د. محمد سيف

إنهم يزرعون الخوف!!

الثلاثاء، 11 أغسطس 2009 08:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الخوف ثقافة مغروزة فى وجدان الشعب المصرى، وبخاصة فيما يختص بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم, وغالبا ما كان الحاكم فى عصور سابقة يلجأ إلى زراعة الخوف فى قلوب محكومية عندما يشعر بأنه شخص غير مرغوب فيه, أو أنه يريد تمرير قرارات لا يريد أن يعارضه فيها أحد, أو أنه فى حالة من الضعف الإدارى أو القيادى فيستعيض عن ذلك بعصا السلطان الغليظة لتخويف المعارضين أو المخالفين، ولذلك عندما يعلو صوت الترويع والتخويف دل ذلك على حالة الوهن التى يمر بها السلطان.

فلقد عبر القرآن الكريم عن هذه الحالة أيما تعبير حينما قص علينا قصة موسى عليه السلام مع فرعون, ففرعون اشتهر ببطشه وظلمه, وأم موسى تخشى أن يقتل فرعون وليدها, فيأتى التطمين الإلهى (وَلا تَخَافِى وَلا تَحْزَنِى....), وتصيب الخشية موسى من بطش فرعون عند مقتل القبطى (المصرى) فيقرر الفرار (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ....), ثم يعاوده الخوف من فرعون, عند مجىء التكليف الإلهى بدعوة فرعون وملئه إلى الإسلام وعدم تعذيب بنى إسرائيل والأذن لهم بالخروج من مصر (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى....), فيهدئ الله من روعهما (قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى....), وثالثة يتحرك الخوف فى وجدان موسى عند مواجهة السحرة, فيأتى التعقيب الإلهى (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى....), ثم يفر موسى وقومه فيتبعهم فرعون وجنوده, فيعلن قوم موسى عن حالة الخوف التى انتابتهم, ولكن يبدو أن موسى قد وعى الدرس جيدا فيرد قائلا (كَلا إِنَّ مَعِى رَبِّى سَيَهْدِينِ....) وتكون نهاية فرعون.

ويبدو أن ثقافة الخوف لم تمت بموت فرعون فقد برز إلى الوجود مئات الفراعين الذين يبثون ثقافة الخوف فى أرجاء المجتمع, فتعاقبت معهم هذه الثقافة عبر الأجيال، الأمر الذى دفع الكاتب ثروت أباظة أن يخرج إلينا رائعته الرمزية "شىء من الخوف", والتى صور فيها المجتمع المصرى بكفر الدهاشنة, الذى سيطر عليه الخوف من أقطاب السلطة المتحكمة فيه متمثلة فى "عتريس" ورجاله, المعروف عنهم البطش بكل من يخالفهم, وبثهم لثقافة الخوف فى أرجاء المجتمع, وتحت وازع الخوف هذا راحوا يسطون على أموال الناس وممتلكاتهم وأعراضهم ودمائهم دون أن يقف فى وجههم أحد, فلما شاءت الأقدار وذبح البعض من أهل القربة الخوف وأراقوا دمه, ووقفت المرأة الضعيفة "فؤادة" فى وجه هذا الطاغوت, ووقف معها رجل الدين متمثلا فى الشيخ "إبراهيم" يعارضون هذا الفساد والظلم, ويدفع المقاومون الثمن بمقتل ابن الشيخ ابراهيم, وتكون النتيجة على عكس ما تمناه الظالمون, مواصلة الكفاح وعدم الاستسلام لهذا الظلم الأثيم, فتشجع بذلك الضعفاء وشد على يد الخائفين وربط على قلوبهم, لتكون حركة التغيير لهذا الوضع النكير, فيهلك الطاغوت وتأتى بشائر النصر وعلامات التغيير.

وعلى الرغم من كل الأمثال سابقة الذكر والتى يعرفها المجتمع يظل إصرار المجتمع على إعلانه حالة الخوف فى قوله "من خاف سلم" حتى لكأنك تشعر بعلاقة حميمية مع الخوف فى قوله ( إللى تخاف منه مفيش أحسن منه), وغيره من الأقوال, تجعلك تحس أن حالة الخوف التى تتملكه تبلغ به حد الشلل من أن يرد ظلما أو يدفع طغيانا, وكأن لسان حاله يقول "ليت السماء تتدخل فتنزل عقابها على الظالمين والمفسدين ونظل نحن فى بيوتنا آمنين منعمين", وإذا كانت السماء تتدخل فى بعض الأزمان والأوقات عند عجز البشر عن دفع الظلم, فليس ذلك بحادث إلا أن يستفرغ البشر الأسباب فى دفع أسباب التخويف والترويع.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة