القنوات التليفزيونية الفضائية الخاصة حققت للإعلام المصرى ثراء واسعاً وحقيقياً واختصرت الفارق الشاسع مقارنة بإعلام دول أخرى محيطة.. وهى فى ذلك تستحق أن ندعمها ونساندها ونرتقى بها.. لكن فى قضية حقوق البث تريد هذه القنوات أن يساعدها الجميع ولا تهتم أن تساعد نفسها أولاً.
والقضية فى هذه القنوات أخلاقية.. هى تحتاج إلى تثبيت أخلاقيات العمل ودعم إنتاجها وأخص الإعلام الرياضى فيها.. وفى إحدى القنوات الرياضية الشهيرة التى قدمت شاشتين لعرض إنتاجها.. اختارت طريقا تقليدياً فى الإعلام المصرى يعتمد على شراء الأسماء قبل شراء منتج له مضمون.. ودفعت لهذه الأسماء 75 % من ميزانية الرواتب التى تعدت مليونا و200 ألف جنيه شهرياً يحصل عليها عدد لا يزيد على عشرة أفراد.. يقترب راتب خمسة منهم على الأقل من مليون جنيه سنوياً فى الوقت الذى يضلل مسئولو هذه القناة الناس بالتركيز على المعاناة من تضخم التكاليف التى يجب أن يقابلها مرونة من أجهزة الدولة ومن الأندية واتحاد الكرة لكى تساعدها على تغطية هذه التكاليف.. وفى حربها الناشئة مع الأندية تفاصل فى مليون أو مليونين أو حتى ثلاثة سنوياً بما يوازى ثلاثة رواتب.. وفى نفس توقيت هذه الحرب تتخبط وتبحث فى كشوف الرواتب ويتسابق مسئولوها الأساسيون الذين يحصلون أيضاً على الملايين سنوياً فى كيفية تحديث ميزانية تقلل النفقات دون المساس بالقطط السمان وكانت النتيجة أن تم فصل أكثر من مائة موظف يحصلون أصلاً على الفتات.. ولم يكن لأخلاقيات المهنة وجود عند التفكير فى حماية المصالح الخاصة أولاً، حيث فوجئ المفصولون بمسئول طويل وعريض وجامد الملامح لا تعرف إذا نظرت إليه ما إذا كان سعيداً أم حزيناً.. يجلس على مقعد فى مدخل القناة يرد الموظفين المفصولين إلى منازلهم وفى يده قائمة بآخرين يسابق الزمن لكى يلحق بهم فى الطريق ويحول مسارهم إلى منازلهم أيضاً.
وإذا سألت أحد هؤلاء المسئولين عن السر فى عدم ضبط الميزانية بمراجعة الرواتب العجيبة لبعض الأسماء.. يرد عليك ببرود.. الدكتور محتاجهم يساندونه فى وسائل إعلامهم وصحفهم التى يعملون بها.. هى بالتأكيد شأن خاص لعمل خاص وكل صاحب عمل حر فى ماله.. لكن فى الوقت نفسه هو ليس حرا فى أن يطلب من الآخرين أن يوفروا له نفقات يجب أن تذهب لمستحقيها من الأندية التى تواجه معاناة ثقيلة جداً تهدد وجودها فى الأساس.
إذا كنا نحترم ونخاف على القنوات الخاصة باعتبارها جزءا أساسيا من واجهة الإعلام المصرى، فإن عليها فى المقابل أن تحترم شرف العمل الإعلامى وأصول الهيكلة الوظيفية القادرة على تقديم منتج إعلامى شريف لا يتاجر بأطراف أخرى أكثر احتياجاً للمال الذى تهدره هذه القنوات.
واستكمالاً للواجهة الأخلاقية المشوشة.. يتخلى صحفيون كبار عن ميثاق الشرف وعن عدالة الحكم فى القضايا الخلافية.. هؤلاء الذين يظهرون بشخصية مثالية فى صحفهم تكاد تعرضهم للرأى العام حكماء.. نجدهم فى قضية حقوق البث سجلوا درجة عالية جداً من التحيز للقنوات التى يعملون بها دون مراعاة الموضوعية التى ينادون بها فى أماكن أخرى.. فكل الأطراف فى رأيهم خطأ فى قضية البث إلا الطرف الذى يمنحهم أعلى رواتب فى تاريخهم المهنى.. وقد كان عجيباً ومثيراً للاندهاش أن يعلن هؤلاء تحدى الأهلى فى مشكلة منع إذاعة مبارياته وهم الذين تحدثوا طوال عمرهم بلسان الأهلى.. ونجدهم يقاتلون أكثر من أصحاب هذه القنوات وأكثر من الدكتور الذى يضع العاملين معه أمام خيارين إما أن يحاربوا معركته مهما كانت حدودها الأخلاقية، وإما سيغلق القناة وهو الاختيار الثانى المخفف للتهديد الأساسى والذى معناه حرمانهم من الثروة التى هبطت عليهم من السماء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة