يسرى فودة

هذا يوم جيد لدفن الأخبار السيئة

اكذب ثم اكذب.. ثم اكذب

الخميس، 13 أغسطس 2009 04:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄دعونا نعصر على أنفسنا ألف ليمونة ونحن نقرأ هذا الكتاب الذى يقدم 25 قاعدة للاتصال من وجهة نظر إسرائيل

عندما وصلت أنباء الحادى عشر من سبتمبر إلى جو مور، المتحدثة باسم الحكومة البريطانية، لمعت فى ذهنها فجأة فكرة مثيرة عبرت عنها فى اتصال داخلى: نظراً لانشغال العالم بمن فيه الصحفيون كلهم بما جرى فإن هذا لا بد أن «يكون الآن يوماً جيداً جداً للإعلان عن أى شىء نريد أن ندفنه»، هى وأمثالها ينتمون إلى من يُطلق عليهم مصطلح Spin Doctors وتلك الحيلة التى لمعت فى ذهنها هى مجرد حيلة واحدة من بين حيل كثيرة يلجأ إليها هؤلاء للتحكم فى المعلومات وتقديمها بصورة معينة تخدم غرضاً محدداً.

فى المقال السابق استعرضنا عناوين فصول القاموس اللغوى لعام 2009 الذى ألفه «خبير التجميل» السياسى الأمريكى، الدكتور فرانك لونتز، لحساب مؤسسة «مشروع إسرائيل» الصهيونية، ويهدف منه، كما تقول مقدمة القاموس بشكل صريح، إلى تدريب «أصحاب الرؤى المرابطين على خطوط المواجهة الذين يخوضون الحرب الإعلامية من أجل إسرائيل كى ينجحوا فى كسب العقول والأفئدة».

دعونا الآن نعصر على أنفسنا ألف ليمونة ونحن نقرأ الفصل الأول الذى يحمل عنوان «25 قاعدة للاتصال الفعال»، هذه فى رأيه، من وجهة نظر إسرائيل طبعاً، هى:
القابلون للإقناع لا يهمهم كم تعرف بقدر ما يهمهم إيمانك بما تعرف، ومن ثم فإن عليك أن تُبدى تعاطفاً مع الجانبين، الهدف ليس إشعار الذين يؤيدون إسرائيل بالفعل بأنهم على حق، بل إن الهدف هو اكتساب أفئدة وعقول جديدة لصالح إسرائيل دون خسارة النوع الأول، ولتحقيق هذا عليك أولاً أن تفهم منظور غالبية الأمريكيين الذين يرون فى إسرائيل دورة متكررة من العنف منذ آلاف السنين، عليك أن تنزع عنهم شكوكهم المبدئية قبل أن تنطلق فى تغذيتهم بحقائق جديدة عن إسرائيل، والخطوة الأولى على هذا الطريق هى أن يشعروا باهتمامك بالسلام لكلا الجانبين، الإسرائيليين والفلسطينيين، وبصفة خاصة باهتمامك بمستقبل أفضل لكل طفل.

القدرة على وضع نفسك فى مكان الآخرين؛ فحتى أصعب الأسئلة يمكن قلبها رأساً على عقب إذا ظهر أنك على استعداد لقبول أن للآخر بعض الصلاحية على الأقل، فإذا بدأت إجابتك بـ..«إننى أتفهم وأتعاطف مع هؤلاء الذين..» فإنك تبنى أرضية للمصداقية تحتاجها كى تجذب الجمهور إلى التعاطف معك والموافقة على ما تقول.

اشرح مبادئك؛ فالأمريكيون يستجيبون بشكل أفضل للحقائق والأفعال والنتائج عندما يعلمون «لماذا» وليس فقط «كيف»، على سبيل المثال: لماذا يوجد سور أمنى؟ لأن الإرهابيين تسللوا من تلك المناطق 250 مرة كى يقتلوا أناساً أبرياء، ومن ثم فإن إسرائيل مضطرة إلى الدفاع عن مواطنيها ضد الإرهاب وأحد وسائلها لتحقيق هذا هو ذلك السور، وفى مثال آخر يمكنك أن تصدر تصريحاً من هذا القبيل: «كمسألة مبدأ نحن نؤمن بحق الأطفال فى تربية خالية من الكراهية، وعليه فإننا نلتمس من القيادة الفلسطينية أن تضع حداً لثقافة الكراهية فى المدارس التى يحمل 300 منها أسماء انتحاريين، ينبغى على القيادة الفلسطينية أن تحذف من فصول الدراسة تلك الكتب التى تحتوى خريطة الشرق الأوسط دون اسم إسرائيل وتلك التى تمجد الإرهاب».

ضع فارقاً واضحاً بين الشعب الفلسطينى وحماس؛ فثمة تمييز مباشر وواضح بين تعاطف الأمريكيين مع الفلسطينيين من ناحية وامتعاضهم من القيادة الفلسطينية من ناحية أخرى، حماس منظمة إرهابية والشعب الأمريكى يدرك هذا بالفعل، ولكن إذا هاجمت الشعب الفلسطينى (رغم أنه هو الذى انتخب حماس) ستفقد تأييد الرأى العام، ففى هذه الآونة يتعاطف كثير من الأمريكيين مع محنة الفلسطينيين وسيزيد التعاطف إذا فشلت فى التمييز بين الشعب وقادته، هذا مثال لما يمكن أن تقوله: «إننا نؤمن بأن الفلسطينيين يستحقون قيادة تهتم حقاً برفاهية شعبها، قيادة لا تتلقى ببساطة مئات الملايين من الدولارات على شكل مساعدات من أمريكا وأوروبا ثم تقوم بإيداعها فى بنوك سويسرية وتستخدمها لدعم الإرهاب بدلاً من السلام، إن الفلسطينيين يحتاجون إلى كتب لا إلى قنابل، ويحتاجون إلى طرق لا إلى صواريخ».

لا يوجد أبداً، أبداً، أى مبرر للذبح العمد للأبرياء من النساء والأطفال أبداً. الهدف الأول للعلاقات العامة الفلسطينية هو إبراز أن ما يوصف بانعدام أمل الفلسطينيين المقهورين هو ما يدفعهم إلى قتل الأطفال، لا بد من مواجهة هذا فى التو واللحظة بصورة مباشرة عنيفة، هذا مثال لما يمكن أن تقوله: «ربما نختلف حول السياسة وربما نختلف حول الاقتصاد لكنّ هناك مبدأً جوهرياً تتفق عليه الشعوب فى كل أرجاء العالم، وهو أن المتحضرين لا يستهدفون الأبرياء من النساء والأطفال حتى يقتلوهم».

لا تتظاهر بأن إسرائيل بدون أخطاء أو عيوب؛ فليس هذا حقيقياً ولن يصدقك أحد، وإذا حاولت غير ذلك فستكون كمن يدعو المستمعين إلى التشكك فى بقية ما تقول. إن اعترافك بأن إسرائيل ارتكبت أخطاء ولا تزال ترتكب أخطاء لا يؤثر فى عدالة أهداف إسرائيل (التى ينبغى عليك أن تؤكد عليها مراراً وتكراراً) وهى السلام والأمن وحياة أفضل للجانبين معاً، وفى هذا الإطار عليك أن تعتمد التواضع مدخلاً: «أعلم أن فى محاولتها الدفاع عن أطفالها ومواطنيها ضد الإرهابيين آذت إسرائيل بعض الأبرياء دون قصد منها، أعلم ذلك وأعتذر عنه، ولكن ماذا يمكن لإسرائيل أن تفعل كى تدافع عن نفسها؟ لو تنازلت أمريكا عن جزء من أرضها فى مقابل السلام واستُخدمت هذه الأرض لشن صواريخ عليها فماذا تفعل؟».

اهتم بنغمة الصوت؛ فالنغمة الواثقة من نفسها أكثر من اللازم وتلك التى تُربّت على أكتاف المستمعين لا يستريح لها الأمريكيون والأوروبيون، إن العالم الآن لا يعتبر اليهود عامةً والإسرائيليين خاصةً شعباً مضطهداً، بل إن المثقفين والمتعلمين وأصحاب الرأى من غير اليهود فى أمريكا وأوروبا يرون إسرائيل فى معظم الأحيان دولةً محتلة معتدية، بهذا الحمْل الثقيل فإن من الحاسم ألا تُفهم رسالة المتحدثين باسم إسرائيل على أنها متكبرة أو متلطفة تُظهر الشعور بالتفوق. وفى هذا الإطار تجنّبْ تماماً أن تقول شيئاً من قبيل أن «إسرائيل على استعداد لأن تسمح لهم ببناء..»؛ فليس من الجيد أن تُرى إسرائيل بصورة المانح المانع.

استخدم كلمة «توقف» كثيراً؛ فمن شأن ذلك أن يضيف إليك نقاطاً طالما أنك تضيف فعل الطلب هذا إلى بداية جملة خرجت من أفواه الإرهابيين المدعومين إيرانياً، على سبيل المثال: «إن تحقيق السلام يتطلب قيادة سياسية واقتصادية وعسكرية على الجانبين، ومن ثم فإننا نطالب الفلسطينيين بأن يتوقفوا عن استخدام لغة التحريض، توقفوا عن استخدام لغة العنف. توقفوا عن استخدام لغة التهديدات؛ فلن تحققوا السلام إذا تحدثت قيادتكم العسكرية عن الحرب، ولن تحققوا السلام إذا تحدث الناس عن إلقاء الآخرين فى البحر أو فى الصحراء».

ذكّر الناس، ثم ذكّرهم مرةً أخرى، بأن إسرائيل تريد السلام، وذلك لسببين: أولاً لأنه إذا لم ير الأمريكيون أملاً فى السلام فإنهم لن يريدوا من حكومتهم أن تنفق أموال دافع الضرائب ولا طاقة رئيسهم لمساعدة إسرائيل. وثانياً لأن المتحدث الذى يعتقد المستمعون أنه يميل أكثر من غيره للسلام سيفوز فى النهاية بالجدل؛ فكل مرة يستنجد أحد بالسلام يكون رد الفعل دائماً إيجابياً، عندما مد زعماء عرب شجعان، مثل السادات والملك حسين، أيديهما إلى إسرائيل تحقق السلام. هذا مثال لما يمكن أن تقول: «لقد قدمت إسرائيل تضحيات مؤلمة وخاطرت من أجل أن تمنح السلام فرصة، تطوعت بإزالة 9000 مستوطن من غزة وأجزاء فى الضفة الغربية اضطروا إلى هجر منازلهم ومدارسهم وأعمالهم ودور عبادتهم على أمل إحياء عملية السلام».

طبعاً لسنا فى مجال الرد على كل تلك المغالطات والأكاذيب لسببين: أولاً لأننا لا نريد أن نزايد على قدرة العقل العربى على تفنيدها فلدينا كل الثقة فيه، وثانياً لأن هدفنا هو وضع الأمر كما هو أمامه وأمام المتحدثين باسمنا فى المحافل الدولية دون تحريف عسى أن يساعدنا ذلك على صياغة رسالتنا إلى العالم بشكل أفضل. ونواصل الأسبوع القادم إن شاء الله.








مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة