هناك حقيقة قائمة لا شك فى اتصالها بالواقع والسير المنطقى للأمور العقلية، وفقا لما جاء على لسان فقهاء الشريعة الإسلامية (حجب أى حوار و مناقشات بين المسائل الفكرية) التى قد تكون محل جدل فيما بين رجال الدين وصفوة المفكرين وكما قال ابن رشد "و هو من صفوة مفكرى العالم الإسلامى"، هناك بعض الموضوعات يجب حجبها عن الجمهور ويقصد بها عوام الناس غير المختصين المتعمقين فى علوم الشريعة ذات الأبحر العميقة، وأيضا قضية التكفير للآخر واتهامه بأنه كافر، فهذه مسألة فى غاية الخطورة ودليل على بهتان الفكر، و حذر ابن رشد أيضا من عوار هذا المنهج و كثير من العلماء يقرر ذلك، ويقول ابن رشد ((من ذا الذى يملك التكفير إلا الذى يملك الحقيقة المطلقة، ومن ذا الذى يملك الحقيقة المطلقة سوى الله، وهل يحق لبشر أن يضع نفسه فى مكانة الله الحق المطلق الذى ليس كمثلة شىء)).
مسألة التكفير ومسألة عرض اختلافات وخلافات الفقهاء من المسائل التى يتحتم حجبها عن الجمهور لشدة الآثار المترتبة عليها ، وما دفعنى إلى إمساك القلم بعد توقف دام لوقت ما شاهدته فى برنامج 48 ساعة و مقدمه ـ رجل محترم و معه مذيعة فاضلة ـ كلاهما له منى كل التقدير والاحترام، ولكن إراقة الدماء فى البرامج الليلية التى ذاع صيتها فى الآونة الأخيرة بات بلاء ودمار وخراب يعم على الأمة وخصوصا بعد ذيوع القنوات الفضائية وسهولة شراء قنوات وبث برامج لاشك أنه تبث فكر ومنهج مقصود منه شىء!.
فبغض النظر عن عوام القنوات ذات العرض المستمر على مدار الليل فالأمر لم ولن يكن على الإطلاق أسير التحدث عن البرامج الليلية بقدر ما هو محصور ومقصور على هذا البرنامج.
فى البداية استعرض بصفة عامة ما جاء فى البرنامج ثم استعرض إشكاليات ما حدث موضوع البرنامج المتشعب إلى موضوعات تابعت منها اثنين فقط وكليهما أخطر وأدل من الآخر مع الأخذ فى الاعتبار الضيوف الحاضرين والغائبين، العملية فى إجمالها كارثة من وجهة نظرى وأعتقد بيقين أنها كارثة بالنسبة لكل إنسان حريص على مصلحة الأمة من وضع الغمة.
قضية البرنامج أسيرة دكتور وشيخ لست أدرى إن كان من الأزهر من عدمه، وهو ضيف حاضر بشخصه، والصحفى صلاح عيسى له منا كل حب لأنه عنده رؤية فكرية ومنهجية، ولكن نجح الشيخ المبجل الذى يمثل فكره المعيب، ومنهجه المشوب العوار والقصور المبطل، والضيوف على الساحة التليفونية شاعر لا أذكر اسمه، ولكنه هو صاحب القصيدة التى بسببها تم سحب ترخيص مجلة إبداع، والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الأدب على قصيدة كتبها ـ من وجهة نظر الدكتور الفضيل ـ أنها تسب الإسلام و تهدر قواعده، فالأمر توجيه تكفير إلى الشاعر وكيف يحصل هذا الرجل على جائزة معنوية ومبلغ مالى نظير سبه للإسلام، الأمر الذى دفع الشيخ بتكفيره، فالأمر فى غاية السفه لأن ما حدث فاقد لجوانب كثيرة:"افتقد الحوار الدائر إلى احترام وجهات النظر، من جانب ومن وجه آخر عدم احترام قواعد الشريعة"، وأرى ما حدث إساءة للإسلام، ولصفوة المفكرين و العلماء وللأسف الشديد أن الشيخ الدكتور هو الذى كفر الشاعر الحاصل على الجائزة على الملأ متناسى أنه قدوة حسنة ونموذج يؤثر فى الناس، وخاصة البسطاء منهم وأصحاب الفكر البسيط لا يمكن بأى شكل كان يفصح عن ذلك سواء على الهواء و على الملأ أو فى الخفاء من التعبير عن رأيه ولكن فى ضوء رؤية موضوعية ذات مرجعيات تهدر ما جاء به الشاعر و تنفيه هكذا يتعامل صفوة العلماء و هو من المفروض منهم، ولكن أخطأ وأضل الطريق مما يتوجب محاسبته إنسانيا لجريمة ارتكبها فى حق العوام لأنه هناك وللأسف بعض الناس يتبعون مثل هؤلاء على اعتبار أن مصدر ثقافتهم الوسيلة الإعلامية.
الشيخ الجليل لم ولن يتبين ما وراء النص الشعرى وأبعاده ولا حتى تاريخ ظهوره هل كان حقا قبل الإسلام من عدمه كى يستطيع أن يحكم .. فهو حقا إنسان ذو حرية فى الفكر والرأى ويستحق أن يكون قدوة حسنة، والأمر المستفز فى الموقف هو استعراض الصراعات بعنف فى الحوار بين ضيوف الاستوديو والهاتف كما لو كانو فى حالة تصفية حسابات.
لو كانت هذه الطريقة هى محور التعامل فيما بين العلماء فما الأمر إذن بين العوام وهل فكر واحد منهم فى خطورة ما حدث من حوار وطريقة مناقشة على العامة من الجمهور؟!.. أشك فى ذلك.
عمرو أنور يكتب..الجمهور بين صراع الفقهاء والعلماء
الخميس، 13 أغسطس 2009 02:11 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة