أثارت قضية رجل الأعمال وجيه سياج مع الحكومة المصرية ولجوؤه إلى التحكيم الدولى العديد من التساؤلات لدى الرأى العام أهمها ما يخص طبيعة العقود المبرمة بين رجال الأعمال والحكومة، وهى كيف لا يشترط العقد المبرم بين الحكومة والمستثمر الأجنبى أو من يحمل جنسية أخرى غير المصرية على بنود تضمن حق الدولة إذا حدث نزاع؟ خاصة بعد أن أكد خبراء القانون أن هذه العقود تضمنت أخطاء قانونية فادحة كبدت الدولة خسائر بالمليارات فى شكل تعويضات وغرامات، وكيف تحرر عقود الشركات الأجنبية فى مصر؟ وهل يتم تحريرها عن طريق جهات حكومية ممثلة فى الوزراء والمسئولين؟ أم عن طريق الخبراء والمراكز المتخصصة فقط؟
الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادى أكد أن وزارة الاستثمار تعتبر هى الجهة المعنية بتحرير عقود الاستثمارات الأجنبية بمصر وهى الجهة المعنية بالمشروعات الجديدة سواء كانت أجنبية أو مصرية، ولكن فى بعض الحالات تذهب الصـفقة إلى الجهة المختصة بها قبل وزارة الاستثمار، مثلما حدث مع قضية وجيه سياج حيث ذهب العقد أولا إلى وزارة السياحة أى حسب النشاط الذى ستعمل به الشركة الجديدة، وأضاف جودة إننا نفتقر للعمل الجاد بين الحكومة والمستثمر بل يتم التعامل فى الكثير من الاستثمارات بإبرام العقود بما يضمن منفعة الطرفين فقط دون وجود شروط دولية صحيحة نرجع إليها فى حالة المنازعات.
الدكتور أحمد فوزى أستاذ القانون الدولى أكد أن هناك مكاتب متخصصة ومراكز تحسم هذه الأمور بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، وبالأعراف الدولية الملزمة دوليا، مشيرا إلى أن هناك نوعا من العقود تتجاهله الحكومة تماما عند إبرام العقود مع جهات أجنبية أو أفراد مزدوجى الجنسية، وهو «المشاركة» حيث يعتبر نوعا من العقود فى المعاملات الاستثمارية التى تتعدى حدود البلد وتدخل ضمن الاتفاق الدولى، مشيرا إلى أن هناك العديد من المراكز فى مصر التى تنظر قضايا دولية وجميعها مراكز تحكيم كبيرة خاصة بتسوية المنازعات، بل إنها تكون على صلة كبيرة بالمراكز المتخصصة بإبرام العقود الأجنبية فى مصر، لكن لا يوجد ثقافة وإدراك بهذه المكاتب وبالتالى فالأفراد أو الشركات الأجنبية يلجأون إلى الخارج للتحكيم وهذا هو خطأ الحكومة والمسئولين، وأضاف فوزى: إن الحكومة ترتكب خطأ كبيرا أثناء إبرام العقود الاستثمارية الأجنبية سواء مع شركات أو أفراد وهى عدم الاشتراط فى العقد أنه فى حالة النزاع، تقوم المحاكم الوطنية أولا بفض النزاع ومن هنا لا تلجأ الشركات إلى التحكيم الدولى.
الدكتور محمد رفعت أستاذ القانون الدولى ومندوب مصر السابق لدى اليونسكو أكد أن مصر تفتقد الاهتمام بآليات تحرير العقود الأجنبية ومكاتب فض المنازعات الدولية رغم توقيعها على العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذا الشأن، مضيفا أن مصر خسرت أكثر من 64 قضية عقود استثمارية خارجية بسبب عدم الوعى ببنود العقود المبرمة بين الحكومة وهذه الشركات، وعن عدد مكاتب التحكيم فى مصر والتى من شأنها فض المنازعات أكد أنه يوجد أكثر من 12 مكتب تحكيم ومعظمهم موقعون على اتفاقيات تحكيم دولية، موضحا أن هذه المكاتب تفتقر أيضا للكوادر التى تستطيع الخوض فى قضايا تحتاج إلى سياسة النفس الطويل، وتعليقا على أشهر قضية تحكيم دولى تنظر الآن وهى قضية رجل الأعمال وجيه سياج أكد أن هذه القضية استند صاحبها إلى أنه صاحب جنسية مزدوجة وهو الباب الخلفى الذى ينفذ منه البعض لرفع دعاوى قضائية ضد مصر فى مجال الاستثمار قد تصل إلى حد الابتزاز، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 15 قضية أخرى من هذا النوع من مزدوجى الجنسيات مرفوعة ضد مصر أمام المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار.
وعن خسائر مصر فى قضايا التحكيم الدولى نتيجة مخالفة بنود العقد أكد أستاذ القانون الدولى أن خسائر قضايا التحكيم الدولى ليست بجديدة على مصر فهناك عدد من القضايا المعروفة أهمها القضية التى كبدت مصر حوالى 530 مليون دولار وكانت بين وزارة الطيران المدنى وبين هيئة بريطانية حصلت على أحقية بناء مطار فى مدينة رأس سدر، ولمخالفة الجانب المصرى لبنود العقد وبإحالة القضية إلى التحكيم بمركز بمدينة مدريد الإسبانية تم الحجز على ما يوازى 530 مليون دولار من أموال وزارة الطيران بالبنوك الخارجية، وهو ما يوضح حجم الفاجعة التى نحن فيها ولم نتعلم أبدا من أخطائنا سواء فى تحرير العقود أو الشروط التى يجب أن نضعها فى هذه العقود.
يؤكد الدكتور عبدالله الأشعل أستاذ القانون الدولى ومساعد وزير الخارجية الأسبق أن هناك استهتارا كبيرا من قبل المسئولين والوزراء بالعقود التى تبرم مع شركات أجنبية أو أفراد أصحاب جنسية مزدوجة، مشيرا إلى أن مصر خسرت جميع القضايا التى كانت طرفا فيها مع جهات أخرى أمام «أكسيد»، وأضاف الأشعل أنه طالب من قبل بوجود «مجلس قومى للتحكيم» يضم الوزراء المعنيين ويقوم بإدارة الخلاف قبل أن يصبح نزاعا بين الدولة والمستثمر، لكن لم يستمع إليه أحد، وبسؤاله عن اختصاصات هذا المجلس أكد الأشعل أنه يختص باختيار بيت الخبرة ومكتب المحاماة وبالتالى نستطيع أن نقف ضد أى جهة، كما يقوم المجلس بعمل تقارير عن مخالفات الوزراء التى تورط مصر وتعرض على رئيس الجمهورية.
حافظ أبوسعدة محامى المنازعات الدولية أكد أن هناك نماذج موجودة بالفعل يجب أن نتخذها عند تحرير العقود وليس كما يتم الآن بأن يجلس المستثمر مع الطرف الآخر ويضعوا البنود التى يرونها فى صالح الطرفين، مشيرا إلى أن عقد «فيديك» يعتبر من أشهر العقود الدولية المعروفة للعالم بأكمله والذى يأخذ شكلا دوليا من الناحية الاستثمارية، حيث من أهم شروطه أنه فى حالة المنازعات، أن تختص الدولة أولا بحل الأمر داخليا وعند فشلها فى ذلك تلجأ للتحكيم الدولى وهذا سيجنب مصر العديد من الخسائر التى تتكبدها فى التحكيم أمام جهات دولية خارجية، وأضاف أبوسعدة أن الحكومة عليها أن تتعامل بهذه النماذج من العقود التى تضمن آليات للحماية سواء للدولة أو الطرف الآخر الأجنبى، وعن قضية سياج المثارة حاليا أكد أبوسعدة أن الحكومة أخطأت خطأ فادحا فى نص العقد المبرم بينها وبين سياج، وأنها أعطت له الفرصة للجوء إلى التحكيم الدولى لأن العقد المبرم لم يتضمن أنه فى حالة النزاع بين المستثمر والدولة أن يختص مجلس تحكيم القاهرة الدولى بفض المنازعات وهو مجلس كبير يختص بالنظر فى مثل هذه المنازعات، بل تركت الحكومة «الحبل على الغارب» الذى جعل سياج يتحايل بجنسيته الأجنبية للحصول على حقه.
لمعلوماتك...
◄500 مليون دولار قيمة التعويض فى قضية ماليكورب الدولية الشهيرة ضد مصر منذ سنوات
خبراء قانون: توجد مراكز متخصصة يتم تجاهلها لصالح جلوس الطرفين للاتفاق بينهما
قضية سياج تطرح السؤال من جديد..من يحرر العقود مع الشركات الأجنبية فى مصر؟
الخميس، 13 أغسطس 2009 04:27 م
حافظ أبوسعدة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة