المستشار هشام البسطويسى – نائب رئيس محكمة النقض – إحدى الشخصيات البارزة فى تيار استقلال القضاء، ظل خلال العاميين الماضيين بعيدا عن وسائل الإعلام وظل يشاهد طيلة هذه الفترة ما يحدث داخل المجتمع المصرى عامة والساحة القضائية بشكل خاص، ويرصد كل كبيرة وصغيرة فيها، ويقارنها بما شاهده فى دولة الكويت، وفى حواره مع اليوم السابع أخرج البسطويسى ما فى جعبته من آراء وأفكار حول الانتخابات البرلمانية واستقلال القضاء فى البلدين مؤكدا على أن الفارق بينهما كبير.. فإلى نص الحوار:
شهدت فترة إعارتك للكويت أهم انتخابات فى تاريخ نوادى القضاة بمصر والتى لم يستطع تيار الاستقلال أن يحقق النجاح المنشود، فما هو السبب وراء ذلك؟
الدولة هى السبب وراء ما حدث فقد استطاعت إن تحشد كافة أسلحتها للتأثير على نتيجة الانتخابات وما حدث ليس هزيمة للاستقلال، لأن صوتنا لم يصمت بعد حتى يقول البعض إننا هزمنا وطالما إن الشعب المصرى مؤمن برسالتنا وقضيتنا فنحن لم نهزم بعد.
لكن البعض فسر نتيجة الانتخابات بأنها تغييرا فى أولويات القضاة التى أصبحت الاهتمام الخدمات و المغريات المادية، فهل تتفق مع هذا التفسير أم لا؟
لا اتفق مع هذا الكلام، المشكلة ليست فى نوادى القضاة وانتخاباتها لكنها أكبر من ذلك بكثير، فاحتياجات القضاة المادية هى جزء من مشاكل المصريين عامة والضغط على هذه الاحتياجات احد أساليب التأثير على آرائهم ولكن لا يعنى ذلك تغير أولوياتهم ومبادئهم.
هل ما أسفرت عنه الانتخابات دليل على وجود تكتلات داخل الساحة القضائية؟
طبعا، فمازال أعضاء التنظيم السرى للنظام موجودين داخل الساحة القضائية ويعملون لحسابه حتى لو أنكروا ذلك، فهم مواليون له ويعملون على تحقيق رغباته بصرف النظر عن مبادئ استقلال القضاء.
ما العدالة التى حصل عليها قضاة الاستقلال فى صراعهم مع الدولة، من وجهة نظرك؟
نحن لم نبحث عن عدالة نحصل عليها، لأن دفاعنا عن الشعب هو واجبنا فمرتباتنا هى من الضرائب التى يدفعونها من قوت يومهم وعرقهم ونحن لا نسعى لصراع فإذا كانت الانتخابات نزيهة كنا أول من سيشهد بها مثلما كنا أول من أعلن عن تزويرها.
المهم بالنسبة لنا هو مصلحة الشعب ودفعه للمطالبة بحقه ورفضه لمشروع التوريث الذى يعوق أى تطور حقيقى فى مصر، فلو قدر لهذا المشروع أن يستمر سيعانى الشعب المصرى من آثاره المدمرة التى ستكون أشد من نكسة 1967، بجانب توقف البحث العلمى الحقيقى وتدمير المنظومة التعليمية، فعلينا أن نتخلص من هذه المعوقات والفساد الذى ينتشر فى مصر حتى نستطيع أن ننطلق انطلاقة جديدة من خلال التعليم الذى يعد مفتاح الأمل والدعم الحقيقى للبحث العلمى.
البعض يعتبر كلامك كقاضى عن قضية كـ"التوريث" هو حديث فى السياسة وهو أمر محظور على القاضى التحدث فيه؟
من حقى الحديث فى السياسة كأى مواطن مصرى يشارك فى هموم بلده فكيف يمكن لقاضى أن يحكم فى القضايا وهو منفصل عما يدور حوله بل هذا ليس مجرد حق بل واجب علينا.
لكن كيف يستطيع أن يحكم القاضى على متهم وهو مختلف معه فى رأى سياسى؟
القاضى فى أى موضوع لابد وأن يتجرد تماما من آرائه ومواقفه سياسية كانت أم اجتماعية بل
ويتجرد من عواطفه كاملة وإذا استشعر بالحرج لأى سبب من هذه الاسباب فمن حقه أن يتنازل عن القضية، ولكن نحن كقضاة تم تدريبنا على كيفية التجرد من أى مشاعر أو مواقف عند الحكم فى القضايا، فالأمر ليس صعبا علينا ولعل السبب وراء الترويج إلى أن حديثنا فى السياسة محظور هو أن الدولة رفعت هذا الشعار ضدنا على الرغم من انها سمحت به للبعض وعلى رأسهم المستشار مقبل شاكر، حينما كان رئيسا لمجلس القضاء الأعلى فكان دائما يظهر فى الفضائيات فى حين كان يحرمنا من هذا الحق، بل كان يظهر فى برامج ترفيهية وأغانى وهو أمر لا يليق بمكانة القضاة.
اختار المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة الحالى وعدد من رؤساء الأندية المستشار، مقبل شاكر رئيسا شرفيا للنادى مدى الحياة، فما رأيك فى هذا الاختيار؟
العبرة ليست فى اختيار مقبل شاكر، لكن العبرة بعدد القضاة الذين اختاروه، فعندما اختار المجلس السابق المستشار يحى الرفاعى رحمه الله رئيسا شرفيا للنادى مدى الحياة كان اختياره ليس من القضاة المؤيدين له فقط، بل ومن خصومه فالجميع اختاره بدون تردد، ومع احترامى للجميع فالرفاعى قيمة قضائية وعلمية ووطنية لا يصح مقارنتها بأحد، أما مقبل شاكر فأنا لا أرغب فى التحدث عنه فمن الممكن أن يقوم بذلك شخص آخر غيرى.
قبل زيارتك لمصر، حدثت أزمة كبيرة بين وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى حول زيادة أعضاء المجلس برؤساء المحاكم الابتدائية، فما هو رأيك فى ذلك؟
المشكلة ليست فى زيادة أعضاء المجلس، لكنها تتمثل فى مدى رغبة الدولة ممثلة فى وزارة العدل فى فرض سيطرتها على القضاء والتدخل فى شئونه، عكس ما نص عليه الدستور
والمواثيق الدولية التى وقعت عليه مصر من إن دورها الاساسى هو دعم استقلال القضاء، الأمر الذى ينبأ بتعرضها لعقوبات دولية.
بصفتك قاضيا، كيف ترى قرار وزارة العدل الأخير بمنع إرسال الدعاوى القضائية إلى مكاتب الخبراء والتى بموجبها حدثت أزمة كبيرة بينهم وبين الوزارة؟
أولا الكتاب الدورى رقم 8 الذى أصدرته الوزارة ويقضى بمنع إرسال الدعاوى القضائية داخل مكاتب الخبراء لا يتعارض مطلقا مع القانون الذى ينص على أن الاطلاع على الملفات يكون فى المحاكم، ولكن السبب وراء الأزمة هو سياسة وزارة العدل و طريقة تعاملها مع هذه الأزمة الحالية، فقد كانت الوزارة تستطيع أن ترضى جميع الاطراف ببساطة شديدة من خلال إصدار قرار وزارى يقضى بإرسال صور ضوئية من المستندات إلى مكاتب الخبراء، لتسهيل عملهم ولا أعتقد أن الخبراء هدفهم تعطيل مصلحة المتقاضيين، وأنا لا أعرف ما هو السبب عند مسئولى الوزارة حتى الآن.
كما أن مطلب الخبراء بالمساواة مع هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية هو مطلب مشروع لهم فإذا كان أعضاء قضايا الدولة وهم محامون فى الأصل، أصبحوا يتمتعون بالحصانة القضائية، فمن الأولى أن يمنح الخبراء هذه الحصانة بصفتهم جهة محايدة أثناء نظر القضايا، كما يجب أن يحصل على الحصانة جميع أعوان القضاة من أمناء سر الجلسات والمحضرين، بل ورجال الشرطة أيضا، فطالما منحت الدولة الحصانة لفئة منهم يجب عليها أن تطبق مبدأ المساواة وتمنحها للجميع، علاوة على ذلك فالخبراء بحاجة إلى قانون جديد ينظم عملهم ويوفر لهم الحماية ويحفظ لهم الكرامة بدلا من التعرض لأى أذى أثناء نظر القضايا التى تصل بعضها إلى ملايين الجنيهات.
عامان كاملان مرا على إعارتك للكويت، كيف تقيم الفارق بين استقلال القضاء فى مصر
والكويت؟
الفارق كبير، فالقضاء الكويتى يتمتع باستقلال مالى وإدارى عن السلطة التنفيذية، كما أن وزير العدل لا يستطيع أن يتدخل فى شأن من شئون العدالة علاوة على أن القضاة لا يتعرضون لأى نوع من الضغوط سواء من الصحافة والإعلام أو من الرأى العام أثناء نظر الدعاوى القضائية، وهناك واقعة شهيرة يمكن إن نستدل بها على مدى استقلال القضاء الكويتى وهى عندما أصدر أحد القضاة حكما بإغلاق البورصة فى الكويت، فعلى الرغم من خطورة هذا الحكم على النواحى الاقتصادية فى البلاد، إلا أن الحكومة امتثلت للحكم و قامت بتنفيذه إلى أن طعنت عليه أمام الدرجة الثانية من التقاضى والتى ثبت فيها أن الحكم الأول جانبه الصواب، أما القضاء فى مصر فهو يعانى من عيوب كثيرة تتمثل فى تدخل وزارة العدل فى شئون القضاء واستقلاله.
هل معنى كلامك أن وزارة العدل هى إحدى المؤسسات المعادية لاستقلال القضاء فى مصر؟
لا توجد وزارة أو وزير مسئول عن سياستها وتعاملها داخل المجتمع، فالمستشار ممدوح مرعى هو موظف عند الدولة وعند رئيس الجمهورية الذى اعتبره هو المسئول عما يحدث لاستقلال القضاء وكل ما يحدث فى المجتمع.
منذ أشهر عديدة عانى القضاة المصريون من عدم مساواتهم مع ذويهم فى الكويت، فإلى أين وصلت هذه الأزمة؟
بداية القضاة فى الكويت يعاملون معاملة جيدة ويتمتعون بالاحترام الكامل كأى مواطن مصرى يعيش هناك، كأنه فى وطنه تماما، ولا توجد سوى المشكلة الأخيرة الخاصة باعتراض بعض القضاة المصريين على عدم مساواتهم بذويهم من الكويت، أنا على يقين أن هذه المشكلة سيتم حلها، فهناك محاولات جادة لحلها من قبل مجلس القضاء الكويتى، فهناك حقيقة يجب ذكرها هو أننا لمسنا إن القضاء فى الكويت أكثر استقلالا من القضاء المصرى الذى تنتقص الحكومة منه.
أثناء إعارتك شهدت الانتخابات البرلمانية للكويت، فما الفارق بينها وبين انتخابات مصر 2005؟
انتخابات الكويت هى أكثر انتخابات رأيتها فى حياتى نزاهة وشفافية، فهى تمت تحت شعار قاضى لكل صندوق على خلاف ما يزعمه بعض الجهلاء بأن مصر هى الوحيدة التى طبقت هذا الشعار، والغريب أن غالبية القضاة الذين أشرفوا على انتخابات الكويت كانوا مصريين، كدليل على الثقة فى القضاء المصرى، وكان أهم ما يميز هذه الانتخابات أن دور جهاز الشرطة لا يتعدى سوى حفظ الأمن والالتزام بتنفيذ طلبات رجال القضاء، كما أنها تمت تحت رقابة القضاة والصحافة المحلية والعالمية علاوة على الإشراف الدولى عليها، وكان الفرز يتم فى العلن وتحت مرأى ومسمع الجميع، بينما التصويت كان يتمتع بالسرية التامة على عكس الانتخابات فى مصر التى تفرز الصناديق فى الخفاء الأمر الذى أدى إلى التزوير وعدم نزاهة الانتخابات البرلمانية فى 2005 وبموجب التعديلات الدستورية الأخيرة، فإن جميع الضمانات لنزاهة الانتخابات تم إلغاؤها.
المراقبة الدولية على الانتخابات القادمة، فكرة اقترحها عدد من قضاة مؤخرا، ولكن البعض
وجه لهم اتهامات بأن اقتراحهم ذريعة للتدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية لمصر، فما هو ردك؟
هذا سخف لا يجب الرد عليه لأنها مجرد أقاويل لا يراد بها إلا الباطل، لأن مصر شاركت من قبل فى الرقابة الدولية على الانتخابات الامريكية وانتخابات اليمن، فمن يرغب فى انتخابات نزيهة لا يخشى العلن ولا المراقبة الدولية، بل على العكس يتباهى بأن العالم كله سيشهد بنزاهة الانتخابات.
"اتحاد القضاة العرب" أحد أفكارك للخروج باستقلال القضاء من مأزق التدخل فى شئونه
واستعادته مرة أخرى، فإلى أى مرحلة وصلت هذه الفكرة؟
الاتحاد أصبح يضم 120 قاضيا من 12 دولة عربية، كما قمنا بعمل مشروع لائحة الاتحاد ووثائقه، ولكن المشكلة الأكبر التى تقف أمامنا هى عدم ترحيب أية دولة عربية بهذه الفكرة ولا يوجد أى منها لديه الاستعداد لاستضافة المؤتمر الأول للاتحاد، حيث تفرض كل دولة شروط مسبقة قبل عقد المؤتمر وهو الأمر الذى نرفضه.
هل معنى ذلك أن الاتحاد غير قابل للتأسيس؟
الأمر ليس كذلك، فالفكرة لن تموت ولكنها بحاجة إلى مزيد من الوقت حتى يتم تنفيذها هناك اتصالات بشكل دائم بين القضاة المنتمين للاتحاد ندرس فيه حلولا وسبل جديدة لتأسيس الاتحاد.
المستشار هشام البسطويسى – نائب رئيس محكمة النقض
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة