من الصعب اعتبار الصراع بين الدكتور سعد الدين إبراهيم والسلطة الحاكمة صراعا سياسيا، فقد تخطى هذا الأمر منذ زمن.. وانتقل إلى الإمعان فى الخصومة، أو ما يمكن أن نسميه الكيد السياسى.. كل طرف يريد «عكننة» الطرف الثانى، لا أن يخوض معه صراعا إيجابيا.
الحقيقة أن الدكتور سعد من أكثر الحالات السياسية دراماتيكية فى مصر، فقد انتقل من خانة مستشار الرئاسة لبعض الوقت إلى سجن طرة.. فبعد أن كان الناصح لنظام الحكم أصبح المعادى والكاره لكل ما يمت له بصلة. ووقع بسبب ذلك فى فخ الخلط بين نظام مبارك وبين الدولة المصرية.. فمطالباته الملحة لإدارة بوش، على سبيل المثال، بتخفيض المعونة الأمريكية لمعاقبة النظام، هى بشكل أو بآخر إضرار بمصلحة المصريين.
ومع ذلك التمس بعض العذر للرجل فى استقوائه بالخارج الأمريكى والغربى، بل ويمكننى تفهم أنه سوف يستمر فى الطريق الذى اختاره، رغم أن إدارة بوش فى النهاية لم تحول مصر إلى جنة للديمقراطية، ورغم أن إدارة أوباما غيرت الأسلوب والطريقة وها هى تعترف بأحمدى نجاد رئيسا منتخبا لإيران، وهى التى تحاول إيجاد صيغة أخرى أكثر هدوءا لتحقيق مصالحها، وهى الإدارة التى لم تستمع حتى لاقتراح الدكتور سعد باختيار تركيا أو أندونيسيا بدلا من القاهرة لإلقاء خطاب أوباما للعالم الإسلامى.
ولكن لماذا ألتمس له العذر؟
الأسباب كثيرة، أولها أن آراء الدكتور سعد لم تكن أكثر شراسة من بعض المعارضين، فهناك من هو أكثر منه قسوة، تصل أحيانا إلى حد الشتائم الشخصية للكبار، وحتى تحذيراته المبكرة من توريث الحكم، فقد شاركه فيها آخرون، وشاركته صحف كانت أولاها صحيفة العربى التى يصدرها الحزب الناصرى وكان لى شرف المشاركة فيها.
ومع ذلك فقد تعرض الدكتور سعد إلى الكثير والكثير، سجن بتهمة تلقى تبرعات من الخارج بدون ترخيص، وإذاعة بيانات وإشاعات تسىء لسمعة مصر بالخارج بخصوص تزوير الانتخابات ووجود اضطهاد دينى للأقباط فى مصر، والنصب على الاتحاد الأوروبى.. وهى اتهامات فظيعة تستند فى عقوبتها على قوانين جائرة ولكنها جعلت الرجل فى النهاية خلف أسوار مزرعة سجن طرة.
أضف إلى ذلك العديد من البلاغات التى تقدم بها أعضاء من الحزب الحاكم للقضاء، وتحمل اتهامات مروعة منها العمالة والتجسس وتشويه سمعة مصر وغيرها وغيرها، وقد برأته المحكمة من واحدة وتبحث محاكم أخرى باقى البلاغات، ناهيك عن الحملات الصحفية والإعلامية التى لا تتوقف والتى تلصق بالرجل أفظع التهم.
هذا التعنت الزائد وغير المبرر، من الذين لا نعرفهم فى السلطة الحاكمة، من الصعب أن تجد له منطقا، وهو ما يمكن أن نعتبره انفلاتا فى الخصومة، يقترب من التنكيل الذى يقتل جوهر السياسة ويحولها إلى عداء ليس له أى حل من أى نوع.
ولكن على الجهة الأخرى لم يكن الدكتور سعد هو الحمل الوديع، فقد نقل معركته من على أرض مصر إلى الخارج.. والخارج هنا يعنى الغرب والولايات المتحدة وفى الدوائر التى تزعج السلطة الحاكمة.. مقابلات مع بوش وأعضاء كونجرس ومراكز أبحاث.. مؤتمرات فى الكثير والكثير من دول العالم، إنه التحريض ثم التحريض كما قال الدكتور سعد بنفسه لعدد من الصحف الأوروبية والأمريكية.
ولكن العيار أفلت من الدكتور سعد، وانتقل من خانة العداء للسلطة الحاكمة إلى خانة الإضرار بالدولة المصرية، أو إضعافها، ومن وجهة نظره هذا يضعف النظام الحاكم ويسقطه. وهى وجهة نظر يتبناها الكثير من المعارضين متناسين أن إضعاف الدولة هو تدمير لنا جميعا، فلا يمكن أن يأتى نظام حكم جديد على «خرابة».
ليس هذا هو الخطأ الوحيد، فقد تمادى الدكتور سعد فى خصومته، عندما مدح الشيخة موزة زوجة أمير قطر أكثر من مرة، بعد أن أسست المؤسسة العربية للديمقراطية.. والتى دعمتها بعشرة ملايين دولار وجعلت منه الركيزة الأساسية لها، وتحدث عنها وكأنها رسول الحريات، فهل منطقى أن يكون النظام القطرى أكثر احتراما للحريات من النظام المصرى؟
بالطبع لا.. وهذا بالضبط هو ما يمكن أن نسميه الكيد السياسى، أى كل طرف يغيظ الآخر، يكيده، ينكل به، يريد إهانته، فيمدح من هم أقل منه بكثير، ومن يناوشونه هنا وهناك فى المنطقة.. وهذا هو الخطأ الأكبر الذى وقع فيه الدكتور سعد الدين إبراهيم، ووقعت فيه فى ذات الوقت السلطة الحاكمة، فتركت بعض رجالها يجرجرون الدكتور سعد إلى المحاكم فى تهم لا تليق وتقض مضجع الرجل وتجعله يمعن فى الخصومة.
وقبل أن أختم بقى أمران، الأول هو أننى لا أساوى بين السلطة الحاكمة والدكتور سعد، ففى النهاية هو فرد، ومن ثم فالمدان الأكبر هو السلطة بكل بطشها وجبروتها. الأمر الثانى هو حدسى، وربما أكون مخطئا، بأن هناك أشياء لم يقلها الدكتور سعد ولا خصومه فى السلطة.. فالظاهر على السطح لى ولك يبدو عبثيا ولا يمكن أن يفسر نفسه بنفسه.
لمعلوماتك...
◄25 مايو 2009 تمت تبرئته من تهمة الإساءة لمصر
◄أيمن نور.. خطابات أوباما
عندما خرج من السجن بعفو رئاسى ربط الكثيرون بين هذا العفو وضغوط الخارج التى مورست على النظام بسبب ارتباط نور والإدارة الأمريكية، وترجع اتهامات العمالة والاستقواء بالخارج التى تعرض لها نور إلى لقائه بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت أثناء زيارتها للقاهرة مع بعض الناشطين الحقوقيين، وتضاعفت هذه الاتهامات أثناء سجن نور عندما وجه خطابه الشهير إلى الرئيس الأمريكى أوباما أثناء حملته الانتخابية.
◄نوال السعداوى.. الهجوم على مصر بمساعدة المنظمات الحقوقية
كاتبة وأستاذة متفرغة بالجامعة الأمريكية هربت إلى الخارج بعد الهجوم الشرس الذى تعرضت له بسبب أفكارها التى اعتبرتها ليبرالية، رغم أن الكثيرين أكدوا أنها تسىء للإسلام وللمرأة بشكل عام، وأثار هروب السعدواى العديد من الجهات الخارجية بعد أن بدأت فى شن حرب على مصر مستقوية بوجود بعض المنظمات الحقوقية التى تتبنى فكرها.
◄أسامة رشدى..جبهة تشويه مصر
هو أحد أعضاء تنظيم الجهاد واللاجئ حاليا إلى بريطانيا، ويستخدم جبهة إنقاذ مصر للاستقواء على النظام المصرى عبر نشر بيانات تسىء للنظام المصرى على مواقع الإنترنت وفى بعض الفضائيات مطالبا المجتمع الدولى بتوقيع عقوبات اقتصادية على مصر تحت زعم مصادرة الحريات وانتهاك حقوق الإنسان.
◄عادل الشاعر.. صاحب نكتة الاستقواء بإسرائيل
لا ترتبط فكرة الاستقواء بالخارج بالسياسيين والناشطين فقط، بل وصلت إلى المواطنين العاديين حينما تصادفهم مشكلات مع الحكومة أو الشرطة، كما حدث مع عادل الشاعر ابن محافظة بورسعيد، الذى طلب اللجوء لإسرائيل وأمريكا والحصول على جنسيتيهما بعد أن تعرض للتعذيب على يد أحد ضباط الشرطة بالإسماعيلية وبرر ذلك بقوله «طلبت اللجوء لإسرائيل بعدما فشلت فى الحصول على حقى داخل مصر».
هناك شىء غامض لا نعرفه.. شىء غامض فى الكواليس
الكيد السياسى بين سعد الدين إبراهيم والسلطة فى مصر
الخميس، 13 أغسطس 2009 04:28 م
سعد الدين إبراهيم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة