرون ظلوا فى أماكنهم لكنهم ضربوا صدورهم بأكفهم و قال الجميع فى لحظة واحدة : " اسم الله عليكى .. يا اختى " .
أحمد صلاح الدين يكتب..
قنوات الأخبار والتخلى عن الجدية
الثلاثاء، 18 أغسطس 2009 01:38 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة