محمد حمدى

الدولة المذعورة

الإثنين، 17 أغسطس 2009 03:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لسنوات طويلة تمتعت الدولة المصرية بخبرة إدارية وسياسية لم تكن خافية، وبغض النظر عن إخفاقها الكبير فى ملف الحريات العامة وحقوق الإنسان، فإنها تمتعت طويلاً بالقدرة على الإدارة والدراسة المتأنية قبل اتخاذ القرار.

صحيح أن مصر لم تعرف الوزير السياسى كثيراً منذ قيام ثورة يوليو، لكن فى كافة الوزارات ومراكز صناعة القرار، احتشد الخبراء الذين يشكلون العقل الإدرى للدولة المصرية حتى اختفى هذا العقل أو على الأحرى طار.

فى الخمس سنوات الأخيرة، وهى تحديداً الفترة التى تولى فيها الدكتور أحمد نظيف رئاسة الحكومة، حدث انقلاب صامت على الخبرات المتراكمة فى دواليب الحكومة، وبدعوى سيادة العقلية البيروقراطية، وهذا صحيح، تم التخلص من أغلب الكفاءات الإدارية، وفى أفضل الأحوال جرى الاحتفاظ بها بدون صلاحيات.

وتوسع الوزراء فى استقدام المستشارين والمعاونيين من القطاع الخاص، تحت ذريعة الحاجة إلى متخصصين فى الإدارة ممن أثبتوا نجاحات فى شركات أو مشروعات خاصة، ونقل الخبرة الإدارية الخاصة إلى القطاع الحكومى لتحديثه، وإكسابه مهارات جديدة فى الإدارة والقدرة والسرعة فى اتخاذ القرار.

وليس خافياً على أحد أن المسيطرين فى عدد غير قليل من الوزارات التى يترأسها وزير من رجال الأعمال جاءوا من شركاته ومشروعاته الخاصة، وجرى تكييف أوضاعهم بشكل قانونى، ومنحهم مرتبات ومكافآت تفوق فى حالات عدة ما كانوا يحصلون عليه فى القطاع الخاص، وبعض هؤلاء المعاونين لا يزالون يحتفظون بوظائفهم الخاصة أيضاً.

ولا أريد الخوض فى موضوع تضارب المصالح، فالحكومة الحالية تغض البصر عنه باعتباره من المحرمات أو الكبائر، ولا تشغل بالها كثيراً بهل الوزير الفلانى ومعاونه تخلوا عن أعمالهم الخاصة أم لا؟.. ما يهمنا أكثر هو السؤال: هل نجح القطاع الخاص حين سيطر على الحكومة فى تطوير الإدارة الحكومية المصرية؟

الإجابة قولاً واحداً هى لا، بل على العكس تماما، فلا هى نقلت خبرة القطاع الخاص، ولا هى حافظت على الخبرة الإدارية المتوارثة، وفى أفضل الأحوال تحولت إلى إدارة مذعورة جدا جدا خاصة فى الأزمات.

مثلا فى أزمة أنفلونزا الخنازير، صدر قرار متسرع جرى دعمه فى البرلمان بالتخلص الفورى من الخنازير وذبحها جميعا، رغم أن القضية لا تتعلق بالخنازير كحيوانات وإنما بطريقة تغذيتها على الزبالة.

ونفس الأمر حدث مع موضوع تأجيل العمرة والخيام الرمضانية، فقد صدر قرار وقف العمرة بشكل مفاجئ، بينما كان على الدولة أن تصدر تحذيرات لمواطنيها كما تفعل كل الدول المحترمة، بينما السفر إلى العمرة أو إلى أمريكا أو غيرها من الدول التى ينتشر بها الفيروس أكثر من السعودية هو أمر يتعلق بالحرية الشخصية والحق فى ممارسة الشعائر والعبادات، وعلى الدولة أن تفرض حجراً صحياً على القادمين من تلك الدول لمن يريد السفر إليها، وذلك لكى تحمى مواطنيها فى الداخل.

وفى قضية الخيام الثقافية وموائد الرحمن ليس مطلوباً إلغاؤها بأى حال من الأحوال، وإنما على وزارة الصحة أن تصدر اشتراطات إنشاء هذه الخيام وطرق التهوية بها، كما حدث مع خيام الامتحانات فى الجامعات وغيرها، ويكون على السلطات الصحية والمحليات مراقبة تلك الخيام ومدى مطابقتها للاشتراطات الصحية.

وإذا كانت القضية تتعلق بالتجمعات، فلماذا لم تمنع وزارة الصحة الجماهير من الحضور فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة التى تتسع لثلاثين ألف شخص وتقام بها بطولة العالم لكرة اليد وليس بها أى منفذ تهوية، ونفس الأمر ينطبق على دور السينما والمسرح، وحتى المعسكرات الشبابية التى تعمل طوال الصيف ويذهب إليها المسئولون للقاء شباب الجامعات فى الإسكندرية وبورسعيد وغيرها.

هذه بعض النماذج التى تكشف عن دولة مذعورة عديمة الخبرة، تكيل بمكيالين لذلك لا يصدقها المواطنون، ولا يتفاعلون مع قراراتها، ولا يثقون فيها، وتلك مشكلة ما بعدها مشكلة!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة