محمد حمدى

ضحايا التربية!

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009 06:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على موقع اليوم السابع نشرت الزميلة الصحفية سارة الحلوس تحقيقا صحفيا جميلا عنوانه "ليه يا ماما ربتينى" .. صرخة الشباب المتربى، ويبدو من العنوان أنه تحقيق خفيف ينشر فى باب المنوعات الصحفية، لكنه فى الواقع يكشف عن أزمة أخلاقية حقيقية يعانى منها المجتمع لدرجة أن من تربوا على المبادئ يعانون ولا يستطيعون الحياة أو التواصل مع الآخرين.

منذ أكثر من عشرين عاما رزق قريب لى بتوأم، واتخذ قرارا غريبا كان مثار استهجان العائلة وتندرها، فقد قرر تعليم أحدهما تعليما رفيعا، وتربيته تربية محترمة جدا وتعليمه الصواب والخطأ.. بينما أخذ الثانى وهو فى الخامسة من عمره إلى ورشة ميكانيكا سيارات يمتلكها ليتعلم المهنة.. ويمارس الحياة فى الشارع دون أن يبذل معه أى مجهود على الإطلاق.

وحين كنا نسأل عم حلمى عن سر التمييز بين الولدين، يجيب على الفور: إذا استمرت الحياة على ما هى عليه فمن التحق بالورشة سيعرف كيف يسير فى الحياة ويرعى شقيقه حينما يكبر، أما إذا تغير حال البلد فالشقيق المتعلم والمتربى سيأخذ بيد شقيقه!

يبدو أن عم حلمى كان أكثر حكمة من كل من تندروا عليه، فأحد ولديه يدرس ماجستير الطب والجراحة الآن، لكنه لا يستطيع التواصل مع الآخرين، وبالطبع يتولى شقيقه الذى يدير ورشة والده الإنفاق عليه ومساعدته على تحمل تكاليف الدراسة وعلى تعليمه أمور الحياة التى يجهلها، وقواعد الشارع الذى غاب عنه!

ذكرنى تحقيق "ليه يا ماما ربتينى" بحكمة عم حلمى، فالنماذج التى تحدثت فى التحقيق تعانى مشاكل حقيقية بسبب التربية السليمة الصحيحة، فماذا يفعلون فى مجتمع يسير فيه كل شخص وهو يضع يده فى جيب الآخر.

نحن نصرخ نهارا جهارا من الفساد الحكومى، ولكن ماذا نفعل حين يفسد الناس، على سبيل المثال أطلب من كل قارئ مراجعة فاتورة مشترياته من أى سوبر ماركت كبير أو محل بقالة صغير، وسيجد دائما خطأ فى الحساب لصالح البائع طبعا!

ولا يستطيع أى مواطن إنجاز معاملة واحدة داخل أى مصلحة حكومية دون أن يدفع مقابلها، ليس رسوما للدولة، وإنما للموظف الذى يفتح درج مكتبه وقرر خصخصة الهيئة الحكومية التى يعمل بها لصالحه.

أتذكر أننى ذهبت قبل سنوات لزيارة مريض فى مستشفى الدمرداش وداخل المكان المخصص لانتظار السيارات وجدنا لافتة مكتوبا عليها ممنوع انتظار السيارات!.. ومع اندهاشنا حضر شرطى وقال بلهجة ساخرة: يا بيه الحكومة عاملة اليافطة دى عشان أربى ولادى منها!

وفى كل يوم يعود ابنى من مدرسته الخاصة التى أدفع فيها دم قلبى، أو من النادى العريق وهو يردد ألفاظا أقل ما يقال عنها إنها تخدش الحياء العام، وحين يضربه زميل فى المدرسة ولا تمنحه المدرسة حقه لأننى ربيته على عدم أخذ حقه بيده، وإنما اللجوء للمسئول، أتساءل: هل الشعور بالظلم والقهر الذى يعود به يساوى أن يكون طفلا مؤدبا!

سيقول الكثيرون إن غياب نموذج الدولة العادلة، وانتشار فساد الكبار، هما السبب فى أن كل مواطن يسعى لأخذ حقه بيده، وأن فساد الناس هو انعكاس لفساد السلطة، وهذا حقيقى، لكن الرهان على التغيير من أعل يعنى بلا شك استمرار أزمة الشارع.. وزيادة نسبة الجريمة، وانتشار الفساد، وغياب الأخلاق.. يا عينى عليكى يا مصر!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة